«الكتاب الإرهابي» لايزال طليقا..!

نقاد سعوديون يطالبون بفضح الكتب التحريضية وليس منعها

TT

من بين «الترسانات» التدميرية التي يجري ضبطها وتحريزها من قبل سلطات الأمن الموكلة بالتصدي للإرهاب تقبع مجموعة من الكتب والمؤلفات التي يُشار إليها بالبنان باعتبارها مسؤولة مباشرة عن صناعة العنف، وتكوين قاعدة فكرية للتطرف والإرهاب.

ومن الغريب أن يتم ضبط هذه الكتب وسط مجموعة من المواد الخطيرة كالقنابل وعجائن التدمير والقذائف الهجومية. المشهد ليس سرياليا!

وإذا كانت أدوات التفجير ومواده الخام ممنوعة بحكم القانون، فإن الثقافة التفجيرية أو تلك التي تحمل مضمونا تحريضيا أو تبريريا لثقافة العنف ما زالت تحتل مواقع في المكتبات وأحيانا يتم توزيعها مجانا، ويتم استدراج بعض «المحسنين» لكي ينفقوا من أموالهم لتمويل طباعتها وتوزيعها.

ومن هذه الكتب، كتاب خطير اسمه (إدارة التوحش) لمؤلف يعتقد أنه مجرد اسم حركي هو (أبو بكر ناجي)، وهو يقوم على نظرية تدعو لمزيد من التخريب من أجل (استدراج) العدو لأرض المعركة التي يختارها المجاهدون، وهي للأسف أرضهم!

ويسعى بعض الكتب لتكوين مفاهيم تعزيز انفصال (الجماعة) عن المجتمع الذي تم وصمه في المرحلة الذهبية لكتب الإخوان المسلمين بـ(المجتمع الجاهلي). وحين سطت السياسة على الدين، أصبحت هذه المؤلفات تؤسس تدريجيا لفكر (الجماعة) وسحب الشرعية عن النظام والدولة والمجتمع، وكان التكفير المفتاح السحري الذي أعطى المبرر العقدي والشرعي لما أعقبه من عمليات عدوانية ضد الدولة. وكانت مثل هذه الكتب العجينة الفكرية لعدد من المطبوعات والمنشورات التي شرعت للخروج على النظام العام.

كانت حقبة الثمانينات وبداية التسعينات مليئة بظهور عدد كبير من الكتب التي عملت على (تقسيم) المجتمع بين أهل الملة وأهل الكفر، وبين أهل الأصالة وأولئك الخارجين على الدين من الحداثيين. وفي خضم التنازع والتجاذب لم يتورع قسم كبير من المؤلفين في إذكاء نيران التحريض ضد الآخر عبر إقحام مفاهيم الولاء والبراء، ومهادنة أهل الشرك، وغيرها في مخاصمتهم للتيارات الفكرية.

وفي الثمانينات عرف الجمهور السعودي من الشباب وخاصة أولئك المنساقين خلف الشعار الإسلامي مصطلحا لم يألفوه من قبل هو (العلمانية). ويتم التعامل مع هذا المصطلح حتى اليوم كرديف للكفر والزندقة ومحاربة الإسلام.. وفي أدبيات التحريض، تطرح مبررات عديدة لإقصاء الآخر وانتهاك حقوقه بل وتبرير الاعتداء الجسدي عليه، كما حدث في فتاوى التكفير وإباحة الدم ضد المفكر الدكتور تركي الحمد والكاتب عبد الله أبو السمح والآراء المتشنجة ضد الدكتور حمزة مزيني والكاتب منصور النقيدان.

* الحزيمي: كتب للنخبة الإرهابية

* الباحث والكاتب السعودي ناصر الحزيمي، وهو أحد الذين نقدوا كتاب (إدارة التوحش)، يقول لـ(الشرق الأوسط): «يجب التقرير بداية أن أدبيات التطرف عندنا عموما تعالج ثلاثة محاور هي المتسيدة لخطاب العنف والتطرف وهي: (المجتمع الجاهلي، والحاكمية، والجهاد). هذه المحاور هي المهيمنة على الرؤية المتطرفة للإسلام السياسي، أما مرجعيتها فلا تخرج عن ثلاثة كتب يدور بفلكها كل من كتب منهم حول ذلك وهي كتاب (الجهاد الفريضة الغائبة) لمحمد عبد السلام فرج، و(معالم في الطريق) و(في ظلال القرآن) لسيد قطب.

ويضيف: «في الحقيقة، تهتم جماعات العنف بالعمل الميداني أكثر من العمل الفكري بحيث برزت أدبيات تصب في مصلحة العنف المسلح أكثر منها أدبيات لها علاقة بالثقافة الإسلامية أو الخطاب الفقهي أو العقدي، فمثلا يعاني المتطرفون من قلة الكوادر الفاعلة ولذا تظهر بين فينة وأخرى كتابات تتناول هذه المشكلة. وآخر ما وصل لنا حول ذلك كتاب مهر باسم امرأة لزيادة التحفيز على الانضمام في صفوف جماعات العنف المسلح، واسم الكتاب (يا نساء دوركن فقد نام الرجال)». ويرى الحزيمي أن ذلك يصب في مصلحة العمل الميداني (العنف المسلح الذي تمارسه الجماعات الإرهابية) أكثر من كونه عملا فكريا مؤطرا لعمل الجماعات المسلحة.

