خالد حسيني.. الأفغاني الأوسع شهرة في أميركا

روايته وزعت ملايين النسخ وترجمت إلى عشرات اللغات

TT

الشهر الماضي وعلى مسافة غير بعيدة من كابول، عاصمة أفغانستان، ووسط غبار كثيف، وصلت سيارات «لاندروفر» بيضاء. وبسرعة وهرج خرج مسلحون غربيون من إحدى السيارات، وانتشروا أمام وحول كوخ من الطين، بينما هربت الدواجن والأغنام، ووقف أطفال يتفرجون في فضول.

ومن سيارة ثانية خرج مصورون ومعهم كاميرات تلفزيونية، ومن ثالثة خرج رجل ملامحه شرقية يرتدي بنطلونا من الجينز وقميصا خفيفا. ثم خرج من الكوخ الشيخ محمد إبراهيم، زعيم قبيلة رعوية. وبعد أن فتشه الحرس صافح الرجل الزائر، وباللغة الدارية (لغة أغلبية الأفغان) قال الزائر: «أنا ممثل مكتب اللاجئين التابع للأمم المتحدة». لم يقُل اسمه، لكن لم يكن هذا هاما بالنسبة للشيخ الذي بدأ يشتكي سوء الحال. قال إن قبيلته صارت لاجئة مرتين، مرة بعد الغزو الروسي (سنة 1978)، ومرة بعد الغزو الأميركي (سنة 2001). وعندما طلب منه الزائر أن يختصر كلامه رد محذرا: «نحن نعيش في خراب ودمار، إذا لم تساعدنا ستكون مسؤولا عن دمنا الذي يُراق». استغرب الزائر من تحميله مسؤولية شيء لا يعتقد أنه مسؤول عنه.

الزائر لم يقُل اسمه للشيخ الأفغاني، ولم يقُل حراسه ومرافقوه اسمه لأي تلفزيون أو صحيفة أفغانية. لم يتحدث في مؤتمر صحافي، ولم يقم له حفل استقبال وهو «المندوب الخاص لمكتب إغاثة اللاجئين». لكن رافقه أميركيون يعملون في مكتب اللاجئين، وكان حراسه أميركيين.

هل هو أميركي أم أفغاني؟ سأل نفسه مرات كثيرة، وكتب الجواب في قصصه. لم يقُل إن اسمه خالد حسيني، أشهر أفغاني في أميركا، أشهر من الرئيس كرزاي. لم يقُل إنه كاتب رواية «كايت رانار» (جاري طائرة الورق) التي صدرت قبل خمس سنوات، وترجمت إلى عشرات اللغات ووزعت ملايين النسخ، وصدرت في فيلم سينمائي نال جوائز كثيرة. لكن منعت حكومة أفغانستان الكتاب والفيلم، وقالت إن فيهما نقطة «حساسة»، إشارة إلى مناظر عن اغتصاب رجال لطفل. الرجال من قبيلة البشتون، والطفل من قبيلة الحزارا.

وخلال زيارته الأخيرة لأفغانستان سألته باميلا كونستابل، مراسلة جريدة «واشنطن بوست» عما إذا كان يعاني «أزمة هوية». قال: «أعترف بأني أعيش حياة مريحة في أميركا، وأنا هناك منذ أن كان عمري 11 سنة». لكنه قال إنه يحس بالخجل لأن عائلته هربت من أفغانستان وأخذته معها، وكان يجب أن تبقى. وشبّه نفسه ببطل الرواية، أفغاني عاد من أميركا إلى أفغانستان، وأحس أنه مثل سائح في وطنه. وكتبت الصحافية: «حسيني يعاني من أزمة هوية، يريد مساعدة بني وطنه لكنه لا يحس بالأمن وسطهم. إذا عرفوا من هو فسيهجمون عليه ويقطعونه إربا إربا. ورغم ذلك يقول إنه أفغاني وإن أفغانستان وطنه».

وانضمت إلى النقاش مجلة «تايم» الأميركية، وقالت: «يستغرب الأميركيون من حسيني، مثلهم، يحلق ذقنه، ويرتدي ملابس أنيقة، ويتكلم الإنجليزية بلكنة خفيفة، ويشرب بيرة (ميلار)، ويرتدي قبعة عليها اسم (ميلار)، لكنه دائما يقول إنه أفغاني وهناك وطنه».

في الأسبوع الماضي، بعد عودته من أفغانستان، تحدث أمام لجنة تحقيق في الكونغرس عن الحرب في أفغانستان، وأيد بقاء قوات الاحتلال الأميركي هناك، وأيد زيادة عددها.

لكن، ليس حسيني أول أجنبي مشهور هاجر إلى الغرب وأيد تدخل القوات الغربية في وطنه الأول، ثم كتب عن الأزمة الداخلية التي يعيشها. كتب عن ذلك أيضا العراقي علي عبد الأمير علاوي، فقد جاء إلى الولايات المتحدة ودرس فيها ونال ماجستير إدارة أعمال، ثم دكتوراه من بريطانيا، وأيضا نال الجنسية البريطانية. أيد غزو القوات الغربية للعراق، وكان وزيرا في أول حكومة بعد الغزو، كتب مؤلّف «احتلال العراق»، وفيه اعترافات عن تعقيد علاقاته بين الشرق والغرب. ومثل الآلاف من مثقفي الدول العربية والإسلامية الذين يهاجرون ويتجنسون بجنسيات غربية، كتب: «لم أتوقف يوما عن التفكير في وطني... قاسيت من المنفى، والظلم، والتيه... المنفى جعل العقل كئيبا وسوداويا». واعترف بأنه لم «يتأذَّ ويجبر على التنقل»، لكنه عاني من «انخفاض الخيارات، وضيق الفرص». (كان خبيرا في البنك الدولي، ثم صاحب بنوك وشركات استثمارية). وفسر سبب تعاونه مع الاحتلال بقوله: «تقربت إلينا السفارات الغربية والإعلام الغربي، وكان بعضنا محظوظا، وتسلم رمز الاعتراف الأعظم: زيارة البيت الأبيض».

وقال إن صديقه موفق الربيعي ذهب إلى مجلس الحكم في العراق، واقترح عليهم اسمه وزيرا. وعندما سئل: «هل تريد أم لا تريد؟»، تردد ثم قال: «نعم».

وقال علاوي: «لم يكن سبب القبول هو الطموح أو حب الحكم»، إنه «القدر.. اقتنعت بأخلاقية إسقاط الحكومة الدكتاتورية بمساعدة الأجانب».

لكنه أصيب بخيبة أمل عندما وصل إلى بغداد، وبعد ثلاث سنوات ترك العراق. هذا بالإضافة إلى محاولات اغتيال كثيرة، في واحدة منها هجم انتحاري على حرسه وقتل ثلاثة وجرح ستة. وكتب: «حتى اليوم، يزنّ في أذني صوت البنادق الأوتوماتيكية التي أطلقها حراسي على الذين حاولوا اغتيالي».