الروائي السعودي خالد اليوسف لـ «الشرق الأوسط»: لا أؤمن بالحرية المطلقة والعصرنة المنفلتة

أصدر روايته الأولى بعد انتظار عشرين عاما

خالد اليوسف («الشرق الأوسط»)
TT

تبرز رواية «وديات الإبريزي» لمؤلفها الأديب السعودي خالد اليوسف، التقاطعات والموروثات الاجتماعية للمجتمع وسط محاولة لسبر أغوار الوقائع المدهشة في تجربة المدن التي تحمل هويات متباينة، وتعكس متطلبات لحياة منفتحة وجديدة ومغايرة لما هو مألوف من عادات وتقاليد وموروثات.

يقول اليوسف في حوار لـ «الشرق الاوسط» في الرياض إنه ضد الحرية المطلقة والعصرنة المنفلتة، وإنه ليس على المبدع الروائي أن يكون مصلحا اجتماعيا، ولكن بإمكانه أن يكون مؤرخا ومراقبا لأحوال المجتمع.

وهنا حوار معه عن روايته والمشهد الروائي السعودي عموما:

* في اعتقادك ماذا أضافت «وديان الإبريزي» للرواية السعودية؟

ـ لم يمض على صدور الرواية إلا شهران تقريبا، وأمنيتي أن تُقرأ وتُدرس وتُحلل ليُنظر فيما أضافته في جوانب كثيرة، لعل أبرزها الشخصية والمكان والتحليل النفسي والاجتماعي، ثم طرح كثير من التقاطعات الاجتماعية والموروثات والوقائع المدهشة!

 * هل ترى أن الرواية جسدت رحلة الانتقال من المدينة المنغلقة إلى المدينة المنفتحة.. ماذا أردت أن تقول من خلال ذلك؟

ـ من المعلوم أن المدن المطلة على البحر أو الساحلية أو الصناعية أكثر انفتاحا من المدن الداخلية، وهي المدن المحاصرة بموروثات المكان والجوار والقبيلة وفرائضها، بخلاف الأخرى التي تستفيد كثيرا من الاختلاط والزوار والارتحال والأفق الواسع، لهذا كان نصيب روايتي وأبطالها أن تتمحور بين مدينة داخلية: بريدة، وموقع آخر يرمز لأي مكان في الجزيرة العربية أسميته: الديرة. المدن الساحلية مؤثرة بصورة كبيرة: الخبر، ينبع، جدة، لندن، هذه المدن جاءت بصدمة كبيرة على سعد، مقابل تماضر وحصة اللتين لم تصدما بالواقع وهما من المدن الساحلية.  

* ما العناصر الأساسية التي تتقاطع في هذه الرواية؟ 

ـ في «وديان الإبريزي» عناصر كثيرة لعل أبرزها: تعددية المكان ومدلولاته من لهجات وأصوات وأفكار وعادات وتقاليد، الشخصيات الرئيسية والمرادفة في كثير من المواقع داخل الوطن وخارجه، الأبعاد النفسية لهذه الشخصيات، الإسقاطات التاريخية المرافقة لعدد من الأحداث، تنوع الضمائر والأصوات وسردية الحدث، تداخل الشعر وحضوره كأداة مهمة في سياق الحركة والحدث، وقائع وطقوس دينية يجهلها كثير من الناس ساقتها وفرضتها متطلبات تنامي الأحداث!  

 * ما توقعاتك لمستقبل الرواية السعودية ومدى درجة انفتاحها؟

ـ لدي تفاؤل كبير وأشعر أن مستقبلها سيكون مبهرا ومثيرا للعالم، خاصة إذا ساعدت حركة النشر والتوزيع في وصول عدد من المبدعين، حيث هناك حرص على الغوص في المجتمع والحوار مع كيانه وتكوينه، والأسماء تتجدد في كل يوم، لأن الطاقات الإبداعية لا حصر لها.

وقد خطت الرواية السعودية في هذا العقد خطوات سريعة جدا، وقد تجاوزت كما وكيفا ما أُنتج في العقود السبعة السابقة، ولم تصل إلى هذا المستوى إلا بعد تضحيات ومحاولات وكتابات عدد كبير من الرواد والروائيين الأوائل، وهم من وضع اللبنة الأولى مضمونا وتكنيكا وإبداعا، ثم نشرا وانتشارا.

 * على الرغم من البداية المبكرة لانطلاق الرواية في السعودية، فإنها لم تحقق نضجها الفني بعد.. إلى أي مدى يصح هذا الرأي؟

ـ طبعا الأقوال والآراء والتعليقات لا حصر لها، لكن الدراسات العلمية والأدبية القائمة على أصول نقدية واضحة تخالف هذا الرأي، وقد أثبتت جميع الدراسات أن أعمال الراحل حامد دمنهوري هي من أنضج الروايات العربية، وقد انطلقت بعدها كثير من الروايات المتقدمة، ولهذا، تاريخيا، تعتبر بداية الرواية السعودية من منتصف ستينات القرن الماضي، وهي البداية الحقيقية لها.  