ويشير الحزيمي إلى أن (كتاب إدارة التوحش) لأبي بكر ناجي ليس من كتب التداول العام بين كوادر الإرهابيين بل هو خاص بالقيادات، فما ذكر فيه يتعدى كونه كتابا حركيا، بل هو كتاب إرشادي للقيادات يصور كيفية الوصول إلى طريقة لافتعال التوحش (الفوضى) من خلال شوكة النكاية وطرق التعامل مع الفوضى للوصول لمرحلة التمكين، التي اشترط ناجي لحدوثها النصرة من الخارج.

* المحمود: الفضح لا المنع

* الكاتب محمد بن علي المحمود يرى أن المسببات الفكرية للعنف تعود إلى طبيعة نظرتنا كمجتمعات شرقية وبالأخص عربية إلى الأمور، (لأن تاريخ تعاطينا مع عالم الأفكار لا يزال قصيرا) كما يقول.

ويضيف: «هذا لا يعني أننا لم نهتم بعلاقة الفكر بالإرهاب، لكن ذلك لم يكن بحجم الاهتمام بالحدث الواقعي المتعين، وهذا أحد الأسباب. وهناك سبب آخر لهذا الإهمال النسبي للدور الفكري في صناعة التطرف وإنتاج الإرهاب يتعلق بكون بعض الأفكار الداعمة للإرهاب موجودة داخل نسيجنا الفكري المحلي، أي متضمنة في مبادئ وأسس السلفية التقليدية.

إن الحرب الفكرية مع التطرف والإرهاب كبيرة جدا، فالكتب التي يجب فضحها كثيرة، ليس كتاب (إدارة التوحش) فحسب، بل ربما كان الكتاب أضعفها أثرا على المدى البعيد».

لكن فضح هذه الكتب، كما يضيف، صعب جدا لأنها تنتمي إلى رموز تاريخية يصعب التعرض لها، وبعض الرموز الموجودة في الساحة الآن، لازالت تثني عليها بحرارة وحماس، مع أنها كتب تكفير وتبديع وتفسيق واستحثاث طائفي ومذهبي، ولا بد أن تؤدي مثل هذه الكتب إلى صورة من صور الاحتراب. ويستدرك المحمود بقوله: «لا أعني بكلامي هذا أنه يجب منعها، لأن المنع ممارسة سلبية ضارة، وإنما يجب فضحها عن طريق فحصها معرفيا على الملأ، وفي وسائل الإعلام الجماهيرية. لا نريد ـ لمحاربة الإرهاب فكريا ـ أكثر من رفع الحصانة عنها». وعن دور مواقع الإنترنت والكاسيت في الطروحات المتطرفة وتفريخ الإرهاب في المجتمع، قال المحمود: «لا شك أن لها دورها في ترويج الفكر الداعم للإرهاب، لأن هذه المواقع والكاسيتات مملوءة بالاستشهاد بمقولات رموز السلفية التقليدية، ويصعب الحديث عنها دون تفنيد هذه المرجعيات. ولكني لا أؤيد فكرة المنع كحل لمواجهة خطرها، لأن المنع مستحيل لأكثر من سبب. فلا بد ـ إذن ـ من مواجهة فكرية علنية تفند بوضوح كل ما يطرح في هذه المواقع.

* بن بجاد: نحو خطاب هادئ

* ويقول الكاتب عبد الله بن بجاد: «إن ظاهرة الإرهاب هي إحدى الظواهر الكبرى في المنطقة والعالم منذ سنين عديدة، وهي ظاهرة أثارت ولا تزال تثير الكثير من الإشكاليات حول جذور الظاهرة المختلفة، وهي جذور ذات أبعاد عدة دينية بالأساس ثم سياسية واقتصادية وتعليمية وغيرها، والجدل حول ثمار هذه الظاهرة لا يقل عن الجدل حول جذورها، فالجذور والنتائج متلازمان».

ويضيف: «كتبت كثيرا كما كتب غيري من كتاب الرأي والمثقفين من أنّ المواجهة الأمنية الناجحة لا تكفي للقضاء على ظاهرة بهذا الحجم وهذا التمدد والرسوخ، وأن مهمة الانعتاق منها تتطلب قرارات صعبة واختيارات مؤلمة ومكلفة. ولن ينتهي الإرهاب ما دمنا نقطف الثمار ونترك الجذور ترتوي لتنبت أجيالا أخرى تحمل نفس الفكر وذات المبادئ وعين الآليات والوسائل. فلا يزال في مناهجنا «تطرف» قد يؤدي عند تحفيزه إلى الإرهاب، ولم يزل في مساجدنا خطبٌ قد يؤدي تحفيزها والذهاب بها إلى مداها الأقصى إلى الإرهاب، ولم يزل في المناشط الصيفية وفي المدارس وفي المساجد وعلى رفوف المكتبات وغيرها مما يمكن أن يخدم الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر، ومما يمكن أن يستغله الإرهاب في إعادة بناء نفسه والانفجار كل حينٍ في وجه المجتمع والدولة». وهو يرى أن الإرهاب لن ينتهي ما لم توضع خطةٌ وطنيةٌ شاملةٌ متماسكة تتبع الإرهاب في كل تجلياته ومخابئه ومنابعه لتقضي عليها بخطاب مختلف عاقل واعٍ هادئ في تلمس الخلل ومعالجته، لا المعالجة السلبية بالشطب والإلغاء فحسب، بل المعالجة الإيجابية التي تطرح بديلا حقيقيا يلغي الإرهاب من أسسه ويقتلع جذوره ومحفّزاته ويتعامل معها بقوة وجدية، ودون ذلك سنظل نراوح مكاننا في مكافحته وسنستنزف القدرات الأمنية في مطاردة ما يشبه الأشباح الذين يتغيرون كل يوم ويتلونون كل ساعة.