كيف قرأ المثقفون الخليجيون خطاب الرئيس الأميركي أوباما؟

أبعاد ثقافية وحضارية تحجبها القراءة السياسية

TT

كيف قرأ المثقفون الخليجيون الخطاب التاريخي للرئيس الأميركي باراك أوباما؟، وهل ثمة قراءة ثقافية لهذا الخطاب؟ وكيف ينظر المثقفون السعوديون والخليجيون لمحاولات بناء الثقة، التي جاء بها الرئيس الجديد، وخاطب بها الرأي العام العربي والإسلامي من القاهرة؟

البعض اعتبر الخطاب حفلة «علاقات عامة» قام بها الرئيس لتحسين صورة الولايات المتحدة، بعد الذي شابها خلال فترتي حكم الرئيس السابق جورج بوش، في حين يرى البعض الآخر أن أوباما ذا الجذور الإسلامية والأصل الأفريقي أقدر على التواصل مع العالم الإسلامي، وخلق حالة من الحوار الثقافي والحضاري بين الجانبين بشكل أكبر من السابق، وعلى تجسير الهوة التي نشأت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي جعلت العالم الإسلامي في مرمى قوس السياسة الأميركية. هنا آراء قسم من المثقفين الخليجيين حول خطاب أوباما ودلالاته.

الدكتور عبد الرحمن الحبيب، الكاتب السعودي، أجرى دراسة على المقالات الصحافية التي تناولت الخطاب، حيث وجد أن 44 في المائة من هذه المقالات الصحافية مؤيدة للخطاب، و31 في المائة محايدة، و25 في المائة متشائمة. ويرى الحبيب أن المجتمع العربي يعاني من القراءة السياسية ضيقة الأفق لكل ما يوجه له، حيث قرأ الخطاب قراءة سياسية. ويقول: «حتى المثقف يقع تحت وقع هذه القراءة، ليس لخطاب رئيس أكبر دولة في العالم بل حتى للرواية والقصة». المفاجأة كما يقول الحبيب من دراسته التحليلية للمقالات، التي تناولت الخطاب، إن هناك من أنتقد وشتم الخطاب دون أن يقرأه أو يسمع به.

* العالم الإسلامي أم الشرق الأوسط؟

* ويرى الكاتب السعودي زكي الميلاد، أن الخطاب خضع كما ذكرت وسائل الإعلام لاستشارات واسعة، وشارك في إعداده بعض المستشرقين، ومختصون من داخل العالم الإسلامي، كما تضمن إشارة مهمة وهي استخدام تسمية العالم الإسلامي، هذه التسمية التي تراجعت بشكل كبير مقابل مصطلح الشرق الأوسط لدى الساسة الغربيين، التي اعتبرها صانعو الخطاب الإعلامي في الولايات المتحدة على وجه الخصوص بحكم المصطلح المندثر. وهذه الإشارة ذات البعد الثقافي والحضاري كانت مقصودة من قبل الرئيس، مما أعطى المثقفين في العالم الإسلامي إشارات لمدى تفهم الإدارة الأميركية للمكون الثقافي والروحي للمجتمعات الإسلامية.

* كيف تحسنت الصورة؟

* ويقول زكي الميلاد، إن العالم الإسلامي بنخبه الثقافية والسياسية كان بحاجة إلى أن تتبنى الولايات المتحدة خطابا آخر غير خطاب صدام الحضارات، الذي كان يعيق أي حوار يقوم بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، ويضيف: «هذا الخطاب قدم لنا تأكيدا أن الولايات المتحدة الأميركية تجاوزت صدمة أحداث 11 سبتمبر. وفي الإطار ذاته، يقول الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات: «حان الوقت للخروج من حالة التخندق الثقافي والحضاري، الذي وضعنا أنفسنا فيه، بعد 11 سبتمبر».

إن وضوح الرؤية في الخطاب بالنسبة للجانب الأميركي، كما يعتقد المحمود، أعلى منها لدى الطرف الإسلامي المعني بالخطاب، لذلك يمكن القول إنه لا ينبغي التفاؤل بالمطلق، ولا التشاؤم بالمطلق أيضا، وإنما لنعطي الخطاب فرصته في السياسة الأميركية تجاه العالم الإسلامي وتجاه قضيته الأساسية، القضية الفلسطينية.

* توقيت الخطاب

* وترى الدكتورة ابتسام الكتبي، الكاتبة والأكاديمية الإماراتية، أن البعد السياسي واضح بشكل جلي في توقيت إلقاء الخطاب، الذي سبق الانتخابات النيابية في لبنان والانتخابات الرئاسية في إيران.

