حوارات منقطعة منذ بدايات القرن العشرين

باحثة سودانية تعود إلى علي عبد الرازق

الكتاب: خارج الجماعة: في تجاوز الليبرالية والجماعية القمعيتين المؤلف: الدكتور نادر كاظم الناشر: البحرين: مؤسسة الأيام للنشر، 2009
TT

أصدرت مطبعة جامعة يوتا الأميركية كتاب: «دين، لا دولة: التبرير الإسلامي لعلي عبد الرازق للعلمانية السياسية»، وهو تركيز على كتاب علي عبد الرازق: «الإسلام وأصول الحكم: الخلافة والحكومة في الإسلام».

مؤلفة الكتاب هي د.سعاد تاج السر علي، رئيسة قسم الآداب والثقافات الكلاسيكية والشرق أوسطية في مدرسة الآداب والثقافات الدولية في جامعة أريزونا ستيت الأميركية.

كتب المقدمة د.بيرنارد وايس، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة يوتا الأميركية، التي قال فيها إن كتاب علي عبد الرازق، الأستاذ الجامعي المصري، الذي صدر سنة 1925، بعد سنة من سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا، يناقش جانبين:

الأول: عن الخلافة الإسلامية، ومدى ضرورتها، والثاني: عن الإسلام، وكونه «دينا، لا دولة».

وذكر أن الغرض من كتاب «دين لا دولة» هو «توضيح» لكتاب علي عبد الرازق «بصورة لا مثيل لها في أي دراسة أخرى»، ولخص رأي الرجل بأنه «ينفي فكرة دولة إسلامية عالمية يرأسها فرد واحد مؤهل ليحمل وصف خليفة»، وأن «الإسلام هو دين لا دولة، ورسالة لا حكومة».

وتحدث الكتاب عن «إعادة اختبار القوة الفكرية لكتاب علي عبد الرازق، وأهميته في الفكر الإسلامي السياسي والفلسفي والديني المعاصر».

وأشار إلى أن الدراسات عن العلاقة بين الدين والدولة، قبل وبعد كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، صارت أكثر أهمية بعد ظهور «الأصولية، أو الفكرة التي تدعو إلى حاكمية الله». وزادت هذه الأهمية بسبب النقاش الحالي بين «مؤيدي العلمانية ومؤيدي حكم الإسلام».

أما المؤلفة، فترى أن العلمانيين يتعرضون لاتهامات بأنهم «أتباع للغربيين» لأنهم يدعون لفصل الدين عن الدولة، وأن هذه الاتهامات تمنع وجود نقاش صحي ومحايد، وتخلق مواجهة بين «المستغربين» و«الأصوليين»، تحول دون فهم الجانبين لبعضهما البعض. وتعتقد مؤلفة الكتاب أن علي عبد الرازق تحدى بكتابه في تلك الفترة المبكرة الإسلاميين، الذين يريدون دولة إسلامية. وقد أثبت التجارب اللاحقة أن هذه الدولة قد فشلت كما في السودان وفي أفغانستان. فقد دعا حسن الترابي في السودان إلى تأسيس مثل هذه الدولة «لأن الدول الإسلامية تريد تحقيق الديمقراطية بالإيمان بالله، بينما تريد الدول الغربية ذلك بالإيمان بحكومات بشرية».

لكن، بعد عشرين سنة تقريبا، فشلت تجربة الإسلاميين في السودان فشلا كاملا. والكتاب يذكر هنا بعبد الوهاب الأفندي، الذي خرج من جماعة الترابي، واقترح استبدال «دولة إسلامية» بـ «دولة للمسلمين»، تكون ديمقراطية، لا دكتاتورية.

وفي نهاية الكتاب، تناولت المؤلفة «مصر بعد علي عبد الرازق». ففي سنة 1925، انتصر الإسلاميون عليه، وفصلوه من الأزهر الشريف. ثم شن الإسلاميون حملة على طه حسين، خاصة بعد نشره كتاب «في الشعر الجاهلي». وفى سنة 1927، ظهرت جمعية الإخوان المسلمين لمواجهة طه حسين وأمثاله. وخلال بقية القرن، استمرت المواجهة، متمثلة في أحداث مثل منع كتاب نجيب محفوظ «أولاد حارتنا»، وكتابي «الحسين ثائرا» و«الحسين شهيدا» لعبد الرحمن الشرقاوي.

وتقول د.سعاد تاج السر علي بهذا الصدد: «استمر النقاش لقرن تقريبا، واستمر كل جانب يلوم الآخر (يقصد الإسلاميين والعلمانيين)، ويحمله المشاكل التي ظلت تواجه الشرق الأوسط. لكن، لم يتحسن الوضع ولم يتغير». وهما يطرحان هنا سؤالا كبيرا لا يزال صالحا في فترتنا الحالية: «هل يمكن تأسيس مناخ إسلامي تناقش فيه كل الأطراف، في ديمقراطية، موضوع الدين والدولة؟» لكنهما يجيبان بالنفي، وذلك بسبب «الأنظمة الدكتاتورية التي ظلت تحكم دولا عربية لمدة طويلة». وهذه المشكلة في رأيهما تضاعفت «بسبب التأييد الذي تلقاه هذه الأنظمة من الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، مما جعل تغييرها شبه مستحيل». بالإضافة إلى تدخل الدول الغربية في موضوع الديمقراطية في الشرق الأوسط، ومحاولة تصديرها النماذج التي تتلاءم مع مجتمعاتها، وليس بالضرورة صالحة لمجتمعات مختلفة البنى الاجتماعية الاقتصادية والثقافية.

إن كتاب علي عبد الرازق، حسب الكاتبة، لا يزال محتفظا بحيويته مادامت الأفكار التي ناقشها، سواء اتفقنا معها أو لا، مطروحة بقوة في مرحلتنا الحالية، وفي المستقبل أيضا.