كاتب «باب الحارة»: بداية جديدة في الجزء الخامس.. وعودة لشخصيات غابت

3 مؤلفين يتنازعون نجاح مسلسل جذب الملايين

صورة لعدد من أبطال مسلسل باب الحارة الجزء الرابع («الشرق الاوسط»)
TT

يعِد كاتب مسلسل «باب الحارة»، كمال مرّة، المشاهدين، بجزء خامس لن يكون مجرد استكمال لما سبق، إنها بداية جديدة، لحكايات مختلفة. ولا يخفي الكاتب أن مصير العديد من الشخصيات بقي معلقا في الجزء الرابع إفساحا في المجال أمام عودة شخصيات غابت وأحبها الناس، دون أن يحدد أسماءها. ولعل آخر ما يتوقع المرء أن يكون كاتب «باب الحارة» الذي روج العادات والتقاليد الدمشقية، هو من أبناء مدينة حمص، كما لا يتوقع أن يكون هناك خلاف أساسي بينه وبين كاتب الجزأين الثاني والثالث، ولا أن يكون للعمل كاتب ثالث غامض، إلى غير ذلك من مسائل يكشف عنها هذا الحوار من دمشق.

* يبدو أننا سنكون أمام سجال حول صاحب فكرة «باب الحارة»، فقد ذكر في الجزء الرابع أن الفكرة لمروان قاووق، كاتب الجزء الثالث، وهذا أمر أكده لـ «الشرق الأوسط» قاووق نفسه، قائلا إن معظم أفكار الجزء الرابع له؟

ـ مروان قاووق لا علاقة له بالجزء الرابع، ووضع اسمه كان نتيجة ابتزاز رخيص، إثر تنازله عن حقوقه الفكرية التي هي أساسا ليست له. فالجزء الأول لم يكتبه هو، ولكن جرى تسجيل اسم «باب الحارة» في الحماية الفكرية له ضمن ظرف معين، ولدى البدء بالتحضير للجزء الرابع اعترض قاووق طريقنا، بأنه صاحب الاسم فأقمنا عليه دعوى، أنا والمخرج، إلا أن زملاء لنا تدخلوا لحل الأمر وديا وجرت مصالحة بعد تنازله عن حقوقه الفكرية، مقابل ذكر اسمه كصاحب الفكرة في الجزء الرابع.

* لكنه قال إنه صاحب أفكار القصص، وأيضا فكرة الحصار وإسقاطها على حصار غزة؟

ـ فكرة الحصار وضعت بالاتفاق بيني وبين المخرج بسام الملا، وهي فكرة كبيرة لا يقصد منها حصار غزة فقط، وإنما الوضع الراهن في أكثر من مكان.. العراق، فلسطين ولبنان.

* لكن أليس قاووق هو كاتب الجزء الثالث والذي امتدت قصص شخصياته إلى الجزء الرابع؟

ـ لا.. حتى الجزء الثالث لم يكتبه هو وإنما الذي كتبه الممثل وفيق الزعيم (صاحب دور أبو حاتم) وأؤكد أن الكاتب الخفي للجزء الثالث هو وفيق الزعيم.

* هناك انتقادات لعدم ملاءمة فكرة الحصار للبيئة الجغرافية للحارة الدمشقية، التي تتميز بأزقتها الضيقة وتراكب أسطح منازلها مما يجعل نشر الجنود داخلها صعبا كما أن دخول الدبابات إليها غير ممكن؟

ـ هذا كلام غير منطقي... حصار الحارة هي قصة حقيقية جرت أيام الاستعمار الفرنسي في حي الميدان. واستشهد عدد من أبناء حارات الميدان على باب الحي. وقد حاولنا إجراء مقاربة تاريخية بين القصة الشعبية والحدث الراهن. كما أن «حارة الضبع» هي حارة افتراضية رمزية، أي خاضعة لواقع فني وحالة درامية تفرض جغرافية المكان.

* مع الأخذ بالاعتبار الواقع الدرامي، ألا تلاحظ أن العمل بالغ كثيرا في موضوع الأنفاق. فالحجم الذي ظهرت عليه لا تحتمله البنية المعمارية لحارة الضبع؟

ـ ألا تعتبر الأنفاق بين غزة ومصر دليلا واقعيا على وجود الأنفاق، فلماذا نقبل بوجودها في الواقع ونرفضها في الواقع الافتراضي، والذي هو حالة رمزية.