 * بعض المراقبين للمشهد الروائي السعودي يقولون إن الرواية السعودية بقيت أسيرة البدايات المتعثرة.. ما تعليقك على ذلك؟

ـ كيف تكون الرواية السعودية أسيرة البدايات المتعثرة وهي الآن في انتشار ليس عربيا فقط، بل على مستوى عالمي؟!، وقوائم الناشرين والباحثين تثبت هذا. والناشرون العرب في بيروت وفي القاهرة حريصون على نشر أي رواية سعودية، وأعرف عددا منهم لا ينشر إلا الكتابة المتجاوزة والمبدعة والجديدة في طرحها، أي أن الرواية السعودية مطلوبة من كل الناشرين العرب.

أما الباحثون، فأنا أؤكد أن عددهم يتزايد في كل الدول العربية، حيث صدر عدد من الكتب الخاصة بالرواية السعودية، وهناك كتب كثيرة درست الرواية العربية وأدرجت الرواية السعودية ضمنها، وكل عام تتزايد هذه الدراسات، خاصة من الجامعيين، وعلمت وتابعت عددا من الأخوة الذين علموا أن الجامعات الغربية اشتغلت على ترجمة ودراسة عدد من الروايات السعودية وهذا ليس غريبا.

* روايتك «وديان الإبريزي».. يعتقد البعض أنها محاولة للتمرد على الأفكار الإصلاحية؟

ـ أنا لا أفهم ماذا تقصد بالأفكار الإصلاحية؟ لأن الرواية جاءت بعد تجربة كتابية طويلة في مجال السرد، وأعرف أن المبدع الروائي ليس مصلحا اجتماعيا، وإنما هو مؤرخ اجتماعي، وربما مراقب ومتابع لأحوال المجتمع، وربما كاتب من أجل الكتابة فقط!.

روايتي جاءت لتعلن عن صوت اجتماعي ينادي للأجمل، وهي انعكاس لأحوال تتطلب حالا جديدة مغايرة في كثير من العادات والتقاليد والموروثات، وهي التي تقبل النقاش والتحليل والمطالبة بأجمل منها، على الرغم من أن الأيام أهملت كثيرا منها.  

* هل حاولت بهذه الرواية نقل حيرة المدنية من تحت ركام الانغلاق التاريخي إلى فضاء الحرية والعصرنة الواسع؟

ـ ليس أي حرية تقبل ولا العصرنة المنفلتة ترضي، للمرأة دور كبير في الحياة وهي شريكة الرجل في مسيرة دولابها، والمرأة تغلبت على الرجل في مواقف كثيرة، من هنا وقفت حصة الإبريزي في وجه كل موروث تاريخي سلبي! وليس بعد تعلم المرأة انغلاق على الذات، وإنما انفتاح يقبل الجميع! 

* من البحث للرواية

* يدخل القاص خالد اليوسف، على عالم الرواية عبر روايته الأولى «وديان الإبريزي» وهو المعروف بجهده في رصد وتوثيق الإنتاج الأدبي السعودي عبر «ببليوغرافيا النشر والتأليف الأدبي» في السعودية، ومؤلفه المشترك مع الدكتور حسين بن حجاب الحازمي بعنوان (معجم الإبداع الأدبي في السعودية)، حيث أصدر فصلا عن (الرواية.. مدخل تاريخي) هو دراسة ببليوغرافية ببلومترية، كما سمياها، ومؤلفات اليوسف وفرت جهدا كبيرا على الباحثين في تقصي المنجز الأدبي المتنوع في السعودية، وأتاحت للباحثين دراسة التحول الأدبي، خاصة فيما يتعلق بالفنون الأدبية التي شهدت تحولا ملحوظا في سياقها وفي قدرتها على اجتذاب عناصر جديدة، كالرواية مثلا، خاصة على الصعيد النسائي.

وأصدر اليوسف والحازمي قبل أشهر معجم الإبداع الأدبي، في كتاب وإصدار مستقل، خصص الكتاب الأول منه لرصد مسيرة الرواية، وقد دأب المؤلف على نشر نتائج دراساته في الصحف، في الوقت الذي كان اليوسف يعبر عن طموحه بأن تتولى مؤسسة ثقافية رسمية أو خاصة احتضان تجربة الببليوغرافيا، حتى تخرج من كونها جهدا فرديا إلى عمل مؤسسي يضمن تطويرها وبقاءها كحاجة لتوثيق ورصد ومتابعة الإنجاز الأدبي السعودي.

أما بالنسبة للنتاج الأدبي، فقد أصدر خالد اليوسف ست مجموعات قصصية هي «مقاطع من حديث البنفسج» 1984، «أزمة الحلم الزجاجي» 1987، «إليك بعض انحنائي» 1994، «امرأة لا تنام» 1999، «الأصدقاء» 2004، و«المنتهي رائحة الأنثى» 2008.

وعلى مدى عشرين عاما، كان هاجس الرواية يطارد اليوسف، إلى أن جاءت الفرصة الأولى في روايته «وديان الإبريزي»، التي صدرت عن دار «الانتشار العربي ـ بيروت» 2009، وتقع في 184 صفحة.