انتشر الكتاب وتراجعت القراءة

سوقه في تراجع والإنترنت والقنوات الفضائية في قفص الاتهام

جانب من مكتبة الملك فهد («الشرق الاوسط»)
TT

حتى وقت قريب كانت السعودية تحتل المرتبة الأولى في سوق النشر العربي، سواء في استهلاك الكتب أو في العائد المادي الذي توفره للناشرين. وشهد هذا السوق نموا ملحوظا منذ منتصف التسعينات، دون أن ينعكس ذلك على قيم اجتماعية وثقافية تعزز مكانة الكتاب كناقل طبيعي للوعي والثقافة والمعرفة. ويمكن تقسيم الصعوبات التي يواجهها الكتاب إلى قسمين، الأول في تراجع الوعي بقيمة الكتاب وقلة عدد جمهوره ومريديه، والثاني في الصعوبات التي تواجه صناعة الكتاب وتهدد مؤسسات النشر والتوزيع بالإغلاق والخسارة.

ما هي الأسباب وراء ذلك؟ هنا آراء عدد من الناشرين والكتاب السعوديين:

*  الحمدان: الإنترنت هو السبب

 

* يقول أحمد بن فهد الحمدان، رئيس جمعية الناشرين السعوديين، ونائب رئيس اتحاد الناشرين العرب: «إن التحديات التي تواجه صناعة الكتاب ليست ناتجة عن سقف الحرية إنما سيطرة الانترنت والقنوات الفضائية على وقت القارئ، حيث ساهمت وبشكل كبير في البعد عن الكتاب. ولا أعتقد أن غلاء الكتاب يمثل سببا رئيسيا في عدم اقتنائه حيث أن المقارنة بين أسعار الكتب العربية وأسعار الكتب باللغات الأخرى، يظهر فارقا شاسعا».  وأما عزوف الشباب عن القراءة برأي الحمدان فسببه الرئيسي «انه لا يوجد جديد، والموجود لا يواكب التطور ومتطلبات العصر الحاضر. ويتوجب على المؤلف اختيار المواضيع التي تهم القارئ وإشباع رغباته الفكرية والثقافية الراهنة والمستقبلية، وكذلك الناشر يجب عليه دراسة متطلبات المرحلة الحالية والمساهمة في نشر كل ما يلبي احتياجات المرحلة التي يعيشها القارئ». ويرى الحمدان أنه آن الأوان لأن تعمل وزارة الثقافة والإعلام مع دور النشر العملاقة في إيجاد بيئة واعية ومدركة لأهمية المرحلة في القراءة والاطلاع، معتبرا أن «القراءة والاطلاع والثقافة سوف تنشئ جيلا مدركا لمسؤوليته».

*  البطحي: لا أحد يدعم الثقافة

 

* ويعتقد عبد الله البطحي، مدير عام شركة مكتبة العبيكان، أن هناك صعوبة بانتقال الكتاب وتداوله بين الدول العربية، فكل دولة لها أنظمة في الرقابة ودخول الكتاب، وأضاف: «في الوقت الذي يوجد فيه كتاب مسموح في دولة، فإنه يتم منعه في دولة أخرى، كما أن التزوير وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، في غياب أنظمة رادعة قوية، أضاف تحديا آخرا».

ويرى البطحي أن انتشار القنوات الفضائية وانشغال الناس بالإنترنت، وكثرة المواقع الترفيهية أثر سلبا على المساحة الزمنية المتاحة للقراءة في العالم العربي بجانب انتشار الكتاب الإلكتروني، وإن كان لا يغني عن الكتاب الورقي، ولكنه أثر إلى حد ما في تحجيم انتشاره، أضف إلى ذلك الأزمة المالية التي أثرت هي الأخرى على صناعة الكتاب، حيث أدى غلاء أسعار مواد الطباعة إلى الارتفاع في أسعار الكتاب.

ويعتقد البطحي أنه لا توجد دعامة كافية ولا حملات للتوعية تقوم بها المؤسسات الحكومية أو الخاصة أو عبر وسائل الإعلام لتوجيه الناس نحو القراءة، كما أنه لا وجود لدعم ثقافي ضمن برامج القطاع الخاص، فحتى الشركات الكبيرة، وهي حوالي مائة شركة، ليس فيها مكتبات خاصة، وهي مقصرة أيضا في رعاية ودعم برامج ومسابقات علمية وثقافية.

