دعوة لحماية حقوق الناشرين والقراء العرب

الناشرون اجتمعوا في الرياض وبحثوا مستقبل صناعة النشر

TT

مثل المؤتمر الأول للناشرين العرب الذي احتضنته العاصمة السعودية، الرياض، واختتمت فعالياته الأسبوع الماضي، حدثا مهما في سياق البحث عن مستقبل النشر العربي ووضع تصورات لتطوير هذه الصناعة. لكن المؤتمر أضاف دفعا قويا في سياق التغلب على المعضلات التي تواجه النشر باعتباره وسيلة للمعرفة، وأهمها مأسسة الصناعة المتعلقة بالنشر وتنظيمها ووضع حماية لها ضد القرصنة، وكذلك دفع الأطراف جميعها لرعاية حقوق القارئ في الحصول على الكتاب بتكاليف قليلة، ومنع التعدي على حقوقه في المعرفة.

المؤتمر ناقش جملة من القضايا التي تهتم بمستقبل صناعة النشر في العالم العربي من بينها، حرية النشر، وأهمية النشر، وحرية تداول المعلومات والعلوم والمعارف، وانتقال الكتب بلا حدود، وأوصى المؤتمر في ختام جلساته إلغاء الرقابة، وإزالة العقبات أمام انتقال الكتاب.

واهتم المؤتمر، على نحو خاص، بمناقشة مستقبل النشر العربي، وبحماية وتأمين صناعة النشر، لكن مشاركة مثقفين من غير العاملين في سوق النشر أمكن طرح قضايا تهم القارئ بشكل خاص، من قبيل حرية النشر ورفع القيود عن الكتب، بالإضافة إلى حث الناشرين المتعطشين لحماية حقوقهم من القرصنة التي تفوت عليهم أرباحا مالية للعمل على وضع حلول جوهرية لانتشال صناعة النشر، وبالتالي المساهمة في التنمية الثقافية الآخذة في التراجع في العالم العربي.

وحسب تقرير التنمية العربية، فإن متوسط الكتب المترجمة لكل مليون عربي يساوي 4.4 كتاب، أي أقل من كتاب واحد كل سنة، بينما بلغ العدد 519 كتابا في المجر، و920 كتابا في إسبانيا. وخلال أكثر من نصف قرن ترجمت فرنسا ما يقرب من 150 ألف كتاب، كما ترجمت ألمانيا نحو 260 ألف كتاب، في حين ترجم العرب، مجتمعين، أكثر بقليل من 9 آلاف كتاب.

ومن خلال 29 ورقة عمل وزعت على 10 محاور أساسية، بحث 39 متخصصا جملة موضوعات اهتمت بوضع تصور، وإن كان ما زال نظريا بشأن إنشاء شركة توزيع عربية أو «شركات للتغلب على مشكلات توزيع الكتاب بآليات جديدة تتواكب مع ما يحدث في العالم المتقدم»، حسب ما أوصت جلسة كان عنوانها «تسويق وتوزيع الكتاب في العالم العربي».

كذلك، ناقش ناشرون عرب ومثقفون جملة مقترحات لحماية حقوق الملكية الفكرية منها توعية الجيل الناشئ لأهمية حقوق الملكية الفكرية، وتثقيف الرأي العام بأهميتها، «وإنشاء صندوق لتمويل قضايا الدفاع عن حقوق الناشرين ضد القرصنة، والعمل على تفعيل الأنظمة التي تحمي الحقوق وتتيح المعلومات».

واهتم الناشرون بالتوجه للقطاع الخاص للدخول في استثمارات في قطاع النشر، وجاءت في توصية جلسة «النشر الإلكتروني في العالم العربي» دعوة المستثمرين للدخول مع الناشرين في مشروعات النشر الإلكتروني، وعمل آلية جماعية للتعامل مع محركات البحث الإلكتروني المشهورة ومؤسسات النشر عبر الإنترنت، وكذلك إنشاء مشروع لرقمنة وتحويل الكتاب من خلال كيان اقتصادي قوي، وتدقيق الأرقام والإحصائيات المتداولة في مجال النشر.

التوصيات الأخرى للمؤتمر، اهتمت بتنظيم العلاقة بين الناشر والمؤلف، وفي مجال مشكلات الترجمة، رأى المشاركون تفعيل العلاقات مع الهيئات المعنية بتدقيق الترجمة لضبط أعمال الترجمة وتصنيف مستويات المترجمين، والتوجه للحكومات لدعم العاملين في هذا المجال.

مؤتمر الناشرين، أوصى كذلك بإقامة هيئة تنسيقية بين إدارات معارض الكتب العربية لتنسيق مواعيد المعارض، وتشجيع إنشاء معرض افتراضي عبر شبكة الإنترنت، وإلغاء القيود أمام حركة تداول الكتب في المعارض. المؤتمر ناقش التحديات التي تواجه مستقبل صناعة النشر في العالم، وفي العالم العربي بشكل خاص، من زوايا التقنية وسياسات النشر، موصيا بضرورة التفاعل مع المتغيرات العالمية مثل الكتاب الرقمي وتطوير اقتصاديات المهنة، وتنوع الإنتاج المعرفي، والارتقاء بالمكتبات وشركات التوزيع، والاندماج في كيانات قوية قادرة على الصمود والمواجهة.