* المرأة ظهرت في الأجزاء السابقة أسيرة المنزل واهتمامها محصور بالنميمة مع الجارات، في حين ظهرت في الجزء الرابع إلى جانب المقاومة، في خروج غير مدروس، مما حمّل المرأة في الحي الشعبي أكثر مما تحتمل؟

ـ المرأة لم تحمّل أكثر مما تحتمله، وتصرفت في الجزء الرابع ضمن حدود قدراتها، إذ لم تخرج عن طبيعة المكان والزمان. فهي لم تحمل السلاح، قدمت المساعدة لرجال الحارة، وحملت المشاعل بينما المرأة في الواقع في تلك الفترة الزمنية حملت السلاح.. لا أظن أننا بالغنا في رسم صورة المرأة.

* لكن أم جوزيف حملت السلاح وآوت المقاومين في منزلها، وكانت تجالس الرجال في الشارع وهي تشرع سيجارتها، على الضد من نموذج المرأة المكرس في باب الحارة. وكأن العمل يقدم نموذجا للمرأة المسيحية يناقض تماما المرأة المسلمة؟ ألا ترى أن ذلك غير منطقي في مجتمع شرقي خاضع للعادات والتقاليد ذاتها؟

ـ شخصية أم جوزيف تكاد تكون الشخصية الوحيدة في العمل التي اعتمدت فيها على نموذج موجود في الواقع ولم أفترضها، وإنما امرأة أعرفها، موجودة في ذاكراتي وذاكرة آخرين، وهناك نساء كثيرات يشبهنها. فهي المرأة المناضلة بالفطرة، وضمن طبيعتها الدرامية، لديها إحساس مرهف بكل ما يحيط بها وبما يحصل في حارتها والحارات المجاورة. إنها امرأة قوية عفوية تمثل نموذجا للمرأة المتعلمة والمتحررة والمتنورة في تلك الفترة. وقد حاولت من خلالها تحقيق توافق بين المرأة المحتجبة والمرأة المتحررة. وسبب جعلها تنتمي لدين غير إسلامي لإظهار حالة التعاضد والتعايش الموجودة في مجتمعنا.. ولم تكن فقط أم جوزيف مسيحية بل كان هناك شخصيتان أخريان.

* وماذا عن إيوائها لمقاومين رجال في منزلها؟

ـ علينا ألا ننسى أنها امرأة مسنة، وكانت تتصرف من منطلق أمومي، ولم يكن تصرفها هذا مرفوضا اجتماعيا.

* هل أم جوزيف على الورق هي ذاتها التي أدتها السيدة منى واصف؟

ـ عندما كتبت شخصية أم جوزيف، كانت في ذهني الممثلة القديرة منى واصف. وقد أدت الشخصية بحرارة وحيوية أدهشتني وأعطتها مصداقية كبيرة. أحببت أم جوزيف على الورق كما على الشاشة.

* هل سيؤدي هذا الحب لحضور أم جوزيف، في الجزء الخامس، رغم أنها قتلت في الجزء الرابع أو هكذا قيل؟

ـ ممكن.. منى واصف كارت رابح..

* لماذا اخترعت شخصية النمس في الجزء الرابع، ألم تبالغ في رسمها؟

ـ النمس شخصية جديدة دخلت على العمل لتعويض غياب أبو غالب. وقد كتبت هذه الشخصية لمصطفى الخاني، ومع ذلك فاجأني على الشاشة. فقد اجتهد في تقديمها، ونجح في إضفاء بصمته الخاصة عليها، وهو أمر ليس سهلا. فالفنان دريد لحام قدم «كراكتر» غوار الطوشة ولا يمكن لأي ممثل غيره أداء هذه الشخصية. فرغم مبالغة مصطفى الخاني في هذه الشخصية فإنها لم تخرج عن المنطق الفني، وعموما كافة شخصيات باب الحارة لم تخرج عن المنطق الفني، إذ إن أهم ما يميز شخصياته، اختلافها عن بعضها البعض. كل شخصية لها طبائعها وصفاتها الخاصة. فمع أن أم جوزيف هي داية لكنها تختلف عن الداية أم زكي. الممثلون قدموا الشخصيات بصدق كبير، وصل حد أن الناس باتوا ينادونهم بأسمائهم في المسلسل. وهذا يعبر عن حالة اندماج بين الممثل والشخصية من جانب وبينهم وبين المشاهد من جانب آخر، الذي بدأ يشعر أنه واحد من أبطال العمل.

* هل العبارات التي كان يرددها النمس يا هلا ولله ويا حيا لله.. الخ أنت وضعتها؟

ـ لا هذه العبارة كانت ارتجالا من الممثل.