 

* أبو صالح: أين وزارة الثقافة؟

 

* أما الدكتور عبد القدوس أبو صالح، رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، فقال: «إن أكبر التحديات التي تواجه صناعة الكتاب هي انصراف أجيال المثقفين عن القراءة، بسبب مزاحمة الإنترنت وبرامج الفضائيات للكتاب، كما أن غلاء الكتب من أسباب الانصراف عن اقتنائها وقراءتها».

ويرى أبو صالح أن عدم رواج الكتب جعل أصحاب المكتبات مضطرين إلى رفع الأسعار للتعويض عن الخسارة الناجمة عن قلة بيع الكتب وتجميد رأس المال، مضيفا «من المؤسف أن هذا الوضع انعكس على المؤلفين ودور النشر إذ أصبح أصحاب المكتبات يطلبون نسبة من ثمن الكتاب لا تقل عن 40 إلى 50 في المائة من سعر الكتاب».

ودعا أبو صالح وزارة الثقافة والإعلام لتبني طباعة سلاسل متخصصة من الكتب، وأن تشتري من المؤلف كمية مناسبة لتوزيعها وذلك تشجيعا للمؤلف ولدار النشر، وكذلك إقامة المعارض الدورية التي يفترض أن تمثل سوقا للكتب وتوفر تخفيضات في الأسعار.

ودعا أيضا الجامعات والمعاهد العليا وكليات المعلمين إلى إنشاء مراكز لبيع الكتاب، وخاصة الكتب المقررة على الطلاب والمصادر المساعدة مع توفير مجموعة مختارة من الكتب لنشرها بين الطلاب والطالبات.

* القرشي: الكتاب بخير

* وبرأي الناقد السعودي الدكتور عالي القرشي، فإن إصدار الأحكام عن انحسار الاهتمام بالقراءة، وتراجع سوق الكتاب في السعودية بحاجة إلى دراسة وإلى إحصاءات، ومن دون ذلك، تبقى الإجابات في حدود التخمينات التي تأتي من انطباعات وقراءات لمواقف جزئية.

ولكن القرشي يستدرك بقوله: «إن كثيرا من المطبوعات يطبع في حدود نسخ قليلة حتى إن الباحث المهتم يجد صعوبة في إيجادها، الباحث المهتم بها لحاجة بحثية، فما بالك بالقارئ. أمام هذا الواقع، لابد من التوسع في نشر الكتاب، وأن لا يضع الناشرون أمام أعينهم الربح المادي فقط، وعلى القطاع العام فرض رقابته القانونية لإعطاء المؤلف حقوقه في النشر، وتشجيعه على التأليف».

وفيما يتعلق بندرة المكتبات العامة بالأحياء والمدن والقرى، يرى القرشي أن معالجة هذا الأمر تتطلب جدية من الوزارات المعنية ومؤسساتها، ووضع سياسات ناجحة للنشر والتوزيع.

ويرى القرشي أن هناك حاجة إلى تنمية العادات القرائية وتشجيعها، عبر المدارس والمؤسسات الثقافية، والجامعات، معتبرا أن «الواقع مر، ففي مكتبات التعليم الجامعي والتعليم العام لا تجد الإصدارات التي يتم الحوار حولها في المشهد الثقافي، ولا تجد المراجع ذات التجدد، وكأن الزمن توقف عند مراجع محددة طبعت في ستينات هذا القرن وما زالت تتداول كأن البحث قد توقف عندها». وأضاف القرشي: « نحن بحاجة إلى طبعات تقدم أعمال الرواد، والمبدعين لجيل الشباب لكي يتداولوها ويتحاوروا فيها، لكن ذلك مفقود في غياب الكتاب، والمطبوعة الجاذبة، والهيئة التعليمية والتثقيفية المتجاوبة مع المشهد الثقافي».

ومن جانبه، يقول عبد الله البطحي، مدير عام شركة مكتبة العبيكان: «إن هناك خطأ كبيرا ترتكبه معظم الأسر، يتمثل بعدم تشجيع الطفل على القراءة، وعدم تربيته بطريقة سليمة ليكون قارئا جيدا للكتاب في المستقبل، ولا بد من تخصيص وقت يومي للقراءة، وتقديم هدايا من الكتب من الآباء لأبنائهم. لكن للأسف هناك أسر بالكامل لا تقرأ».