«ألف نيوز ونيوز» يفتتح عهدا جديدا من الصالونات الثقافية في الجزائر

من أجل «الإمتاع والمؤانسة» بوزيد حرز الله يتحرك

TT

الموسم الثقافي الجزائري الذي انطلق مع بداية شهر رمضان الماضي ولا يزال مستمرا، حمل الجديد والمبتكر، وبعيدا عن الأنشطة الرسمية التي سيطرت على المشهد في السنين الأخيرة، عمل بعض المثقفين المعروفين على تأسيس صالونات مرتبطة بأسمائهم على غرار الكاتب المسرحي والروائي احميدة عياشي، والشاعر بوزيد حرز الله.

ومن غرائب الصدف أن الصالونين الذين انطلقا في وقت متقارب، يحملان اسمين لهما دلالة تراثية عربية كبيرة، فصالون احميدة عياشي، تأسس في إطار المؤسسة الإعلامية التي يديرها وتصدر عنها يومية «الجزائر نيوز» باللغة العربية و«ألجيري نيوز» باللغة الفرنسية، أطلق عليه اسم «ألف نيوز ونيوز» ليحيل إلى عوالم «ألف ليلة وليلة». أما صالون الشاعر بوزيد حرز الله المستحدث فيقيمه في بيته الشخصي في الجزائر العاصمة، ويحمل عنوان «الإمتاع والمؤانسة» ويحيل بدوره إلى كتاب تراثي عربي كبير لأبي حيان التوحيدي. وكان الكاتب احميدة عياشي قد أطلق صالونه منذ الأيام الأولى لشهر رمضان الماضي، واستضاف في كل ليلة ضيوفا في ديكور تراثي جميل وبسيط، يتناولون بعض الحلويات الشرقية البسيطة مع كؤوس الشاي، تم فتح النقاش مع أشهر الفاعلين في المشهد الإعلامي والثقافي والأكاديمي الجزائري، حول أعقد الإشكالات المطروحة في الجزائر. ومع نهاية شهر رمضان لم يتم إغلاق صالون «ألف نيوز ونيوز» وإنما أعيد تنظيمه من جديد ليتحول من يومي إلى أسبوعي دائم. أما الشاعر بوزيد حزر الله فقد اختار لصالونه

«الإمتاع والمؤانسة» انطلاقة مختلفة وفق نظرة مختلفة. فالشاعر الذي أكد أن فكرة الصالون خامرته طويلا لم ينتظر المزيد من الوقت لتنفيذها، ولم يجد إلا بيته مكانا لها. وقد ضبط برنامجا يستمر ثلاثة أشهر كمرحلة أولى في انتظار المواصلة مستفيدا من تجربة البداية، وسينظم مطلع ونهاية كل شهر على أن يستضيف مثقفين من الجزائر والعالم العربي لمناقشة قضايا من صميم الهم الثقافي المحلي والعربي، ويأمل صاحبه أن يضع الصالون تقليدا ثقافيا جديدا يتجاوز حالة الجمود الثقافي التي تعرفها الجزائر. وقال حرز الله إن صالونه المستحدث: «ليس به أي طابع رسمي، حيث إنه مبادرة شخصية أردت من خلالها المساهمة في دفع العجلة الثقافية إلى الأمام باستضافة كتاب ومفكرين من الجزائر ومن خارجها في بيتي»، ولئن ارتبط صالون «الإمتاع والمؤانسة» بشاعر يكتب باللغة العربية، فإن صالون «ألف نيوز ونيوز» يحاول من خلاله صاحبه فتح جسر للنقاش بين المعربين والمفرنسين، وسبق له على سبيل المثال أن نظم سهرة شعرية على شرف الراحل نزار قباني باللغة الفرنسية في محاولة لقراءة هذا الشاعر العربي بعيون الفرنكوفونيين. وفي مقابل ذلك ينوي الكاتب الصحافي إيدير بن يونس الذي يدير صحيفة تصدر باللغة الفرنسية إطلاق صالون ثقافي كبير يتناول نقاشات حرة إلى جانب معارض فنية، وهو المشروع الذي يرتقب أن يرى النور قريبا.

وفي الوقت الذي ينتظر فيه مراقبون للوضع الثقافي الجزائري تأسيس صالونات ثقافية أخرى في الأفق، ضمن موجة جديدة تذّكرنا بـ«المقاهي الثقافية» المتعددة التي انتشرت في الأعوام الأولى من هذه العشرية. وهو التقليد الذي بدأ مع الشعراء نجيب أنزار والطيب لسلوس وعبد الرزاق بوكبة في مقر اتحاد الكتّاب الجزائريين ثم المكتبة الوطنية الجزائرية، ثم أصبح ظاهرة ثقافية ليتوارى بعد سنين من ذلك.

وظاهرة الصالونات الثقافية ليست جديدة تماما، فقد سبق للروائي المعروف الطاهر وطار أن أسس في ثمانينات القرن الماضي صالونا ثقافيا في بيته لكنه لم يستمر طويلا، وتم تعويضه بجمعية «الجاحظية» التي تأسست مع إقرار التعددية السياسية في الجزائر سنة 1989 وتحولت بعد ذلك إلى مؤسسة ثقافية. ومن الشعراء الذين سبق لهم تأسيس صالونات ثقافية هناك عزوز عقيل الذي نجح منذ أعوام في تحويل بيت ورثه عن أبيه وكان اسمه «بايزيد» في مدينة عين وسارة عند بوابة الصحراء إلى صالون يحمل اسم الوالد بايزيد واستقطب الكثير من الأدباء والشعراء المعروفين. وعندما تعذر تنقل بعض المدعوين إليه مع بعد المسافة وقلة الإمكانات المادية كان يستعين باللقاء عبر الهاتف ومكبر الصوت لمناقشة الحاضرين هناك ونجحت التجربة إلى أبعد الحدود.

مع انتشار موضة الصالونات الثقافية المرتبطة بأشخاص في الجزائر، يأمل الكثير من المنتسبين للحقل الثقافي في أن يكون الأمر بداية حقيقية لتأسيس ثقافي أهلي مدني، بعيدا عن الوصاية الرسمية التي أغدقت الكثير من الأموال من دون أن تنجح في صنع حراك حقيقي لأسباب مختلفة، لا أن يكون ذلك مجرد موجة عابرة، مثل الكثير من المبادرات السابقة التي لم يشفع لها حسن نوايا أصحابها.