الجوائز الأدبية العربية بين سياسة الحكومات وتسلق الأثرياء

رغم سلبياتها إلا أنها أثرت المشهد الثقافي

محمد المنقري
TT

تثير الجوائز العربية الممنوحة للمبدعين في المشهد الثقافي السعودي جدلا حول حقيقة هذه الجوائز المسماة وارتباطها بأشخاص معينين، وقيمتها، ودورها في إثراء الحراك الثقافي. ويرى مبدعون سعوديون أن غالبية الجوائز الثقافية الممنوحة في المجالات الأدبية والثقافية داخل الوطن العربي تغلب عليها الصفة الرسمية، مما يقلل من قيمتها وأهميتها الأدبية والفكرية.

وفي الجانب الأخر يرى قسم كبير من المثقفين أن الجوائز الأدبية غير الرسمية وخصوصا التي يقوم على رعايتها رجال أعمال إنما هي بحث عن الشهرة على حساب المبدعين.

هنا آراء عدد من الكتاب السعوديين حول هذا الموضوع:

يرى الروائي السعودي أحمد الدويحي، أن المبدع دائما في حاجة إلى من يقدر جهده، فيمنحه دافعا معنويا ليواصل إبداعه، والكاتب المبدع الحقيقي لا يلتفت للجوائز، حيث إن ميدانه وعالمه الكتابي ونجاحه هو الجائزة الحقيقية، مشيرا إلى أن تقدير المبدع والإبداع من المجتمع يكون عادة من شخصيات وهيئات اعتبارية، وأهمية الجوائز تأتي من خلال مصداقية مانحيها، فقيمة الجائزة المادية تأتي بعد القيمة المعنوية.

والجائزة لمبدع في نهاية مشواره الكتابي، كما يضيف، هي تتويج وتقدير وتكريم للإبداع، والدول التي تحتفي وتكرم مبدعيها وفق معايير معينة، حتما تسهم في خلق فضاء حقيقي للأجيال المقبلة.

لكن الدويحي يرى أن الثقافة العربية هي جزء من السلطات والأنظمة العربية لذلك تكون الجوائز ومعاييرها بحسب البلد الذي تكون فيه، و«في عالمنا العربي كثير من هذه الجوائز من شرقه حتى غربه، فكل دولة لها جوائزها ومبدعوها أيضا وفق شروطها وتوجهاتها، وتمنح في الغالب للذين ينضوون تحت تلك الشروط، ويخرج منها من لا يتسق معها، فكم من مبدعين كبار في بلدانهم لا يجدون التكريم والجوائز».

وأضاف: «أن هناك ثلاث جوائز في العالم العربي لها من قيمتها المعنوية والمادية، ما يضعها في مصاف الجوائز العالمية، وهي جائزة الملك فيصل، فالذين حصلوا عليها في ميدان الأدب هم نماذج عالمية وأسماء كبيرة، حيث يتم منحهم عبر ترشيح مؤسسات ثقافية وفكرية، وجائزة سلطان العويس في دولة الإمارات وهي جائزة مقدرة ومعتبرة، لكونها أولا أتت من رجل أحب الأدب، كما أنها ليست جائزة مسيسة، وهناك جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية وهي جائزة كسبت أيضا احترام المثقف العربي».

وأكد الدويحي أن الجوائز إذا لم تكن لوجه الإبداع والثقافة فهي نفاق اجتماعي، واستغلال للأدب ونقاء فضائه.

* الجوائز والمرجعيات الفكرية والدينية

* ويرى القاص والكاتب السعودي محمد المنقري «أن الجوائز الأدبية تمر عبر مسارين هي دعم الحراك الثقافي، وتأصيل التنافس بين المثقفين من أجل إذكاء المنجز ليكون أكثر براعة وتألقا خصوصا مع الجيل الجديد من الكتاب والمبدعين وفق آليات ينبغي عدم اللجوء إليها عند إتاحة الجوائز للمحترفين والمعروفين»، مشيرا إلى أنه ينبغي أن تتجه الجوائز إلى فرز المنجز الفعلي على الساحة الثقافية.