وكانت جلسة «حرية النشر في العالم العربي» التي أدارها الدكتور عبد الله الحمود، وجمعت كل من المفكر اللبناني: علي حرب، ومحمد سالم رئيس اتحاد الناشرين السوريين، والدكتور سعد بن طفلة العجمي، وزير الإعلام الكويتي الأسبق، واحدة من أبرز الجلسات، حيث طرح علي حرب ورقة عمل بعنوان «حرية النشر والتعبير بين حجب المعرفة ونشر الشعوذة»، معتبرا أن التطور الهائل في وسائل الاتصال والشبكات الأثيرية الفائقة تلغي الحدود بين المجتمعات، على نحو يجعل المعلومات والرموز والصور تجتاح الناس في حجراتهم، مما ينتهك الثوابت والمحرمات، الأمر الذي يجعل الكلام على حرية النشر أو الخشية منه غير ذي موضوع، كما يجعل أعمال الضبط والرقابة على الكتب والمنشورات غير مجدية ولا فعالة، مشيرا إلى أن ما تمنعه أجهزة الرقابة يمكن الحصول عليه بوسائل أخرى.

أما رئيس اتحاد الناشرين السوريين فكانت ورقته بعنوان «من حرية الفكر إلى حرية النشر» معتبرا أن صناعة النشر إحدى أهم المعايير التي يقاس بها المستوى الحضاري لشعب من الشعوب، مشيرا إلى أن دور النشر أصبحت إحدى أهم مصانع المعرفة، إلى جانب الجامعات ومراكز الأبحاث، في عصر المعلومات وثورة الاتصالات؛ الذي تتحول الإنسانية إليه الآن بسرعة مذهلة.

عبد الله العصيمي، المشرف العام على الإدارة العامة لحقوق المؤلف في وزارة الثقافة والإعلام السعودية، أشار إلى أن النظام الجديد لحماية حق المؤلف يمثل تطورا رئيسيا في مجال التشريعات التي تحافظ على حماية حقوق المؤلف «التي تتمثل في حماية قواعد البيانات، والأعمال السمعية والبصرية والتسجيلات، وزيادة مدة حمايتها إلى خمسين عاما من أول بث لها، ورفع سقف العقوبات والتعويض لأصحاب الحقوق المعتدى عليهم».

ورأى أحمد بن فهد الحمدان رئيس جمعية الناشرين السعوديين إن واقع حماية الملكية الفكرية في الدول العربية «هو واقع مرير حيث ينشط فيه التزوير على مرأى ومسمع من الجهات ذات العلاقة المعنية بحماية حقوق المؤلف»، مبديا تذمره من الإجراءات المطولة والمعقدة في ملاحقتهم ومقاضاتهم لدى الجهات الرسمية في البلدان العربية التي تساعد القراصنة على انتهاك حقوق الملكية الفكرية. وقال الحمدان لـ«الشرق الأوسط»: «إن الناشرين في الخارج يعتقدون بأن المؤلف السعودي مستباح، فيطبعون أي كتاب سعودي بطريقة غير قانونية، من خلال القرصنة. وللأسف، لا يوجد لنا في الخارج من يحمي الكتاب السعودي من هذه العصابات، بدليل أن لدى جمعية الناشرين شكاوى كثيرة حول هذا الموضوع، من دون أن تجد تعاونا من أي جهة في ذلك».

وأقر الحمدان أن اتحاد الناشرين العرب يواجه تحديات كبيرة تتجلى في صعوبة الإجابة على السؤال الذي يطرح عما قدمه هذا الاتحاد، مشيرا إلى أنه هناك، حاليا، مبادرة يسعى الاتحاد إلى تشكيلها وتنفيذها مع جمعية الناشرين السعوديين تتعلق بالنشر الإلكتروني.

الدكتور حمد القاضي، عضو مجلس الشورى السعودي، الذي اتجه مؤخرا لعالم النشر، دعا لإنشاء دار نشر كبيرة في كل بلد عربي إلى جانب الدور القائمة كخطوة من أجل انتشال سوق النشر والكتاب من الكساد، داعيا الحكومات لدعم هذه الدور ماديا.

أما الدكتور عبد الله بن ناصر الحمود، أستاذ الإعلام المشارك في جامعة الإمام بالرياض، ونائب رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الكتاب المطبوع يواجه اليوم أسوأ حالاته، لكن المؤتمر أعطى المؤلف بصيص أمل في أن أقطاب الصنعة اجتمعوا ليتدارسوا أفضل السبل لنقل الكتاب للقارئ، وتذليل ما هو موجود من عقبات بالقدر الذي يمكن أن يقود إلى إيجاد تشريعات حديثة متطورة تستوعب متغيرات المرحلة على المستويات كافة». ولاحظ الحمود أن التوصيات التي توصل إليها المؤتمر من المؤمل أن تستفيد منها صناعة الثقافة عموما.