حروب ملك المعادن

كان ينظر إليه حتى وقت قريب على أنه مادة لا قيمة لها

حروب اليورانيوم - المؤلف: أمير أكزيل - الناشر: بالغراف ماكميلان، لندن، 2009
TT

تقول الأسطورة إن مدينة أصفهان الإيرانية العظيمة كانت حتى وقت قريب مكان حمام عام بناه حكيم يعود إلى العصور الوسطى يعرف باسم الشيخ بهائي. وقد صمم الحمام بطريقة تجعل من مصدر المياه الخاص به ساخنا بصورة مستمرة مع وجود شمعة سحرية وحيدة.

هل استطاع الشيخ أن يبني شمعة باستخدام اليورانيوم المخصب، وبذلك حصل على طاقة لا نهاية لها من كمية صغيرة من الوقود؟ ربما لا. ولكن، سعي البشر للحصول على طاقة رخيصة بصورة مستمرة يعود إلى بدء البشرية.

والمادة الخام التي يمكنها أن تساعد المرء على تحقيق هذا الحلم هي اليورانيوم الذي كان يُنظر إليه حتى وقت قريب على أنه مادة لا قيمة لها ولا استخدام واضحا لها. ولكن، في الوقت الحالي يوصف اليورانيوم في الأغلب بأنه «ملك المعادن»، وأنه المادة السحرية التي يمكن أن تقدم للبشرية كمية لا نهائية من الطاقة، مع النفاد السريع للوقود الأحفوري.

وفي هذا الكتاب القصير ذي الوتيرة المتسارعة يروي أمير أكزيل، وهو مدرس رياضيات أميركي، قصة اليورانيوم بعاطفة وتمرس. وفي إحدى المراحل يوضح ببساطة المادة التي يمكن أن تصبح سبب صراع شديد على النفوذ وسبب تنافس دولي. وكان عالم الفيزياء الفرنسي هنري باكويل هو من اكتشف قدرة بعض المواد على الإشعاع وتساءل هل من الممكن أن يعجل من الطاقة التي تنتج من هذه العملية؟

وحتى نهاية القرن التاسع عشر، افترض العلم أن القدرة على الإشعاع مستحيلة، بمعنى تحويل عنصر كيميائي إلى عنصر آخر. وأصرت الدراسات العلمية الرسمية على أن هذه الأفكار تعود إلى العصور الوسطى والهوس بالكيمياء القديمة. ولكن في عام 1909، قدم كيميائي بريطاني يدعى فريدريك سودي سلسلة من المحاضرات حول هذا الموضوع في جامعة غلاسكو، أشار خلالها إلى إمكانية حدوث تحول يمكن أن يزيد من الطاقة بنسبة واحد مقابل مليون. وتخيل سودي العالم وقد أدى استخدام اليورانيوم إلى ظهور «جنة عدن» على الأرض.

ونشرت محاضرات سودي في شكل كتاب، جذب انتباه إتش جي ويلز، وهو كاتب خيال علمي بريطاني صاحب الشعبية الأكبر خلال القرن الماضي. وبعد ستة أعوام، نشر ويلز روايته «العالم يتحرر»، التي تخيل خلالها إنتاج واستخدام الأسلحة الذرية في حرب نووية أوروبية.

وعجز خيال ويلز عن إلهام العلماء البريطانيين، ولكنه جذب اهتمام علماء ألمان، بدأوا في البحث عن سلاح سحري يتسبب في دمار شامل عام 1938. وأجبرت الأخبار عن المحاولات الألمانية الفرنسيين على بدء البحث عن السلاح المهم الذي سيستخدم في الحرب المقبلة. وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية في عام 1939، كان العلماء الألمان، ويتزعمهم واضع نظرية «عدم التأكد» الشهير فرنر هيزنبرغ يتقدمون على الآخرين. وكانت النتيجة هي ظهور سباق تسلح حاول البريطانيون والأميركيون ألا يكونوا فيه وراء ألمانيا النازية بدرجة كبيرة.

ويعتبر أكزيل هيزنبرغ واحدا من «الأشرار» على الرغم من أن هذا العالم الفيزيائي النابغة عجز عن الوصول إلى صيغة عملية لصناعة سلاح نووي. ولم يتسن تحقيق ذلك إلى أن عثر على تقرير في 1940 لعالمين ألمانيين، أسرهما البريطانيون، أظهر أنه يمكن صناعة قنبلة نووية باستخدام كمية قليلة من اليورانيوم المخصب. ولأن تشرشل كان يخشى من هجوم الألمان على المراكز البحثية داخل الأراضي البريطانية، وافق على نقل المشروع النووي إلى الولايات المتحدة. واستغرق ذلك من الأميركيين خمسة أعوام أخرى، مع استثمار أكثر من 2 مليار دولار (أي قرابة 30 مليار دولار بأسعار الوقت الحالي) لصناعة القنابل التي أسقطت بعد ذلك على المدينتين اليابانيتين هيروشيما وناغازاكي.

ويرى أكزيل، مستشهدا بعدد من الوثائق السوفياتية والأميركية واليابانية التي تم الكشف عنها أخيرا، أن قرار واشنطن باستخدام القنبلة الذرية ضد اليابان كان يهدف في حقيقة الأمر إلى أن يكون إنذارا لموسكو.

وأضعف جزء في هذا الكتاب الرائع هو ذلك الذي يعالج الوضع الحالي والتوقعات الخاصة بما سوف يحدث في المستقبل، إذ بدا أكزيل غير مقنع بدرجة كبيرة في تقييمه للطموحات النووية للأنظمة المثيرة للجدل مثل كوريا الشمالية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهو يقر بأن بيونغ يانغ وطهران لديهما مشاريع لتخصيب اليورانيوم أكثر مما تحتاجان لبرنامج طاقة عادي. ولكنه غير مقنع في تحليله لأهدافهما العميقة في سعيهما وراء مكانة سياسية ودبلوماسية تحفها مخاطرة كثيرة.

وفي الوقت الحالي، تقدم الطاقة النووية نسبة صغيرة من الطاقة المستخدمة في جميع أنحاء العالم، ولكن تظهر جميع التوقعات أن الطاقة النووية يمكن أن تصبح أكبر مصدر لتوليد الطاقة خلال العقود القليلة المقبلة. وسوف يرفع ذلك من سعر اليورانيوم بدرجة كبيرة، حيث إنها مادة نادرة توجد في أقل من اثنتي عشرة دولة. وفي الواقع، فإن كندا وأستراليا وجنوب أفريقيا والغابون بها أكثر من 60 في المائة من خام اليورانيوم.

وفيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، فلا توجد القدرات العملية والفنية اللازمة لذلك سوى في ثماني دول. وليس من الصعب تخيل أن هذه الدول تشكل اتحادا عالميا للحد من إمداد العالم باليورانيوم المخصب في وقت تسعى فيه البشرية إلى الاعتماد على الطاقة النووية. وتحاول كوريا الشمالية وإيران أن تدفعا الباب وتفرض نفسيهما على هذا النادي المقيد.

وعليه، فإن اليورانيوم مثل المواد الأخرى الثمينة ـ من الذهب إلى النفط ـ ربما يظهر على أنه الجائزة الكبرى في الكثير من الحروب المستقبلية.