* الأطفال والناشئة انجذبوا لشخصية النمس وباتوا يرددون عباراته حتى إنه في حفل شبابي وقع شجار كبير، كان الشباب يستخدمون فيه مفردات النمس، كيف تنظرون إلى هذا النوع من التأثر السلبي؟

ـ شخصية غوار الطوشة للفنان الكبير دريد لحام كانت شخصية سلبية فهو حرام ومؤذٍ. ومع ذلك أحبها الجمهور، فهل كان لذلك تأثير سلبي على المجتمع؟

* ما صحة المعلومات عن نية تأليف مسلسل كامل عن «النمس»؟

ـ هذه مجرد أقاويل وممكن أن يكون هناك مشروع في وقت لاحق.

* إذا صح ذلك هل ستكتب أنت العمل؟

ـ ممكن.

* يعني ذلك أنه ممكن أيضا ألا تكتبه؟ أليس لديك حق في ملكية هذه الشخصية؟

ـ لا لأني ككاتب بعت العمل، أي «باب الحارة»، بشكل قطعي للشركة المنتجة.

* هناك آراء تقول بأن الجزء الرابع بمقاربته للسياسة لم يربح السياسة وخسر البيئة الاجتماعية التي اشتهر بها في أجزائه الأولى وكانت من أسباب نجاحه؟

ـ هذا كلام غير دقيق، بدليل أن حجم مشاهدة الجزء الرابع كانت أكبر من الأجزاء السابقة. ثم هل البيئة الاجتماعية هي فقط حفر الكوسا محشي وتحضير الكبة واللغو والثرثرة النسائية؟! الحالة الاجتماعية في العمل فرضتها الحالة الدرامية، ومع ذلك لم نبتعد كثيرا عن موضوع البيئة الاجتماعية والعديد من القصص استمرت، لكن كان هناك تطور للشخصيات.

* ثمة انتقاد وجه إلى «باب الحارة» في جزئه الرابع بأنه أصبح مسلسلا للأطفال؟

ـ لا أعرف من قال هذا الكلام، ولكن إذا كان موضوع الحصار والمقاومة قد تمكن من جذب جمهور الأطفال، يمكن القول إن العمل أدى رسالة مهمة.

* الحلقة الأخيرة خيبت آمال الكثيرين من متابعي المسلسل، حيث لم تحسم النهايات وبقيت مصائر العديد من الأبطال معلقة؟

ـ تركنا بعض الخطوط معلقة لأن ثمة جزءا خامسا؟

* هل هذا هو السبب أم أنكم تنتظرون ما ستؤول إليه علاقات المخرج مع الممثلين، كما حصل في الأجزاء السابقة؟

ـ سؤال صعب... كون هناك العديد من الأجزاء للعمل وأيضا العديد من العوامل المتعلقة بالإنتاج وخيارات الممثلين. فمن الممكن أن يعتذر بعضهم كما من الممكن أيضا أن يدخل ممثلون جدد إلى العمل عبر شخصيات جديدة. فالجزء الخامس لن يكون امتدادا للجزء الرابع، هناك بداية جديدة قد تعود بعض الشخصيات التي غابت، وقد تخرج شخصيات أخرى. وهذا أمر طبيعي في الأجواء الدرامية.

* ألا ترى أن هناك فانتازيا في المشهد الدرامي عندما ينهمك المشاهد في البحث عن العقيد أبو شهاب طيلة شهر رمضان، بينما هو موجود في مسلسل آخر، أي إن الممثل الذي قام بدوره يؤدي شخصية مماثلة في مسلسل آخر ينتمي للنوع الدرامي ذاته؟

ـ (يضحك قبل أن يجيب ممازحا) أن أرى العقيد في مسلسل آخر أفضل من أن أراه في إعلان تجاري.. ومع ذلك فالشخصيتان مختلفتان تماما، ولا أجد أي علاقة في هذه المقاربة.

* كتب أحد النقاد أن هذا المسلسل أساء للدمشقيين ولتاريخهم إذ «ظهروا بصورة أقرب إلى الزعران وحاملي الخناجر والسكاكين، وهم من كانوا وما زالوا يعرفون بدهائهم واستخدامهم للعقل في حل أمورهم قبل أي شيء آخر». ما ردك على هذا النقد سيما وأنك لست دمشقيا، وإنما أنت من أبناء مدينة حمص؟

