قاسم حداد: الاختلاف حول الشكل الشعري للقصيدة العربية أصبح تاريخا

قال إن تجاهل الثقافة العربية للصورة أدى إلى خسارة فادحة

قاسم حداد
TT

عام 2008 أمضى الشاعر قاسم حداد عاما كاملا في برلين بمنحة تفرغ من «الأكاديمية الألمانية للتبادل الثقافي»، أتاحت له العمل على مشروعه الأدبي.

واشترك مؤخرا في تجربة شعرية تشكيلية مع الفنانة لبنى الأمين بعنوان «نزوة الملاك» مستمدة من مجموعته الأخيرة التي تحمل العنوان نفسه. وتأتي هذه التجربة بعد تجارب عديدة ومتنوعة مع الموسيقي خالد الشيخ والتشكيلي إبراهيم بوسعد والفوتوغرافي صالح العزاز والتشكيلي ضياء العزاوي.

هنا حوار معه عن تجربته الشعرية والأدبية، وأعماله المشتركة مع فنانين تشكيليين، ورأيه في المشهد الشعري العربي المعاصر:

* في عام 2008 كانت لك إقامة أدبية في برلين، بمنحة تفرغ من «الأكاديمية الألمانية للتبادل الثقافي»، كيف تقيّم تجربتك هذه؟

ـ كانت إقامة مدهشة، أتاحت لي العمل على مشروعي الأدبي في ظروف مثالية للكتابة.

والأكاديمية الألمانية للتبادل الثقافي بدأت عملها منذ العام 1964 في استضافة ما يقرب من عشرين مبدعا في ميادين فنية وأدبية مختلفة لفترة تتراوح بين 6 أشهر وسنة يقضيها الضيف متفرغا لإنجاز مشروعه الثقافي في ألمانيا، والأكاديمية تساعد المبدع خلال فترة إقامته على الاتصال بالمجتمع الثقافي والتعرف على التاريخ والتراث الألماني.

* أقمت مؤخرا في مملكة البحرين عملا شعريا تشكيليا مشتركا بعنوان «نزوة الملاك» مع التشكيلية لبنى الأمين كيف وجدت هذه التجربة (الكلمة/ اللون)؟ وماذا فيها من تقاطع مع تجارب مشتركة سابقة؟

ـ اشتغلَت الفنانة الصديقة لبنى الأمين على نصوص مكتوبة عن باريس وبرلين والبحرين، منذ سنوات سابقة، وأقيم المعرض في هذه المدن الثلاث تحية لها.

أجد في تجارب مشتركة مع الفن التشكيلي اتصالا عميقا بولعي بالفن البصري هذا، وفي كل تجربة أكتسب معرفة ومتعة، وأكثر، وفي كل تجربة مشتركة جديدة مع التشكيل أزداد معرفة وشغفا بهذا الحوار الغني بالمكتشفات، وأرى كتابتي في مهب بالغ التنوع والجمال، وفي هذه التجربة اقتربَت الكتابة من اللوحة بصريا بحيث أصبح علينا أن نصغي إلى اللوحة بوصفها نصا مشتركا يجري حواره أمامنا، ولنترك لأنفسنا حرية التأمل بصرا وبصيرة، فالرسم كإبداع ليس قراءة للنص من الخارج، ولكنه قرين له وحنون على دواخله، وهو بالتالي يأخذ النص إلى رحابة المطارح التي تضاعف توهجه، والجوارح التي تتوق إلى المس الرحيم فيه، وهذا ذهاب يسعى إليه الخلق والخالق.

* كانت لك تجربة مع التشكيلي العراقي ضياء العزاوي، والآن مع التشكيلية لبنى الأمين، وبين التجربتين في التشكيل 13 عاما، بين ضياء ولبنى، هل تكون التجربة مع الحقل التشكيلي أم مع الفنان نفسه؟

ـ كل هذه التجارب تأتي باقتراح من الفنانين الذين يتصلون بالشعر. وهذا يجعلني في مهب أجمل الفنون الإنسانية قربا للكتابة. بالطبع هكذا تجارب تمنح الإنسان صداقات نوعية في الإبداع. تمتزج فيها العناصر الشخصية بالنوع الفني. أنا كائن ضعيف أمام الرسم واللون والغموض.

