مالك شبل.. مفكر إصلاحي أم «ميديوي»؟

TT

في هذا الوقت الذي يتعرض فيه الإسلام، في الغرب، لتشويه كبير، فيما خفتت أصوات المفكرين الغربيين المنصفين للقضايا العربية والإسلامية، خلا الجو لكثيرين من أبناء الجلدة العربية والإسلامية، ليقدموا أنفسهم باعتبارهم إصلاحيين ومنظرين وممتلكين لأسباب الخلاص وكذا الأنوار التي تأبى أن تأتي إلى عالمنا العربي والإسلامي. نذكر من بين هؤلاء دليل بوبكر، عمدة مسجد باريس، الذي لا يفوت فرصة لجلد الذات، ولا يعير أدنى انتباه لمعاناة المسلمين في فرنسا، ضحايا العنصرية والإسلاموفوبيا، وسمح لنفسه، في حوار مع صحيفة سياسية يهودية، أن يحمل الطرف الفلسطيني مسؤولية الهولوكوست الذي ارتكبته إسرائيل في غزة.

في الوقت الذي نشهد فيه خفوت الأصوات الفكرية الجادة، إن بفعل الموت أو السن أو اليأس من حالة العرب، مثل المفكر محمد أركون، أو جمال الدين بنشيخ وآخرين، أصبحنا الآن أمام كاتب «ميديوي»، ساهم الإعلام الغربي في تسويقه باعتباره مفكرا ومتخصصا في الإسلام وقادرا على الإفتاء. يتعلق الأمر بمالك شبل، أنثروبولوجي الديانات، الذي أصبح، بالفعل، من الصعب مجاراته في كل ما يكتب، فكأنه يكتب كما يتحدث. وهو ما يمنح لكتبه بعدا تبسيطيا بل تسطيحيا لا يمكن إنكاره.

في سنة واحدة، فقط سنة 2009، صدر له، على الأقل، كتابان ضخمان: «القاموس الموسوعي للإسلام» وترجمة «القرآن الكريم». وقد أصبح من عاداته نشر الكتب الضخمة المدبجة بالمراجع والمصادر التي لا وجود فعليا لها في الكتاب، كما هو الحال في كتابه عن «ألف ليلة وليلة وأنثنة العالم»

الذين يعرفون مالك شبل واستمعوا له، يعرفون أن الرجل لا يتقن العربية جيدا بحيث يمكنه ترجمة النص المقدس أو فهم النصوص النبوية أو يفسر الإسلام كما فعل في كتاب سابق له وهو: «الإسلام.. مفسرا»، وكتب أخرى من بينها «بيان من أجل إسلام أنوار».

لن نتتبع مساره، فهو لا يجارى بالفعل، في سرعة الكتابة وفي الظهور في الإذاعات والتلفزيونات والمجلات، باعتباره متخصصا في الإسلام، كما يفعل الغرب مع البنغالية، تسليمة نسرين، وإنما سنكتفي بإيراد مثالين، عن هذا المثقف «الميديوي»، الذي أصبح شاغلا للناس. كثيرون يرون في برنامج «أبناء إبراهيم» في قناة «ديريكت 8» مهزلة من حيث مشاركة شبل ممثلا للطرف الإسلامي مع قس مسيحي وهو ألان دي لاموراندي والحبر حاييم كورسيا. الأخيران يقدمان نفسيهما باعتبارهما من داخل المؤسسة الدينية في حين يأتي شبل باعتباره إصلاحيا من الخارج، وتأتي ردوده وإجاباته فضفاضة وتعميمية وتبحث عن روح الإجماع، كي ينال رضا الضيفين. يسمح مالك شبل لنفسه بالإجابة على كل الأسئلة التي تطرح عليه، من دون عناء التفكير أو تردد العالم وصمته «الصمت العظيم الذي جعل فيلسوفا فرنسيا كبيرا كجاك ديريدا يرفض حضور برنامج (أبوستروف) الشهير لبرنارد بيفو، لأن الأخير لا يقبل صمت ضيوفه الحكيم». وقد جاء لقاء إذاعة «فرانس أنتير» مع مالك شبل بتاريخ 17 يونيو (حزيران) 2009، بمناسبة ظهور ترجمة مالك شبل الجديدة للقرآن الكريم «وليس لمعانيه» لافتا، لأنه كشف ضعف الباحث، بل واستهانته، بالأسئلة.

يقول إنه ترجم «القرآن الكريم، بدافع من أحداث 11 سبتمبر، لإزالة اللبس والغموض الذي يشوب الإسلام في الغرب» وكأن الترجمات السابقة لم تكن تفي بالغرض، بينما ترجمته كفيلة بجعل الغربيين يفهمون الإسلام ويتخلصون من مختلف الالتباسات. وفي ظل سعي مالك شبل لتمجيد ترجمته وتوضيح ما يميزها عن سابقاتها يقول: «اعتمدت الترجمة على النصوص الدقيقة والموثوق بها». ماذا يمكن أن نفهم هنا، غير إثارة البلبلة والالتباس؟! وحين يسأله باتريس سيليني، صاحب البرنامج، عن تعريف «الحديث»، يجيب شبل، بكلام الواثق: «إنه كل ما نطق به الرسول، تفسيرا للقرآن الكريم». هل هذا هو التعريف الحقيقي للحديث النبوي؟

البرنامج الذي لا يتجاوز ثلاثين دقيقة تضمن مغالطات كثيرة من قبل رجل يقدم نفسه باعتباره حاملا للواء الإصلاحيين المسلمين. يوجه نقدا لاذعا للإسلام العربي، ويكيل المديح لـ«الإسلام الإندونيسي» ويعتبره إسلام التحديث، والجميع يعرف ما عليه الأحوال في هذا البلد الذي يعاني من فقر وحروب داخلية. ربما يتحدث عن إندونيسيا أخرى..

ولأنه «وريث ابن رشد» كما يزعم، على طريقة الفرزدق: «أولئك آبائي فجئني بمثلهم»، فهو يسلط سهامه على «الشريعة» ويعتبرها العائق والمشكل الأساسي. لكن ما يكتبه مالك شبل لن يرقى، إلى كتاب «فصل المقال..» لابن رشد. لقد كان ابن رشد قاضي القضاة في قرطبة، في حين أن «حفيده» لا يتقن اللغة العربية جيدا. في ظل سيطرة هذا الطراز من الكتاب والمفكرين الذين لا يجدون أي روح إيجابية في تراثهم الحالي، بل ويخجلون من أنفسهم، ولا يرفعون أمام أعداء ثقافتنا من الغربيين إلا عقيرة الموافقة والتأمين، ستطول محنتنا إلى ما شاء الله..