الفن التشكيلي السعودي: حداثي ولكن بصمت

يحظى بحرية واسعة للتعبير ويستقطب عشرات النساء والرجال دون تمييز

جانب من جمهور أحد المعارض التشكيلية (الشرق الاوسط»)
TT

يتميز الفن التشكيلي السعودي بأنه المساحة الأكثر نموا واتساعا ضمن مساحات الفنون التعبيرية والبصرية، وهو المجال الأكثر التصاقا بالحداثة. فالفن التشكيلي الذي يمتد على مسافة خمسين عاما من التجربة يوفر الفرصة للرجال والنساء على قدم المساواة، كما يوفر الفرصة للفنانين المحليين للتعبير عن تأثرهم بالمدارس الفنية العالمية من دون أن يمسهم قلق التغريب، وبالقدر نفسه يمكنهم أن يطلقوا العنان لخيالهم ليستمد من التراث باعثا وملهما لأعمالهم من دون أن يتهموا بالتحجر والجمود.

في السعودية هناك عشرات التشكيليات من النساء اللواتي ينظمن معارض شخصية أو جماعية وبعضها يتم تنظيمه مع رجال ولا يحمس هذا العمل المنتقدين للفصل بين الأعمال، على عكس الفنون الأخرى.

وفي الجمعية السعودية للفن التشكيلي هناك ثلاث سيدات منتخبات في عضوية مجلس الإدارة، وعلى امتداد البلاد هناك عشرات الأسماء لتشكيليات معروفات.

عبد الرحمن السليمان رئيس جمعية التشكيليين السعوديين، يرى أن الفن التشكيلي السعودي الذي لا يتعدى عمره الخمسين عاما، يتصل في هويته وسماته مع المدارس الفنية العالمية، ويقول إن الفنان التشكيلي في السعودية مثله مثل أي فنان في العالم، فهناك اتجاهات واهتمامات وتيارات متنوعة وهي تختلف في تأثيرها من فنان إلى آخر.

ويقول إنه في المقابل هناك سعي دؤوب للتشكيليين السعوديين من أجل التواصل مع العالم ونقل صورة جديدة غير تقليدية لتوضح مدى قدرتهم على مواكبة التعبير الذي يوفره الفن التشكيلي.

ويشير السليمان إلى أن التشكيلي السعودي لا يعاني من ضيق في مساحة الحرية، كما أن خارطة الإبداع التشكيلي لا تميز كثيرا بين الرجال والنساء، فالفنانة التشكيلية بدأت في العقد نفسه الذي بدأ فيه الرجل، مشيرا إلى أن الفنانة صفية بن زقر بدأت الرسم في أوائل الستينات وعرضت في العقد نفسه وبالمثل منيرة موصلي، وتزامن ذلك مع عرض للراحلين عبد الحليم رضوي ومحمد السليم.

ويقول إن هناك ثلاث إلى أربع تشكيليات سعوديات يمارسن دورهن إلى جانب زملائهن الرجال في مجلس إدارة الجمعية السعودية للفن التشكيلي، مؤكدا أن الفنانة التشكيلية السعودية تعمل بجدية تامة ولها حضورها الدولي كما هو المحلي.

وبرأي الفنان التشكيلي السعودي طه الصبان أن التشكيليين السعوديين يحملون رسالة تهتم بجماليات العمل الفني كما تهتم بالمضمون الذي يحمله العمل الفني من خلال تعايشه مع البيئة والتراث الحضاري، مع الانفتاح على الحضارات والفنون العالمية الأخرى. ويقول إن أعماله التشكيلية تحمل مضامين يسهر على تكريسها تتعلق برفع الذائقة البصرية لدى المجتمع ونشر الجمال، بالإضافة إلى تقديم التراث الشعبي الحجازي والعمارة الحجازية بلغة فنية معاصرة من دون الوقوع في المباشرة التقريرية.

وهو يعتقد أن هناك روابط مشتركة تجمع بين الفنانين كونهم يعبرون عن بيئتهم، لكنه يشير إلى انغماس التشكيلي السعودي في تربته المحلية مستخرجا منها رموزه الفنية ومفرداته بشكل فني معاصر.

ويؤكد الصبان أن سقف الحرية الذي يتمتع به الفنان السعودي يزداد يوما بعد يوم، حيث يمتلك مطلق الحرية أن يعبر عن ما بداخله وموقفه من كل الأحداث التي تحيط به، موضحا في الوقت نفسه أنه من الطبيعي أن يقابل هذه الحرية التزام داخلي من الفنان تحكمه عاداته وتقاليده.

