مستقبل «الجهاد» يكمن في جنوب آسيا

ريدل يقدم للقارئ ما يرغب في أن يعلمه عن «القاعدة».. وإدارة أوباما تتبنى آراءه

البحث عن «القاعدة»: قادتها وآيديولوجيتها ومستقبلها المؤلف: بروس ريدل مطبعة معهد بروكينغز واشنطن 2008
TT

قد تقنعك زيارتك لغالبية المكتبات، في السنوات القليلة الماضية، بأن تملك صنوف الكتب التي قد يرغب أي فرد في قراءتها بشأن القاعدة.

لكني لا أعتقد ذلك. فغالبية الكتب التي قرأتها لم تكن لتتعدى إعادة لتجميع بعض القصاصات لبعض الأعمال السابقة التي تناولت تلك المجموعة الإرهابية التي اكتسبت شهرة سرمدية بأنها هي التي تقف وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على نيويورك وواشنطن. بيد أن هناك بعض الاستثناءات. وكتاب بروس ريدل (180 صفحة) واحد من تلك الاستثناءات. فمن خلال أسلوب قصصي سريع يقدم ريدل للقارئ ما يرغب أن يعلمه عن القاعدة.

* يعتمد ريدل (زميل معهد بروكينغز والمستشار السابق لثلاثة من الرؤساء الأميركيين للشرق الأوسط) على خبراته الشخصية واطلاعه على المصادر السرية، ليقدم كتابا في شكل روائي يغص بالحقائق.

غير أن أفضل أجزاء الكتاب ذلك القسم التحليلي الذي يحاول ريدل من خلاله أن يكون ابتكاريا في صياغة توصيات صناعة السياسة، وربما كان السبب الأكثر أهمية للكتاب هو أن آراءه لقيت صدى كبيرا في إدارة الرئيس أوباما.

يشير ريدل إلى أن الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش كان مخطئا في حديثه عن "الحرب على الإرهاب" عوضا عن الحرب ضد القاعدة، كما انتقد غزوه العراق بدلا من التركيز على أفغانستان وباكستان حيث لا تزال القاعدة تحتفظ بجذورها هناك.

تبرز في ثنايا الكتاب ثلاث توصيات سياسية: الأولى ضرورة أن تساعد الولايات المتحدة الخطاب الإسلامي المضاد للقاعدة عبر تشجيعه ودعم القوى الإسلامية التي تقدم منظورا مختلفا للدين ومكانه من العالم. ويدلل ريدل على ذلك بالإدانة التي لقيتها القاعدة ووسائلها في مصر والدول الأخرى من قبل العديد من الأصوليين السنة. وبعبارة أخرى، فإن للولايات المتحدة العديد من الحلفاء من الفرق الإسلامية الأخرى، ويمكن أن تدعم الولايات المتحدة في حربها ضد التطرف.

الثانية أن تقوم الولايات المتحدة بتخصيص جهد أكبر للقضية الفلسطينية، ويقر ريدل مبدأ الرئيس بوش بشأن حل الدولتين كأساس للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، لكنه ينتقد الإدارة السابقة وتقصيرها في تحقيق هذا الهدف.

أما التوصية الثالثة، فهي استراتيجية تطوير شاملة لجنوب آسيا ككل، حيث يعتقد ريدل أن "مستقبل الجهاد يكمن في تلك المنطقة"، ومن ثم فإنه يطلب إيلاء باكستان اهتماما خاصا، حيث يعتقد أن الرؤساء الأميركيين المتعاقبين دأبوا على دعم الحكام العسكريين الطغاة الذين لم يتمكنوا من تحريك الدعم الشعبي لمعركة حقيقية ضد التطرف. ومع التبني الواضح لإدارة أوباما لآراء ريدل، فسوف نشهد سريعا ما إذا كانت تلك التوصيات قد آتت ثمارها المرجوة أم لا.

وكما هو الحال دائما، فهناك ملاحظة تحذيرية يجب الالتفات إليها، فبعض الإسلاميين "المعتدلين"، على سبيل المثال، الذين يفترض بهم مساعدة الولايات المتحدة ضد القاعدة يعادون الولايات المتحدة مثل أسامة بن لادن، لكن الاختلافات بينهم وبين زعيم القاعدة تكتيكية وليست استراتيجية، فهل سيكون من المعقول التضحية بعدد من القوى الإسلامية الموجودة في العالم الإسلامي للتحالف مع الأصوليين المعتدلين، كيوسف القرضاوي، العالم المصري الذي يعمل في قطر؟

أما بالنسبة إلى حل الدولتين في فلسطين، فمن الواضح أن كلا من إسرائيل والفلسطينيين لا يرغبان في ذلك الآن، وما من سبيل أمام الولايات المتحدة لفرض هذا الحل على شركاء لا تتوافر لديهم الرغبة لقبوله. بيد أن إقامة الدولة الفلسطينية لن تحوّل ذئاب القاعدة إلى حملان، وستصبح فلسطين - مثلها مثل أي دولة عربية أخرى - هدفا آخر للقاعدة. كما أن من السذاجة الاعتقاد بأن القاعدة تحارب من أجل إنشاء الدولة الفلسطينية، فالقاعدة - كما يذكر ريدل في بداية كتابه - تسعى إلى غزو العالم. وأخيرا يمكن مناقشة القضية الأخرى الخاصة بالتدخل الأميركي في أفغانستان، حيث تحارب القوات المتحالفة عددا من المجموعات الأصولية المختلفة والتي يحمل القليل منها العداء للأجندة الأميركية. وعلى أرض أفغانستان سحقت القوات الأميركية القوات التي حاربت روسيا والصين والهند وأوزباكستان والفلبين وتايلاند وإندونيسيا والجزائر وليبيا واليمن والسعودية، وقد استفادت تلك الدول من التضحيات البشرية والمادية التي قدمتها الولايات المتحدة لكنها لم تقدم شيئا في المقابل لدعم الولايات المتحدة في أفغانستان.

