مرتزقة العالم في العراق

130 ألف شخص كانوا يتجولون بحرية في كل أنحاء البلاد

«قوانين الولد الكبير: مرتزقة أميركا في العراق» المؤلف: ستيف فينارو الناشر: دا كابو، نيويورك
TT

ليس هذا أول كتاب يصدر عن استعمال الغربيين للمرتزقة في حرب العراق. خلال السنتين الماضيتين، صدرت كتب منها: «كلاب الحرب: الذين يحاربون حروب غيرهم»، و«مرتزقة: جنود المال، من قديم الزمان إلى حرب الإرهاب»، و«بلاكووتر: أكبر شركة مرتزقة في العالم»، و«رخصة للقتل: استئجار قتلة في حرب الإرهاب»، و«طريق الجحيم: رسائل من مرتزقة في العراق»، و«شركات المقاتلين: ظاهرة الجيوش الخاصة».

مؤلف الكتاب الأخير، «قوانين الولد الكبير: مرتزقة أميركا في العراق» هو ستيف فينارو، مراسل جريدة «واشنطن بوست» في العراق منذ الغزو ولثلاث سنوات تالية. وبسبب هذا الكتاب نال جائزة «بوليتزر» في الصحافة (قسم مخبر دولي).

كتب المؤلف: «مرات كثيرة، سمعت العبارة من المرتزقة الذين رافقتهم في العراق. أول مرة، سمعتها من ثلاثة مرتزقة كانوا يعملون مع شركة (تريبل كانوبي) التي، مثل شركة (بلاكووتر)، تعاقدت مع وزارة الخارجية لحماية المسؤولين المدنيين الأميركيين في العراق.

اعترف لي الثلاثة أنهم كانوا في طريقهم من مطار بغداد إلى المدينة، عندما قال لهم رئيسهم: اليوم، أريد أن أقتل واحدا من هؤلاء، أولاد الـ...، وفي الحال صوب جيك واشبورن (ضابط شرطة متقاعد) بندقيته الأوتوماتيكية نحو سيارات قادمة أو ذاهبة على طريق المطار وأصاب سيارة تاكسي، لكنهم لم يقفوا، ولم يعرفوا ما حدث. (توجد في الكتاب صورة واشبورن وبعض الذين كانوا معه في ذلك اليوم). وصار تعبير «بيغ بوي رول» مثلا. ويعني «قانون الولد الكبير» أنه لا يوجد قانون غير قانون الأقوى، والأكبر، وصاحب الكلمة».

كتب المؤلف: «بالنسبة لهم، لا تقول أغلبيتهم ذلك. لكن، بالنسبة لي، يجب أن أقول ذلك، ولسببين: أولا، لأن قوانين جنيف للحروب تمنع استعمال جيوش خاصة. ثانيا، لأني شاهدهم، وهم قالوا لي، إنهم ذهبوا إلى العراق بسبب المال. رفضت أن أستعمل عبارة (متعاقد أمن خاص) لأنها لا تصف حقيقة ما يحدث في العراق».

هذا الكتاب عن مائة وثلاثين ألف شخص تقريبا (ربما مثل عدد القوات الأميركية النظامية). يتجولون في حرية، وفي كل أنحاء العراق، يطلقون النار على آخرين، ويطلق آخرون النار عليهم، ويقتلون آخرين، ويقتلهم آخرون.

وأضاف المؤلف: «أعتقد أن (متعاقد أمن خاص) هو الشخص الذي يحرس البنوك أو المصارف. ربما يحمل مسدسا، لكنه يصوبه نحو الذي يريد أن ينهب البنك. لكن مرتزقة العراق ليسوا حراس بنوك أو مصارف».

كان مرتزقة شركة «كريست سيكيورتي» (أمن الهلال) الأميركية قد وافقوا على طلبه بأن يصحب رجالها في يوم من الأيام، ليقدر على كتابة تقرير صحافي عنهم. وفي صباح أحد الأيام، صحبهم من الكويت إلى بغداد، وهم يحرسون قافلة طعام وشراب إلى الجنود الأميركيين.

كان راتب كل واحد من المرتزقة سبعة آلاف دولار في الشهر. لكن، هذه شركة من الدرجة الثانية، فشركة مثل «بلاكووتر» كانت تدفع للمرتزق خمسة عشرة ألف دولار في الشهر. واعترفوا كلهم بأنهم ذهبوا إلى العراق ليثروا. وقالوا إن هذه فرصة العمر بالنسبة لهم، وإنهم لن يترددوا في قتل «الأعداء»، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين.