وبالنسبة لمشاركة المرأة في الأعمال التشكيلية، يرى الصبان أنها تحظى بالامتيازات نفسها التي يحصل عليها الرجل، مشيرا إلى مشاركاتها وحضورها في الفعاليات المحلية والدولية، وأضاف أنه منذ بدايات الحركة التشكيلية السعودية والمرأة موجودة فيها بشكل أساسي من خلال أعمال الفنانات الرائدات صفية بن زقر ومنيرة موصلي ثم الجيل الحالي شاليمار شربتلي، وشادية عالم، ورائدة عاشور، وعلا حجازي، وغيرهن.

ويقول الفنان التشكيلي يوسف جاها إن الفنانين الراحلين عبد الحليم الرضوي ومحمد السليم وضعا أساسا متينا للفن التشكيلي المحلي، حيث تميزا بممارسة الأداء التشكيلي بطريقة مغايرة.

غير أنه يرى أن الفنانين السعوديين بحاجة إلى ثقافة تؤهلهم للتأثير، وكذلك تحديث أدواتهم الجمالية والفكرية، ويؤكد أن الفنان التشكيلي لا ينتج بمعزل عن مجتمعه، فخطابه نابع من الثقافة التي ينتمي إليها.

ويعتقد جاها أن حضور المرأة على خارطة التشكيل السعودي، أضحت سمة بارزة في نهضة هذا الفن، مبينا أنه حينما تشارك المرأة في المعارض الجماعية والمناسبات التشكيلية، وتنتخب لعضوية الجمعية السعودية للفنون التشكيلية فإن ذلك يعد دليلا واضحا على أن الفنانة التشكيلية تتمتع بكامل الحق في ممارسة الإبداع التشكيلي.

أما الفنان التشكيلي زهير مليباري فيقول إن المجتمع السعودي ساهم في إفراز مبدعين فكريا وثقافيا، وكان للفنان السعودي دور إيجابي وفعال لحاضره وللمستقبل.

وأوضح مليباري أن التشكيلي السعودي يستقي أفكار أطروحاته من معطيات عقيدته، وعادات بيئته ومجتمعه، وثقافته المنفتحة على العالم، ومن خلال وسائل الإعلام، فتجيء أعماله محملة بكل ما يهم أفراد المجتمع ويرضي طموح المتلقي ويرسم بعدا حضاريا يحلق في أرجاء المستقبل. وبالنسبة للحرية، فإن مليباري يعتقد أن ثمة قيمة جديدة ينشدها الفنان السعودي في أعماله التشكيلية تبرز أحيانا في انطلاقة بصرية تترجم عناصرها في العمل الفني بكل تحرر وانطلاق، لإظهار بعد فني جديد، وإخراجه من صرامة القواعد والأسس الأكاديمية التقليدية، إلى رحاب أوسع ومجال أفضل للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر التي يشترك بها مع سائر مجتمعه، فتأتي الأعمال لها عمق فني وبعد اجتماعي ولمسة جمالية جديدة يتقبلها النقاد ويستشعرها المتلقي ويحس بها الفنان، لأنها نابعة عن تجربة كبيرة وممارسة طويلة وأصالة عميقة.

وعن حجم مشاركة المرأة التشكيلية السعودية يرى مليباري أن التشكيلية السعودية حظيت في الآونة الأخيرة باهتمام كبير من وزارة الثقافة والإعلام وذلك من خلال المشاركات في المعارض الفنية المحلية والدولية، وأيضا تخصيص معارض شخصية أو معارض جماعية للفنانات.

التشكيلي فائز الحارثي، يقول إن الرسالة التي يعبر عنها هي (إبراز المحيط الشعبي بكل أيقوناته الثقافية والجمالية بما تحتويه من روح التراث والزخرفة والسدو في تمازج بروح المعاصرة والأصالة مع لغة استمدها من شاعرية الحرف).

وهو يعتقد أن المنجز التشكيلي السعودي (ركيك في طرحه) بالرغم من وجود مبدعين داخله. وهو يرى أن الحرية بالنسبة للتشكيليين سقفها (المرجعية الدينية)، لكن المرأة تمتلك كامل حقوقها في المشاركات الداخلية والخارجية والمسابقات والمحافل الدولية بحضورها وحضور أعمالها.