كان من الممكن أن يخرج كتاب ريدل بصورة أفضل لو أنه تعرض لتحرير دقيق وتم التحقق من الوقائع الموجودة به، فالكثير من المصطلحات العربية قد استخدمت في الترجمة بصورة خطأ، فقد كتب المؤلف أسماء رئيسَي العراق وأفغانستان خطأ، كما أن الكتاب يكرر الأساطير التي ألفها أسامة بن لادن زعيم القاعدة، والملا محمد عمر زعيم طالبان، عن عدم مشاركتهما في حرب التحرير الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي، لأن الكتاب نُشر قبل الانتخابات العامة الباكستانية العام الماضي، ويزعم الكتاب أن بوش رتب الأمور لكي تظل على وضعها القائم. غير أن الانتخابات أفرزت نجاحا مدويا لمعارضي برفيز مشرف السياسيين، أدى إلى إجباره على الاستقالة.

ونظرا إلى أن الكتاب نُشر قبل النجاحات الأخيرة في العراق، يرى ريدل أن مستقبل تلك الدولة التي حُررت لا يزال ضبابيا، وقال ريدل إن أبو مصعب الزرقاوي زعيم جماعة القاعدة في بلاد الرافدين، في ذلك الوقت، كان ناجحا على حد كبير، لكن الزرقاوي قتل إبان وجود الكتاب في المطبعة استعدادا لنشره، ولذا يعتقد جميع المراقبين أن القاعدة في العراق تلقت هزيمة موجعة. وعلى صعيد متصل يزعم ريدل أن قيادة القاعدة لا تزال محصنة، بيد أن التقارير التي صدرت عن الخبراء والوكالات الاستخبارية في عام 2003 تكشف عن صورة مغايرة تماما، فمن بين 25 شخصا يمثلون قائمة قيادة القاعدة لا يزال ثلاثة أفراد منهم أحياء ويمارسون دورا عمليا، أما الباقون فإما أنهم قتلوا وإما محتجزون في السجون الأميركية في أفغانستان أو في معتقل غوانتانامو.

يؤكد ريدل على أن بن لادن كان يرغب في أن تقوم الولايات المتحدة بغزو أفغانستان وأن تغوص في مستنقعها هناك لتنزف لسنوات، لكن ذلك تأكيد غريب، فبدايةً، من غير المؤكد أن تقوم الولايات المتحدة بغزو أفغانستان ما لم يكن بوش رئيسا للدولة، فعندما هاجمت القاعدة مركز التجارة العالمي في عام 1993 وقتلت سبعة أفراد، ما كان من الرئيس بيل كلينتون إلا أن أمر بإطلاق بعض الصواريخ على حظائر الحيوانات الخالية في أفغانستان، ولو أن آل جور كان الرئيس الولايات المتحدة في عام 2001، لكان قد أرسل بيل ريتشاردسون في بعثات دبلوماسية مثيرة للشفقة إلى كابول، والتي يتذكرها ريدل منذ عهد كلينتون.

يقدم ريدل عددا من الملاحظات، لكنه يقدم عددا من التأكيدات تجعل القارئ متعطشا للمزيد، فعلى سبيل المثال أشار إلى أنه في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 اكتُشف العديد من المؤامرات التي أُحبطت في مهدها، لكنه لم يقدم المزيد من التفاصيل الخاصة بها. وأشار أيضا إلى أن هناك أكثر من 5,000 إرهابي جزائري يعيشون في فرنسا، وهو رقم ضخم وغالبية القراء كانوا متعطشين لمعرفة مصدر هذه المعلومات. وقال ريدل إن هجوم القاعدة على تل أبيب بأسلحة الدمار الشامل يمكن أن يحصد 125,000 قتيل، ومرة أخرى يتعطش القارئ لمعرفة نوع أسلحة الدمار الشامل، والأهم من ذلك هو كيفية تحديد الرقم.

تعد بعض تأكيدات ريدل مثيرة للجدل، فعلى سبيل المثال يستبعد قيام تحالف بين حماس، الجماعية الراديكالية الفلسطينية، والقاعدة، غير أنه لا يذكر السبب وراء ذلك، والحقيقة هي خروج حماس والقاعدة من تحت عباءة الإخوان المسلمين، وهناك إمكانية كبيرة لتحالفهما في وقت ما لتوحيد جهودهما ضد عدو واحد. ترجع جدارة كتاب ريدل في أنه يعزّز، وفي بعض الأحيان يستثير، التفكير والجدال، ويُعتبر إسهاما جيدا في النقاش العام.