ـ سأتكلم فقط عن الجزأين الأول والرابع اللذين كتبتهما. لم يكن هناك زعران ولا حملة خناجر، قدمت شخصيات نموذجية تحمل قيما اجتماعية، مع الأخذ بالاعتبار أننا لم نقدم توثيقا للبيئة الدمشقية، وإنما حاولنا تقديم عمل من البيئة الشامية، بمعناها الواسع الذي يشمل منطقة بلاد الشام من خلال الحكاية الشعبية. فالبيئة الشامية هي ذاتها في مدن فلسطين وسورية ولبنان والأردن. أما أني ابن مدينة حمص، أقول: هل على الكاتب أن يكتب فقط عن بيئته؟ بالنسبة لي أن يكتب الكاتب عن بيئته وأن يقدم المخرج أعمالا عن بيئته ليس فنا. الكتابة هي عملية بحث وتقصٍ ودراسة وليس شرطا أن يعيش الكاتب الحالة حتى يكتب عنها. وقد سبق وكتبت مسلسل «كوم الحجر» عن البيئة الحلبية، و«الحوت» عن البيئة الاجتماعية في اللاذقية ولم يقل أحد إنها لا تمثل تلك البيئات. مع الإشارة إلى أنني أنتمي لجيل أثرت فيه البيئة الشامية من خلال المناهج الدراسية والثقافة والفن الدرامي، وشكلت لديّ إرثا، لذلك أعتبر نفسي دمشقيا أكثر من الدمشقيين.

* ماذا عن الجزء الخامس، وقد قيل إن تصويره انطلق؟

ـ الجزء الخامس لم يكتب بعد.

* أليس لديك فكرة متى سيبدأ التصوير؟

ـ مع بداية العام المقبل.

* هذا يعني أن النص جاهز أو أنك بدأت الكتابة؟

ـ (يضحك) النص غير جاهز، ولا نريد تسريب أي أخبار عن الجزء الخامس، نفضل التروي لصالح العمل.

* لصالح العمل أم ريثما تنقشع الغيوم عن مصير عودة بعض الشخصيات؟

ـ ممكن.. ففي الجزء الرابع انسحب سامر المصري مع بداية التصوير وكان له حوالي ثلاثين مشهدا، مما اضطرنا إلى تعديل النص. وكذلك لدى انسحاب نزار أبو جحر أثناء التصوير، ومرض ممثل آخر...

* في الجزء الأخير بدأت الأحداث تتجه نحو طرابلس وبيروت هل سيكون هناك خروج في الجزء الخامس من الحارة الدمشقية نحو مدن وأماكن أخرى؟

ـ قد يكون ذلك.

* هل سيكون الجزء الخامس خاتمة لمسلسل «باب الحارة»؟

ـ حتى اللحظة، فإن المتفق عليه هو الجزء الخامس، أما لاحقا فكل شيء وارد، قد نستمر وقد نتوقف.

* النجاح الجماهيري لم يمنع سيل الانتقادات الحادة الموجهة من النقاد؟

ـ كثير من الآراء الهجومية وغير الموضوعية صدرت عن أشخاص عاجزين عن تقديم شيء. ومع ذلك نحن على استعداد لسماع أي رأي نقدي موضوعي لتطوير دراما «باب الحارة». وهنا لا بد من القول إن نجاح «باب الحارة» هو نجاح للدراما السورية عموما، لكننا لا نجيد استثمار النجاح.

* لكن كانت هناك آراء نقدية توقفت عند ملاحظات صحيحة؟

ـ النقد لدينا ما زال عبارة عن وجهات نظر وحالة انطباعية. ولا يوجد لدينا نقد يغوص في الحالة الدرامية، وليس لدينا نقاد فلكلور. على سبيل المثال يرد تعبير «صوفته حمرا» على لسان شخصية في عمل فترته الزمنية تعود إلى الثلاثينات، مع أن تعبير «صوفته حمرا» شاع في فترة ملاحقة الشيوعيين في الخمسينات.

* الإعلام ركز وما زال على المخرج. وفي الجزء الرابع بدا أنه البطل الأوحد بعد خروج عدد من النجوم. أين الكاتب كمال مرة من هذا التنازع على الأضواء؟

ـ للأسف هناك حالة عامة، جراء العملية الإعلامية، وهي أن الكاتب آخر من يحظى بنجاح أي عمل درامي. وبالنسبة للمخرج من الطبيعي أن يحصد بسام الملا نجاح «باب الحارة»، لأنه كمخرج ميزته إخلاصه للنص، صدقه في نقل البيئة الشامية. وعندما يضفي على النص فهو يضفي ما يتعلق بالمصداقية البيئية. فالكاتب هو المعادل الفكري بينما المخرج هو المعادل البصري من خلال بنائه شبكة العلاقات بين الشخصيات على الشاشة والتقاط التيمات والمفردات الخاصة بها.

* هل الأجر المالي يعوض الكاتب عن هذه الحالة؟

ـ أنا غير راضٍ عن أي أجر أخذته على أعمالي كافة. للأسف إن أجر الكاتب في سورية لا يرتقي إلى أجر أي ممثل من الصف الثاني.

* ألم تقدم لك عروض مغرية بعد كتابتك لمسلسل «باب الحارة»؟

ـ قدمت لي العديد من العروض لكنني أختار الأقرب إلى ذاتي واهتمامي الفني.