* مع الفنان والموسيقي خالد الشيخ والتشكيلي إبراهيم بوسعد والفوتوغرافي صالح العزاز 2001 والتشكيلي ضياء العزاوي 96 والتشكيلية لبنى الأمين 2009، وقبل ذلك مع أمين صالح في «موت الكورس» 84 و«الجواشن» 87م، تجارب إبداعية تحدثت عنها كثيرا، لكن لماذا لم نرَ هذه التجارب بين مبدعين آخرين في الوطن العربي؟

ـ كما تقول « تحدثتُ عنها كثيرا»، وهذا سؤال سوف يغنيه الآخرون، خصوصا الفنانين الذين قدموا الكثير من التجارب الجيدة في مناطق مختلفة من الإبداع العربي. فثمة تجارب في كل مكان.

وهذه التجارب التي ذكرتها جاءت من نزعة لفتح أفق أكبر للكتابة، وأرى أن تجاهل الثقافة العربية للصورة أدى إلى خسارة فادحة لأن الجانب البصري يثري المخيلة ويساعد في استنباط الصور الشعرية، وذلك يكسبني تجربة جديدة في كل مرة أخوض فيها تجربة عمل مشترك مع فنان تشكيلي ويشحذ إمكانياته الذاتية، وأنا أدعو إلى كسر الحدود المفتعلة بين أشكال التعبير.

* تستخدم تقنية السرد الشعري في قصائدك بشكل مكثف.

ـ هي تجربة بالغة الجمال، أحب التحرك في السرد الشعري بحرية بعيدا عن الوزن، والسرد الشعري يقع خارج التجربة العربية، وهذا السرد يفتح أفق القصيدة للشاعر ليكتشف جماليات اللغة العربية التي تشرع في منح جمالياتها بشكل لا نهائي بالغ التنوع والثراء.

* كلما تقدمت في العمر ازددت تبتلا وإخلاصا ووعيا بالشعر، بخلاف الأديب العربي الذي يتداعى إبداعيا بعد سن الخمسين. كيف تحقق لك ذلك؟

ـ لا أعرف شيئا آخر يمكن أن يصنعه من يزعم الكتابة والفن. فالإبداع كلما أخلصت له منحك ما تحلم وتتخيل وتشتاق. الإبداع مثل الحب.

لحظة الكتابة هي لحظة بالغة التركيب، والشاعر يجب أن يصغي إلى الخيال والقلب والعواطف أكثر، وأن لا يترك العقل ليسيطر عليه لكي يكون النص معبرا عنه لأن الفن في النهاية هو الخيال، والعقل يأتي دوره في المراجعة والترميم إن كانت ممكنة.

* تسمي الكتابة: التمرين الأخير على موت في حياة لا تُحتمل، ألم تتعب من هذا التمرين؟

ـ ليس بعد، منذ أن بدأت علاقتي بالكتابة وأنا في جحيم لا هوادة فيه. أعرف أن عالم الأدب يستدعي قدرا من الاطمئنان والسكينة، أو على الأقل الثقة بالنفس. لكن الكاتب في داخلي شخص لا يهدأ في مكان ولا يستوعبه شكل الحياة، مثل مجنون أعمى يبحث في غرفة مظلمة عن شمس ليست موجودة. لا يطمئن لجهة ولا يستقر في إقليم وليس له ثقة في ما يكتب. يسمي ما ينجزه من كتابة: التمرين الأخير على موت في حياة لا تحتمل. فهو في كل يوم وأمام أي تجربة جديدة يبدو كأنه يكتب للمرة الأولى والأخيرة في آن واحد. جسد يرتعش مثل طفل مذعور مقبل على الوحش. كثيرا ما تركته وحده في الغرفة مريضا يوشك على الموت، وعندما أعود إليه في اليوم التالي، يضع أمامي النص ويجلس مثل شحاذ ينتظر ردة فعلي. ينتحب كأنه الميت يرثي نفسه. وما إن أقول له الكلمة، حتى يستعيد صحته ويقفز مثل العفريت، مستعدا للحياة كأنه يولد توا.