ويقول المنقري: «كثير من الجوائز تتحكم فيها المرجعيات الفكرية والدينية التي قد تحد من التقدير المطلق للفن والجمال»، لكنه يستدرك بقوله إنه على الرغم من عيوبها أدت خدمة جيدة للمبدعين وهي تسد جزءا من ثغرة علاقة المبدع بالسوق.

وله رأي آخر بالجوائز التي يطلقها الأثرياء، إذ أنه يعتقد أن ظاهرها خدمة الإبداع والثقافة، لكن باطنها الترويج للذات.

* رسمية الجوائز الثقافية

* ويعتقد الأديب السعودي صلاح القرشي أن الجوائز الثقافية لعبت دورا هاما في الحركة الأدبية العالمية، ورغم كل ما يصاحب إعلان هذه الجوائز كل عام من لغط وإثارة فإن قيمتها الأدبية العالية تتفوق على كل ما يثار وعلى كل الاعتراضات والاحتجاجات.

غير أنه يعتقد أن الجوائز الأدبية في البلدان العربية بقيت لفترة طويلة محصورة بالحكومات من خلال الجوائز التقديرية، ومع إيجابيتها إلا أنها تظل ذات طابع رسمي وتخص المؤسسات الحكومية.

ويضيف القرشي: «في السنوات الأخيرة بدأت تنتشر الجوائز الأدبية التي تقف على مسافة معينة من المؤسسات الرسمية، مثل جائزة نجيب محفوظ التي ترعاها الجامعة الأميركية في مصر، وهي جائزة مهمة لكن يعيبها أنها تقتضي المداورة بين فائز عربي في عام وفائز مصري في العام الآخر، لأنها بهذه المداورة لم تستطع أن تكون عربية خالصة ولا مصرية خالصة. وقبل عامين برزت جائزة البوكر العربية في الرواية، وهي جائزة مهمة وجميع من فازوا بها قدموا أعمالا رائعة. إلا أنها لم تفارق العادة العربية في منحها للجوائز من خلال تسييس الأدب، كما أنها استمرت قاصرة في النظر إلى مجمل المنتج العربي واستمرت دور النشر العربية الكبرى تمارس دورا سلطويا نحو هذه الجائزة من خلال ترشيح أعمال معينة وتجاهل أعمال أخرى. ولعل فورة الجوائز العربية هذه ساهمت في إيجاد جوائز محلية سعودية مثل جائزة كتاب العام من نادي الرياض الأدبي وجائزة نادي حائل للرواية، رغم ما يكتنفها من اعتراضات».

* متطفلو الثقافة

* ويرى الناقد والأديب الدكتور سلطان سعد القحطاني، أن الجوائز الثقافية مهمة للغاية، لأنها تقدير لجهود المبدعين والمحترفين في الحقل الثقافي، مشيرا إلى أن أهميتها تكمن في شعور المبدع أن هناك من يقدر جهوده التي بذلها في تنوير المجتمع، إضافة إلى دورها في دفع المبتدئين في المجال الثقافي لمواصلة الطريق والحرص على إنتاج أدب له قيمته. وعن كيفية تقييم هذه الجوائز، يقول القحطاني: «إن هناك بعض الجوانب الشخصية تدخل في منح بعض هذه الجوائز في حين أنه يجب مراعاة الجانب الفني والعلمي، والابتعاد عن العواطف». وشدد القحطاني على أهمية حماية الثقافة من المتسلقين على سلالم الإعلام والعلاقات الشخصية والمصالح الذاتية.

* الجائزة ليست كل شيء

* من جهته يرى الأديب السعودي فهد العتيق «أن الجائزة الأدبية التي تخرج من مؤسسة أهلية ثقافية أو مؤسسة أدبية عريقة. ويبقى أن الجائزة، مهما كان مصدرها، ليست كل شيء، فهناك أدباء كثيرون من متوسطي المستوى والقيمة، حصلوا على جوائز كثيرة. لكن هذه الجوائز لم ترفع من قيمتهم العادية أو المتوسطة، وفي النهاية ليس المهم الجائزة. المهم أن يكون الكاتب فنانا حقيقيا وجادا وصادقا وصاحب قضية وقادرا دائما على تطوير قدراته وأدواته».