اسطنبول تقيم معارض ومسرحيات عائمة فوق مياه البوسفور

تحت عنوان «يا لها من رحلة»

TT

اسطنبول التي وسعت رقعة مساحتها خلال السنوات العشر الأخيرة إلى أربعة أضعاف، التي تعتبر الأولى في أوروبا، والخامسة في العالم لناحية عدد سكانها البالغ 14 مليون نسمة، كانت وما تزال تعاني من أزمة مواصلات خانقة، تضاهي ما يحدث في كبريات عواصم العالم. المدينة تناقش هذه الأيام مشروع جسر معلق ثالث يجمع الجانبين الأوروبي والآسيوي يخفف الازدحام، ويساهم في منح الاسطنبولي بعض الوقت والجهد في التنقل، لكن الجميع يعرف أنه لن يكون الحل النهائي الذي يزيل هذه الأزمة. لذلك توجهت الأنظار نحو بلدية اسطنبول التي يقودها منذ سنوات «حزب العدالة والتنمية». وهي حاولت أن تقدم بدائل تساهم من خلالها في تحمل مسؤولياتها الحياتية والمعيشية تجاه سكان المدينة.

ضمن هذا الإطار عملت شركة الأوتوبيسات البحرية «ايدو» التي تسلمها القطاع الخاص باسم البلدية، فوسعت رقعة نشاطاتها وخدمات نقل الركاب بين سواحل وموانئ المدينة، لا بل إنها وأمام الانجازات التي حققتها، قررت في العامين الأخيرين المضي في سياسة التنويع والانتشار وزيادة نشاطاتها نوعا وكما، في مجال النقل البحري، لتشمل المدن المجاورة لاسطنبول مثل يالوفا وبورصا وكوجالي. وكانت النتيجة حتى الآن أسطول نقل ركاب بحري محدث، ينافس الخدمات التي تقدمها أهم وأقوى الشركات الأوروبية، 78 باخرة و68 نقطة ملاحة، لتصبح أكبر شركة نقل للركاب والعربات في العالم. فهي تشغل 33 خط نقل و25 أوتوبيسا بحريا و10 بواخر سريعة و17 باخرة نقل للسيارات والباصات.

شركة الملاحة هذه التي تنقل يوميا عشرات آلاف الركاب، كان لا بد أن تقدم إلى جانب النقل خدمات موازية، في مقدمتها الترفيه واستغلال رحلات التنقل التي قد تستغرق ساعات، في بعض الأحيان، لحمل بعض المتعة والفائدة للمسافر الأسطنبولي. وكان أول ما فعلته تنظيم عشرات المعارض لفنانين هواة ومحترفين على السواء، يعرفون بأبرز نتاجهم في أجنحة مختلفة على متن البواخر، خصصتها الشركة لهؤلاء الفنانين. لا بل هي قررت في الأشهر الأخيرة توفير رحلات خاصة، حولت خلالها البواخر إلى معارض عائمة، غايتها الترفيه والترويج للفنانين الناشئين، وتقديم خدمة فنية تثقيفية في الوقت نفسه.

«ايدو» لا تكتفي أو تتوقف، على ما يبدو عند كونها شركة نقل للمسافرين بحرا، ولا تقنع بتأمين خدمات من هذا النوع، بل هي أضافت إليها في العامين الأخيرين، نشاطا فنيا جديدا، هو إقامة العروض المسرحية للشبان الهواة خلال الرحلات، ضمنته هذا العام فكرة إشراك المسافرين مباشرة في الأعمال المسرحية. ويبدو أن سكان أسطنبول الذين أعجبتهم الفكرة، شجعوا الشركة على توفير رحلات غايتها الأساسية، تقديم مثل هذه العروض المسرحية الخفيفة، تحت شعار «يا لها من رحلة»، من خلال تخصيص قسم من موازنتها السنوية لمثل هذه الأعمال الهادفة، لتشجيع المسرحيين الهواة على تقديم عروضهم، وتحمل كافة مصاريفهم، هذا إلى جانب تقديم مخصصات مالية كبدل جهد لما يقدمون. العشرات من طلاب الجامعات الذي يدرسون المسرح والرسم في كليات أسطنبول، باتوا جزءا من المشروع، الذي علمنا أن الشركة تستعد لتوسيع رقعته ليتضمن العروض الموسيقية للشبان الهواة. والغاية هي دائما أن يتمتع المسافر الأسطنبولي خلال رحلته ويستفيد في الوقت نفسه.

لا بد من الإشارة أخيرا، إلى أن «ايدو» نفذت هذا العام معرضا كبيرا، يعرف بالبحرية العثمانية، تاريخها، أهم قيادات الأساطيل، حروبهم الشهيرة، والأماكن التي وصلوا إليها.

«ايدو» هي أكثر من مشروع نقل ركاب بين الموانئ والجزر الأسطنبولية، إذ باتت تساهم مباشرة في تمويل عشرات النشاطات الثقافية والفنية والمسرحية العائمة فوق مياه مرمرة. تجربة تستحق المتابعة، لأنها أثارت غيرة الكثير من المدن الساحلية، التي يهيمن عليها «العدالة والتنمية»، وبدأت بالتقليد والاستفادة من هذه التجربة.