«ما وراء الحدود».. فلسطينيون يسخرون من واقعهم

«خبز عاجل» وملابس كاشفة لتسهيل عمليات التفتيش

TT

«خبز عاجل» يأتينا من فلسطين، من غزة المحاصرة، من القدس في مواجهة التهويد والاستيطان: صور رقمية وأفلام فيديو لعشرة فنانين فلسطينيين، يرصدون الحياة اليومية في الأراضي المحتلة، تلك التي لا تنقلها نشرات الأخبار، ليس لقصور أو تقصير، بل لأن الإعلام إن أراد التأثير فعليه تجنب التعاطف والانحياز، وتقنين المشاعر. لكننا حيال قضية تتفاقم يوما بعد آخر وعاما بعد آخر كقضية فلسطين، كيف يكون الإعلامي الفلسطيني والعربي حياديا، دون أن يكون منحازا ضد الحق؟! سؤال ربما فرض نفسه على فنانة مثل رولا حلواني التي بدأت مسيرتها المهنية مصورة صحافية، واتجهت نحو فن التصوير، لتكون حرة في إظهار تأثرها بما يجري. فهي كأي مصورة صحافية تلتقط الصور لعمليات مصادرة الأراضي وهدم البيوت وللشبان الفلسطينيين الذين يرمون حجارتهم وقنابلهم الحارقة على الجنود الإسرائيليين والمستوطنين الذين يطلقون النار على الأطفال، تقول «لم يكن هذا سهلا منذ البداية. ولم أستطع إخفاء مشاعري وألا أتأثر عاطفيا. إنني جزء من القصة وليس بمستطاعي أن أعمل صحافية وحسب. كنت أريد تبيان ما الذي يكمن وراء الأخبار، وكيف يواصل الناس نضالهم من أجل حياة عادية. وأن يبدعوا ويحتفوا بثقافتهم رغم كل هذه المعاناة».

في معرض «ما وراء الحدود» الذي أقامته «غاليري رفيا» في دمشق بالتعاون مع «مؤسسة القدس» وبرعاية نائب رئيس الجمهورية السورية الدكتورة نجاح العطار، قدم (تيسير بطنيجي، رنا بشارة، رولا حلواني، رؤوف حاج يحيى، سما الشعيبي، سميرة بدران، شريف واكد، طارق الغصين، عريب طوقان، يزن خليلي) أعمالا فنية تعتمد على تقنية التصوير الرقمي والطباعة مع استخدام خامات أخرى بالإضافة إلى أفلام الفيديو. وحملت تلك الأعمال رؤية جيل جديد من المبدعين الفلسطينيين للقضية الفلسطينية، سواء ممن يعيشون في الداخل (القدس ورام الله) أو في الدول العربية ودول الشتات (الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا).

الرؤية الجديدة، أثقلت الصور الواقعية بحمولة رمزية عبرت عن معاناة يومية. فـ«الخبز العاجل» كانت صورة لأرغفة من سلسلة صور ضوئية بعنوان «غزة إكسبريس» لرؤوف حاج يحيى، يعلق من خلالها على الحصار، و«موضة نقاط التفتيش» فيديو لفكرة لاذعة تسخر من واقع مر. إذ يصمم شريف واكد ملابس خاصة بعبور نقاط التفتيش الإسرائيلية. وهي ملابس أشبه بستائر تكشف البطن والظهر، تهزأ من الانتهاك اليومي الذي يتعرض له الشباب الفلسطيني عند المعابر، حين يرغمون تحت تهديد السلاح على رفع ملابسهم أو حتى خلعها، أو الركوع عراة مجردين من أدنى حقوقهم الإنسانية. أما «الصبار» كرمز لصبر الشعب الفلسطيني تراه رنا بشارة من ترشيحا الجليل، رمزا فريدا يذكرها بنكبة 48، فكان مقطعا ومحفوظا في «قطرميز» في صورة تحمل عنوان «الحنين إلى فلسطين». فالصبار كما تعرّفه الفنانة وسيلة وطنية ورمز فلسطيني مميز، يصف حالة الأقلية الفلسطينية في إسرائيل كمواطنين من الدرجة الثالثة. في حين تطلب سما الشعيبي المولودة في العراق من أم فلسطينية وأب إيراني إذنا بالسرد، فتضع صفحات من جواز سفرها والتأشيرات وآيات قرآنية وصور حديثة التقطتها تذكرها بالشرق الأوسط مع صور عائلية، كانت الشيء الوحيد الذي استطاعت والدتها إخراجه من العراق لدى هروبهم أثناء حرب الخليج الأولى، لتسرد من خلال تلك الإنشائية قصة هوية تشكلت بالارتحال الإلزامي كحالة وسط من عدم المواطنة.

نجحت «صالة رفيا» المولودة الجديدة على الساحة التشكيلية السورية، بتعريف الجمهور السوري على نخبة من الفنانين الفلسطينيين الشباب، وتمكنت من خلق حوار بصري وثقافي وفكري سياسي مع مواهب إبداعية يصح فيها وصف روز عيسى بأنها «تزدهر بين الصخر والوعر»، فتلك الصور لونت تجهم حمولتها الثقيلة من الأسئلة الموجعة، بروح الدعابة، وبصيغ حداثية راقية، تكاملت مع حوار فكري سياسي، حيث ألقى د.عزمي بشارة محاضرة حضرها حشد كبير من الجمهور الدمشقي، تحدث فيها عن تهويد القدس الذي «بدأ بقانون ضمها وإخراجها من دائرة المفاوضات، بعد شهرين من احتلالها عام 1967، وتحويل سكانها إلى رعايا قاطنين، كأجانب على أراضيهم، بحيث يمكن سحب «بطاقة قاطن» في إطار التطهير العرقي، بمجرد الانقطاع عن زيارة القدس لثلاث سنوات. كما تطرق إلى تشكيل «اللجنة الوزارية لشؤون القدس» التي وضعت قرارا بعدم تجاوز العرب المقدسيين نسبة 20% من السكان فيها، وبدأت إجراءات التضييق، لدفعهم إلى مغادرتها وسحب هوياتهم، وفي الوقت نفسه خلق أغلبية يهودية من خلال الاستيطان، وضم مسطحات إلى نفوذ بلدية الاحتلال في القدس».

المعرض والمحاضرة كانتا مساحة فلسطينية نبضت في قلب دمشق، فشعرنا وكأن «القدس» بكامل بهاء قدسيتها قد زارت الشام، وأن فلسطين كانت ومازالت «قضيتنا». وهو ما أكد عليه بشارة بأن العقلية القائلة: «القضية الفلسطينية هي قضية الفلسطينيين هي نفس العقلية الحاكمة في الدول العربية، القائلة أن الفقر هو قضية الفقراء، هذه العقلية لا يمكنها بناء أمة».