* بين حين وآخر تظهر اختلافات بين بعض شعراء قصيدة النثر ومن ارتضوا الشكل التفعيلي للقصيدة العربية، بحيث يدّعي كل طرف أن الشكل الشعري الذي يتبناه هو مستقبل القصيدة العربية والصيغة المثلى للكتابة الشعرية التي على الأجيال الشعرية أن تتبناها.

ـ لم أعد أذكر هذه المسألة. صارت تاريخا لا يشغل الشعر.

* أنت ماذا ترى؟ ما الشكل الشعري الذي ترى أنه سيسود في المستقبل؟

ـ الكتابة دائما «ليس بهذا الشكل.. ولا بشكل آخر».

* سيرة ذاتية:

ـ وُلد في البحرين عام 1948.

ـ تلقى تعليمه بمدارس البحرين حتى السنة الثانية الثانوية.

ـ التحق بالعمل في المكتبة العامة منذ عام 1968 حتى عام 1975.

ـ ثم عمل في إدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام من عام 1980.

ـ شارك في تأسيس «أسرة الأدباء والكتاب في البحرين» عام 1969.

ـ شغل عددا من المراكز القيادية في إدارتها.

ـ تولى رئاسة تحرير مجلة «كلمات» التي صدرت عام 1987.

ـ عضو مؤسس في فرقة «مسرح أوال» عام 1970.

ـ يكتب مقالا أسبوعيا منذ بداية الثمانينات بعنوان «وقت للكتابة» يُنشر في عدد من الصحف العربية.

ـ كتبت عن تجربته الشعرية عددا من الأطروحات في الجامعات العربية والأجنبية، والدراسات النقدية بالصحف والدوريات العربية والأجنبية.

ـ تُرجمت أشعاره إلى عدد من اللغات الأجنبية.

ـ شارك في عدد من المؤتمرات والندوات الشعرية والثقافية عربيا وعالميا.

* مؤلفاته:

1- البشارة ـ البحرين ـ أبريل 1970.

2- خروج رأس الحسين من المدن الخائنة ـ بيروت ـ أبريل 1972.

3- الدم الثاني ـ البحرين ـ سبتمبر (أيلول) 1975.

4- قلب الحب ـ بيروت ـ فبراير (شباط) 1980.

5- القيامة ـ بيروت ـ 1980.

6- شظايا ـ بيروت ـ 1981.

7- انتماءات ـ بيروت ـ 1982.

8- النهروان ـ البحرين ـ 1988.

9- الجواشن (نص مشترك مع أمين صالح) ـ المغرب ـ 1989 .

10- يمشي مخفورا بالوعول ـ لندن ـ 1990.

11- عزلة الملكات ـ البحرين ـ 1992.

12- نقد الأمل ـ بيروت ـ 1995.

13- أخبار مجنون ليلى (بالاشتراك مع الفنان ضياء العزاوي) لندن / البحرين ـ 1996.

14- ليس بهذا الشكل، ولا بشكل آخر ـ دار قرطاس ـ الكويت -1997.

15- الأعمال الشعرية ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ـ 2000 .

16- علاج المسافة ـ دار تبر الزمان ـ تونس ـ ‏2000‏ ـ ‏10 ـ ‏29.

17- له حصة في الولع ـ دار الانتشار ـ بيروت ـ 2000 المستحيل الأزرق (كتاب مشترك مع المصور الفوتوغرافي صالح العزاز).

18- ما أجملك أيها الذئب ـ 2008.

19- دع الملاك ـ 2009.