أبيي.. البلدة المستحيلة

صارت العقبة الأساسية في مسار اتفاقية السلام

خارطة أبيي
TT

أصدرت دار نشر «انترناشونال غرافيكز» كتاب «أزمة أبيي في السودان»، الذي كتبه د.أمين حامد زين العابدين، مشرف أكاديمي في الملحقية الثقافية السعودية في واشنطن. وكان رئيسا لقسم التاريخ في كلية الآداب في جامعة الخرطوم. و«انترناشونال غرافيكز» دار نشر بالعربية والإنجليزية في بلتسفيل (ولاية ماريلاند) بالقرب من واشنطن العاصمة. وتنشر كتبا لعرب يعيشون في الولايات المتحدة وغيرها.

كتب مقدمة الكتاب د.عبد الله علي إبراهيم، أستاذ سوداني في جامعة ميسوري في الولايات المتحدة. وقال: «هذا كتاب عن بلدة مستحيلة.. ترعرعنا في الفكر الأفروعربي السياسي الذي أعتقد أن السودان صورة مصغرة لإفريقيا. أو إنه جسر بينهما.. فاستثمر الجيل العربي الإفريقي في أبيي طاقة مرموقة لتكون نموذجا للتعايش الإيجابي بين العرب والأفارقة.. لكن، من أكثر ما يأسف له المرء أن لا نبلغ من وعد البلدة شيئا. وأقل هذا الوعد هو النفط بالطبع..»

وفي مقدمة الكتاب، تحدث المؤلف عن اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب سنة 2005. وقال إن مشكلة أبيي: «صارت العقبة الأساسية في مسار اتفاقية السلام». وتعقدت المشكلة أكثر لأن الاتفاقية نصت على تشكيل لجنة دولية لتحديد أين تقع أبيي. وتعقدت المشكلة أكثر عندما أصدرت اللجنة الدولية التقرير «الذي افتقر إلى الحياد والموضوعية»، كما قال الكتاب. وأضاف الكتاب: «رفض المسيرية (العرب) نتائج التقرير لاعتقادهم أن الخبراء قاموا بتوسيع رقعة مساحة الأرض التي يسكن فيها دينكا نقوك (الأفارقة).. لتشمل مناطق ميرم، والهجليج، وناما (مناطق نفط)».

وانتقد الكتاب اللجنة الدولية لأكثر من سبب: أولا: حصرت المشكلة في نطاق نزاع قبلي بين المسيرية (العرب) والدينكا (الأفارقة).

ثانيا: تجاهلت أن حكومة السودان هي التي تحسم النزاعات الإقليمية والقبلية داخل حدودها، وليس لجنة أجنبية.

ثالثا: صورت جنوب السودان وكأنه دولة منفصلة، بعد تقرير المصير، ليطالب بضم المنطقة إلى أراضيه. وفي الكتاب ملاحق كثيرة فيها خرائط واتفاقيات وخلفيات للمشكلة. في الفصل الأخير، اقترح الكتاب الحل الآتي للمشكلة:

«على الرغم من ضمان القانون الدولي لمبدأ «اوتي بوستيدبس» (عدم تغيير الحدود الموروثة من الاستعمار)، وعلى الرغم من تأكيد هذا المبدأ فإن أبيي جزء من شمال السودان، يوافق حزب المؤتمر الحاكم (حزب الرئيس البشير) على تقسيم أبيي مناصفة: نسبة خمسين في المائة للشمال وخمسين في المائة للجنوب.. مقابل موافقة الحركة الشعبية (التي تحكم جنوب السودان) على تعديل اتفاقية السلام لتغير حق تقرير المصير للجنوب ليكون الجنوب نظاما كونفيدراليا فضفاضا في إطار سودان موحد». وأضاف: «أهم مزايا هذا الاقتراح هو ارتباط نجاحه في حل مشكلة أبيي بضمان وحدة السودان..» غير أن الجانب، في هذا الكتاب، الذي ربما يهم أكثر القارئ العربي، هو الجانب الخاص بالمواجهة (أو التسامح) بين العروبة والإفريقية، متمثلة في هذا النزاع حول منطقة أبيي. وفي هذا قال الكتاب: «يرجع أصل قبيلة المسيرية إلى قبائل جهينة العربية الذين جاءوا من شمال إفريقيا إلى حوض نهر شاري في تشاد في عام 1650 ميلادية، وبدأوا الاستقرار في المنطقة بعد أن هزموا قبيلة البيجو.. ووصلوا إلى المجلد ما بين عامي 1765 و 1775، وتمكنوا من هزيمة قبيلة الداجو وقبيلة الشات، وسيطروا بعدها على المجلد والمناطق التي تقع في جنوب ولاية كردفان.. وفي عام 1873، في عهد الحكم التركي المصري للسودان، تم تعيين الزبير رحمة (الشمالي) حاكما لمديرية بحر الغزال (الجنوبية). تدخل الزبير في الصراعات بين قبائل المسيرية، لحماية قوافل تجارة الرقيق المتجهة إلى كردفان.. وعين الزبير تاجر الرقيق، صباحي، مسئولا عن المسيرية.. وفي عام 1879، زار غوردون باشا، حاكم السودان باسم الحكم التركي المصري، كردفان، وقابل صباحي، وأمره بالكف عن تجارة الرقيق..»

وفي المقدمة التي كتبها د.عبد الله علي إبراهيم، قال: «هذا كتاب عن بلدة مستحيلة. لم يتهيبها د.أمين زين العابدين كما تهيب الشاعر الإسباني القتيل غارسيا لوركا مدينة قرطبة في الأندلس.. فما ذكرت أبيي إلا خطرت لي قصيدة لوركا عند أسوار قرطبة. في القصيدة، يقف عند سورها، تتخبطه الحيرة أن يدخلها أو يلوى عنق حصانة ويستدبرها. إنها مدينة الوعد والنذر. أي انها مدينة دون وعدها الخصيب نذر خطر مستطير. وأبيي واحدة من مدن الكسب الصعب..»