أسمع بيروت كأنني أعيشها

أسطوانة تُسمع أسوة بالأغاني والمعزوفات الموسيقية

TT

للسياح، للطلاب، وللمغتربين اللبنانيين الذين سكنتهم اللهفة إلى عاصمتهم، كما لعشاق التعرف على المدن من خلال الشعر، صدرت أسطوانة مدمجة هي الأولى من نوعها عن بيروت. أسطوانة ضمت نصوصا لاثني عشر شاعرا بينهم لبنانيون وعرب ويوناني واحد، كلهم كتبوا عن بيروت، حبا أو حنينا وربما لمجرد التذكر والتأمل. الفكرة طريفة، ومفيدة، وتأتي ضمن سياق احتفالات «بيروت عاصمة عالمية للكتاب». في بداية الأسطوانة يطالعك صوت الإعلامية الفرنسية ـ اليونانية داناي دوراكيس تتلو عليك بلغة موليير وصفا للشارع البيروتي بباعته وروائحه وأصواته: «صراخ الباعة المتجولين، الذين يمرون كل صباح في شوارع بيروت لم يتغير: إنها أصوات طفولتي هي نفسها». هذا ينادي للكوسا وذاك للباذنجان وآخر للبندورة. هكذا يقول الصوت نقلا عن الشاعرة ناديا خوري داغر. الخلفية الموسيقية التي وضعتها فرح شيا لتصاحب الأشعار الفرنسية، تعزز إحساسك بأن ما تسمعه طالع من قلب الحياة البيروتية، لا، بل هو الحياة نفسها حين تتحول إلى كلمات. ينهمر الشعر جميلا ومؤثرا، وأنت تسمع كأنك تذوب في كلمات أندريه شديد ونادية تويني وكلير جبيلي. ليس بمقدورك أن تميز عبارات الشعراء أو الشاعرات في هذه الأسطوانة. فالكلام يتوالى ويتداخل بالفرنسية أو باللغتين العربية والفرنسية ثم بالعربية وحدها، ليشكل هؤلاء الشعراء معا بصوت الإعلامية اليونانية والشاعر اللبناني هنري زغيب نصا واحدا متكاملا عن بيروت. وكأنما الشعراء الذين تم اختيار أشعارهم، هم شخص واحد، يرى وجوه بيروت وتقلبات مزاجها، يمدحها، يحذرها، يناجيها، ويرثي لحالها في كل الأحيان. «إنها شكل لشكل لم يتشكل، لأن الحرب فيها، وحولها، سجال. ولأن الثابت هو المتغير، ولأن الدائم هو المؤقت» فـ«لكل قادم إلى بيروت بيروته الخاصة به... بيروت التي لا يبكي الباكون عليها بل على ذكرياتهم أو مصالحهم الخاصة، يبكون» (محمود درويش). أمر يصبح أكثر وضوحا حين نتقدم في سماع الأسطوانة لنرى أنه «عندما تغيب بيروت فلا قصيدة جميلة نسمعها، أو قطعة من نثر. وعندما تغيب بيروت عن العين يغيب العمر» (سعاد الصباح). ونسمع أيضا: «غيّرتني أنت يا بيروت، في لغتي/ألبستِ مفردتي الشعثاء مخملها/علمتني أن هذا الكون ذو سعة/لا تخنق الكِلْمة العذراء قائلها» (لميعة عباس عمارة). هذا الشعر إذن الآتي من أكثر من مخيلة، ومن أقلام أدباء لكل منهم تجربة مختلفة مع بيروت، سرعان ما يصبح في الأسطوانة نصا واحدا، لا تميز فيه بين ما تقوله لميعة أو يجود به نزار قباني. فهناك موسيقى فرح ووجدي شيا التي تبقى منسابة في أذنك ومعها هذا الشعر الدفاق الذي يجعل من بيروت نجمته: «أرجعي لي بيروتُ أحلى سنيني/وخذي ما أردتِهِ.. أرجعي لي!/كنتِ حلما مجنحا مستحيلا/وأنا كنت شاعر المستحيل» (غازي القصيبي). وبيروت أيضا هي الغصة في الحلق، هي «نهر من دماء وجواهر» وهي الفرح المذبوح، لذلك استحقت أن يقال فيها: «لا يوجد قبلك شيء، بعدك شيء، مثلك شيء، أنت خلاصات الأعمار/يا حقل اللؤلؤ، يا ميناء العشق، ويا طاووس الماء» (نزار قباني).

أسطوانة جميلة تجمع بين الموسيقى والشعر وبيروت التي حيرت العالم لكثرة تناقضاتها وقدرتها على الانبعاث، والغاية منها التشجيع على إطلاق الكتب المسموعة لروائع الأدب اللبناني، كما قال هنري زغيب، «فالكتاب الصوتي يوسع فرص الإصغاء إليه حين يلقيه صوت محترف، يشدد على كلمات معينة في النص. ويؤدي عبارات بشعور ملون، وبقراءة فيها تشويق للمتابعة ويعطي نبرة إلقائية على معانٍ قد تفوت القارئ عند قراءته الصامتة في الكتاب».