ويضيف المؤلف: «لكن، بعد يومين من عودتي، وبعد أن أرسلت التقرير إلى جريدة «واشنطن بوست»، سمعت أن المرتزقة أنفسهم الذين كنت معهم خطفوا، ولم يعثر عليهم، وأن الذين اختطفوهم لم يلمسوا الطعام والشراب الذي في الشاحنات. وفي الحال، طلبت منى الجريدة أن أتابع الموضوع. بعد أسبوع، تسلمت القاعدة العسكرية الأميركية في البصرة خمسين إصبعا. كان عدد المرتزقة الذين اختطفوا خمسة، وكان معنى ذلك أنها أصابعهم كلهم. وبعد أسبوع آخر، وجد العسكريون الأميركيون خمس جثث ملقاة بالقرب من القاعدة العسكرية».

لقد عمل هذا لعشرين سنة جنديا في الفرقة الثانية والثمانين من فرق قوات «المارينز» في سنة 2001، مع غزو أفغانستان، أرسل إلى هناك، ثم أرسل إلى العراق، لكنه قرر ترك العمل العسكري، والتحق بجامعة فلوريدا لدراسة المحاسبة. وعندما نال دبلوم محاسبة، وجد وظيفة في شركة بناء، لكنه لم يستطع الاستمرار في العمل وسط مدنيين وبيروقراطيين. هذا بالإضافة إلى أن راتبه كان أقل من ثلاثة آلاف دولار في الشهر.

لهذا، عندما سمع أن الجنود السابقين، ورجال الشرطة والمطافئ السابقين يحصلون على عشرة آلاف دولار مع شركات المرتزقة في العراق، لم يتردد، ووافق في الحال على العمل مع شركة «كرسنت». وهناك عمل في حراسة قوافل شاحنات الطعام والشراب من الكويت إلى بغداد (وكان واحدا من الذين اختطفوا، ثم قطعت أصابعهم، ثم قتلوا).

لكن، قبل خطفه وقتله، تذمر للصحافي، مؤلف الكتاب، من أشياء كثيرة.

أولا: من «الخطر». في الماضي، كان جنديا نظاميا، وجزءا من القوات الأميركية المسلحة. لكنه الآن صار جنديا في شركة «كرسنت» التي لم تضمن له أي شيء، ولم تكنّ له أي احترام أخلاقي.

ثانيا: تذمر من الفساد في شركة «كرسنت». فبالإضافة إلى نقل الطعام والشراب من الكويت إلى العراق، كانت تنقل خمورا وأسلحة خاصة. وكانت تزور بطاقات إثبات شخصية أميركية، وجوازات سفر أميركية، حسبما يذكر لمؤلف الكتاب.

وفي الكتاب صور كثيرة له: صورته وهو مرتزق في العراق (يحمل بندقية أوتوماتيكية)، وهو معتقل (أرسل الخاطفون صور المخطوفين إلى الصحف)، وهو مع عائلته (في ولاية فلوريدا)، وهو جثمان داخل تابوت (بعد العثور على جثمانه وإعادته إلى أميركا). وذكرت عائلته للصحافي، مؤلف الكتاب، أن نحو ألف شخص حضروا تشييع الجثمان، لكن لم يكن فيهم أي شخص من شركة «كرسنت» التي أرسلته إلى العراق.

كان هناك عدد قليل من الأوروبيين، وعدد غير قليل من مرتزقة العالم الثالث. لكن كان هؤلاء «مرتزقة مرتزقة»، أي إن المرتزقة الأميركيين يعينونهم في وظائف تابعة لهم. وغني عن القول إن «مرتزقة العالم الثالث» كانوا في أسفل سلم الوظيفة، والراتب، والاحترام. كان متوسط راتب المرتزق الأميركي سبعة آلاف دولار في الشهر، ومتوسط راتب مرتزق آسيوي أو أفريقي عُشر ذلك، نحو سبعمائة دولار. ومن هؤلاء «ايسي» (من جزر فيجي في جنوب المحيط الهادي).

كان في السيارة نفسها مع المرتزقة الأميركيين الذين أطلقوا النار على سائق التاكسي في طريق مطار بغداد. كان يعمل «مرتزق مرتزقة». وذكر في وقت لاحق أنه لم يصدق أن أميركيا قال إنه يريد أن يقتل شخصا من دون سبب. وأنه لم يصدق عندما أطلق أميركي النار على سائق التاكسي. وأن الأميركيين طلبوا منه ألا يخبر أي شخص بما حدث. وفعل ذلك حتى لا يفصلوه.

وأضاف «بعد يومين، عذبني ضميري، وكلمت شخصا في الشركة من فيجي، وهو، أيضا، خاف أن يفصلوه، لكنه، في وقت لاحق، كلم شخصا ثالثا من فيجي. وخفنا، لكننا، في النهاية، قررنا أن نكلم الأميركيين».

في وقت لاحق، فصلت الشركة كل هؤلاء، أميركيين وفيجيين.