واعتبرت الكتبي، الخطاب خطابا سياسيا مغلفا بالثقافة الدينية، حيث عزف الرئيس أوباما، على وتر الدين لخلق نوع من التقارب مع العالم الإسلامي، عندما أشار إلى أن نصف عائلته من المسلمين، وأنه مطلع على الثقافة الإسلامية، وأنه قضى جزءا من حياته في بلد إسلامي. إلا أنه مع كل ذلك، كما تقول الكتبي، لا ينظر إلا إلى المصلحة الأميركية. والدليل على ذلك، أن الخطاب، كما تقول، كان موجها في الأساس إلى العالم العربي، بحكم الصراع العربي الإسرائيلي، وباعتبارها المنطقة الأهم بالنسبة للمصالح الأميركية.

* من يخاطب أوباما؟

* قد يقول البعض إن النخب السياسية والثقافية والليبرالية (المعتدلة) في العالم العربي ليست بحاجة إلى الخطاب، كما يرى الكاتب السعودي محمد بن على المحمود، فهي منفتحة على الولايات المتحدة الأميركية، وهناك شبكة علاقات بين الطرفين لم تنقطع خلال الفترة التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر.

لكن المحمود، يعتقد أن الخطاب جاء للتواصل مع الفئات المتشددة، «مما يدعو للتشاؤم بين المثقفين، لأن الفئات التي يخطب الرئيس أوباما ودها في خطابه، لها موقف محدد من الولايات المتحدة الأميركية، كأن الرئيس أوباما يريد أن يصافح من لا يرغب في مصافحته».

* اختلاف اللغة

* لكن، هل خلق الخطاب حالة حوارية، ومد جسور الثقة بين عالمين؟ البعض وجده حوارا بين طرفين، احترم خلاله الرئيس الأميركي الطرف الآخر وعامله معاملة الند، وتخلى عن اللغة العالية والمتكبرة، التي كانت تمارسها القيادة الأميركية تجاه العالم الإسلامي والقضايا العربية والإسلامية. عن ذلك، يقول الدكتور باقر النجار، الأستاذ في جامعة البحرين: «اللغة المختلفة تماما التي اتبعها أوباما منذ دخوله للبيت الأبيض ساهمت في خلق نوع من القبول لهذا الخطاب، وهي لغة تختلف عن لغة الجناح التقليدي في الحزب الديمقراطي، الذي يمثله الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. إنها لغة متجاوزة ومتقدمة حتى على الرئيس الأميركي من الحزب الديمقراطي جيمي كارتر».

واعتبر البعض الآخر أن احترام الشخصية الإسلامية ومكونها الحضاري والثقافي، الذي أظهره الرئيس أوباما في خطابه، كان له دور أيضا في حالة الحراك الثقافي، التي خضع لها فيما بعد. وبهذا الصدد، يقول الدكتور عبد الخالق عبد الله: «افتقدنا هذا الاحترام في الماضي. إنها لحظة حضارية ثقافية أكثر منها سياسية، ومن المهم فهمها على هذا النحو».

ماذا بعد الخطاب؟

واعتبر الدكتور عبد الخالق عبد الله، الخطاب «تحية لشعوب المنطقة من رئيس الدولة الأقوى في العالم، ويجب أن ترد التحية بأحسن منها»، في حين يرى زكي الميلاد، أنه من الأفضل التقدم خطوة باتجاه الأمام وألا يتخذ العالم الإسلامي موقفا سلبيا بالمطلق.

وعلى الرغم من أن الخطاب جاء محملا بالنوايا الحسنة لكن النوايا وحدها لا تفيد، كما تقول الدكتورة ابتسام الكتبي، «إن لم تتحول إلى برنامج عمل وخطط يعمل عليها الطرفان لجسر الهوة العميقة بين الشرق العربي الإسلامي وبين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية». أما الدكتور عبد الرحمن الحبيب، فاعتبره خطاب مبادئ عامة، طرح نقاط تواصل وقنوات بين الطرفين. ولكن من سيسعى لتحقيق ذلك؟ وأي الأطراف (المتشددة أو المنفتحة) ستكون فاعلة؟

محمد المحمود، يعتقد أن الخطاب لم يقدم حلولا لمنطقة «سأمت من الخطب، وتنتظر الحلول على أرض الواقع»، في حين يقول الدكتور باقر النجار، «إن الخطاب طرح قضايا ومشكلات المنطقة بلغة مختلفة هذه المرة، ولغة فيها الكثير من الحوار والتفهم، لم تتسم بالفوقية والتهديد للطرف العربي في الصراع مع إسرائيل».