فتح مدافن السلاطين العثمانيين للزوار للمرة الأولى منذ 50 عاما

تحت عنوان «لتظهر الآثار القديمة إلى العلن»

آيا صوفيا حيث دفن سلاطين العثمانيين («الشرق الاوسط»)
TT

أخيرا، وبينما كان الأتراك يشيعون آخر أمراء آل عثمان، الذي نفي مع أسرته مطلع العشرينات، بعد سقوط الخلافة العثمانية، كانت وزارة الثقافة التركية وتحت عنوان «لتظهر الآثار القديمة إلى العلن»، تنجز بالتعاون مع مديرية الآثار والمتاحف في إسطنبول، حملة ترميم وإصلاحات واسعة لمدافن السلاطين والأمراء العثمانيين الموجودة في «آيا صوفيا»، لفتحها أمام الزوار والمهتمين الذين ينتظرون منذ أكثر من 50 عاما.

نحو 140 مزارا، تجمعها ميزات معمارية رائعة والرخام الفاخر المحمول من أكثر من مكان، إضافة إلى النقوش والتطعيمات الصدفية الخلابة. بنيت هذه المزارات في غالبيتها بين القرنين السادس عشر والسابع عشر لكنها ظلت منسية لعشرات السنين، إلى أن صدر قرار بترميمها وتجديدها وإعادة افتتاحها أمام الزوار الذين انتظروا طويلا للاقتراب من مدافن كبار الإمبراطورية العثمانية الذين حكموا أبعد بقاع الأرض لقرون طويلة.

وميزة هذه الأضرحة أنها أقيمت داخل ساحة «آيا صوفيا» التي شيدت لتكون كنيسة بيزنطية في عهد الإمبراطور قسطنطينوس عام 324م، ومركز العالم الأرثوذكسي الديني، ثم حولها السلطان محمد الفاتح عام 1453 إلى جامع أدخلت عليه بعض الإضافات والتعديلات لتصبح بعد ذلك في العهد الجمهوري مطلع العشرينات وبقرار من أتاتورك عام 1935 متحفا، وما زال على هذه الحال حتى اليوم. والميزة الثانية لهذه الأضرحة، أنها أقيمت في وسط وعلى جوانب «آيا صوفيا» من دون المساس بهندسة البناء الأساسية. لكن السلاطين تسابقوا على استدعاء كبار المعماريين لإدخال إضافات وبناء مدارس دينية ومكتبات وزوايا عديدة حول المبنى، شيدها كبار معماريي الإمبراطورية، يتقدمهم سنان وداوود أغا ودالغش وأحمد أغا. ولا يمكننا أن نتجاهل هنا إصرار السلاطين على حمل الآثار القيمة من مختلف بقاع الإمبراطورية، لتأخذ مكانها في باحة المسجد الذي حظي بمكانة كبيرة وقتها، أكدته المراتب والألقاب التي كانت تمنح لمشايخ هذا المكان ورجال الدين العاملين فيه. وعثر في هذا الموقع الذي ترقد فيه عشرات الشخصيات العثمانية الكبيرة يتقدمهم السلاطين والأمراء والزوجات وأقرب المقربين إلى الأسرة المالكة، على قطع من القماش والألبسة ذكر أنها تعود للنبي الكريم، حملت من مكة ووضعت بشكل منسق داخل صناديق، بجانب الأضرحة. أما أهم الأضرحة فهو للسلطان سليم الأول، وهو مزار صممه المعماري المعروف سنان، وهو أول ضريح تعرفت من خلاله الإمبراطورية على دفن الزوجات إلى جانب أزواجهن بعدما دفنت السلطانة نوربانو إلى جانب زوجها في ذلك المكان. ودفن هناك أيضا أولاد السلطان مصطفى الأول وإبراهيم نجل السلطان أحمد الأول والسلطان مراد الثالث وابنه السلطان محمد الثالث الذي أمر بخنق 19 شقيقا له، خلال فترة الصراع على العرش. هذا إلى جانب قبور إبراهيم الأول الملقب بـ«المجنون إبراهيم» الذي أسقط عن العرش، ومصطفى الأول وبعض الأمراء. واللافت هنا هو أن أعمال البحث والدراسة متواصلة من قبل أكثر من متخصص في هذا المجال، لمعرفة وتحديد هوية كثير من الشخصيات المدفونة هنا، وبينها كثير من مشايخ الإسلام ورؤساء الوزراء وكبار الموظفين في الدولة. ولا بد من الإشارة إلى أن عملية الترميم الأولى تمت عام 1847 بأوامر من السلطان عبد المجيد، نفذها المعماري الإيطالي كاسبير فوساتي لتتبعها عملية ترميم ثانية بإشراف الفرنسي ألبرت سورلان عام 1882. وهو الشخصية التي يتهمها بعض الأتراك بنقل كثير من الأحجار والصينيات بحجة ترميمها وتنظيفها في باريس، حيث استبدلها بمواد مزيفة بعدما حمل النسخ الأصلية إلى المتاحف الفرنسية، خاصة متحف «اللوفر» حيث تعمل السلطات التركية لاستردادها. مستشار وزير الثقافة التركي عصمت يلمز يقول إن مثل هذه الأماكن هي بالنسبة لنا مواقع ما بين الحياة والموت، وعلينا حماية ما تمثله من عبر ورسائل، وإن حملة الترميم هذه على الرغم من موقعها وأهميتها ـ بالنسبة لغالبية الأتراك المتمسكين بتاريخهم وسلاطينهم ـ فإنها تحتاج إلى حملة أشمل وأكبر لإنقاذ عشرات الأضرحة والقبور العائدة للسلاطين العثمانيين والأسرة المالكة داخل الأراضي التركية وخارجها. وهذه المدافن أهملت إما بسبب العجز عن توفير الحماية والصيانة لها، وإما بسبب انعدام المخصصات لمثل هذه الأعمال.