حروب «البوكر» الثالثة!

الغيطاني يطالب بإلغائها وعبد المجيد يكتفي بالإصلاح

TT

أي معركة سيدور رحاها بعد يوم الثلاثاء الخامس عشر من الحالي، وإثر الإعلان عن اللائحة القصيرة لـ«جائزة البوكر للرواية العربية» في بيروت. فما أثارته هذه الجائزة حتى الآن وبعد إعلان اللائحة الطويلة للفائزين، أشبه بحرب ضروس استُخدمت فيها أنواع الأسلحة كافة المتوفرة بين أيدي المثقفين. ولم يوفر هؤلاء الشتائم أو الاختلاقات، عدا فضح الأسرار، وتبهير المعلومات أو تشكيل لوبيات. وإضافة إلى المقالات الورقية لعبت الإنترنت دورا محوريا في معركة استنزاف بغيضة. أين أصبحت خصومات البوكر؟ وكيف تدار هذه الجائزة المثيرة للجدل؟

رغم عمرها القصير لم تسلم «جائزة البوكر العربية» من الانتقادات والانسحابات التي كانت تثير الجدل، لكن يبدو أن الدورة الثالثة ستكون الأكثر سخونة، فقد تطايرت آراء تشكك في نزاهة الجائزة وأسلوب اختيار الفائزين، خصوصا بعد التداخل الذي حدث بينها وبين جائزة أخرى هي «بيروت 39»، بسبب وجود الأسماء ذاتها، بين القيمين، على الجائزتين معا. واختلطت الحقائق بالحكايات التي يتم تداولها في جلسات النميمة، بحيث يبدو كل رأي وكأنه يصب في مصلحة مرشح أو مرشحة ما. والمؤسف أن البعض بدأ يتعامل مع القضية على أنها صراع ثقافي بين القاهرة وبيروت متجاهلا أن القائمة الطويلة لـ«البوكر» تضم روائيين من دول أخرى.

بعبارة حاسمة يبدأ الروائي جمال الغيطاني حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «لا بد أن تلغى البوكر». كلمات قد تبدو صادمة، غير أن الغيطاني يواصل موضحا: «إنها جائزة تحمل اسما عالميا لكنها ليست عالمية. الأمر لا يتجاوز كونه شراء لـ(ماركة) عالمية، والصرف عليها جيدا، لكنها في النهاية تظل تحمل بداخلها وهما كبيرا». ويضيف الغيطاني: «في الأساس تمنح البوكر لكتاب إنجليز، وقامت الجائزة الإنجليزية ببيع اسمها، لكن خطورتها الحقيقية أنها تروج لوهم، كما أن لها وجها مخادعا، فمن يحصل عليها يظن أنه بلغ العالمية، مع أنها مجرد جائزة عربية بقناع إنجليزي، وما نحوها هم جمانة حداد وإخواننا المثقفون الذين نعرفهم جميعا». اعتراضات جمال الغيطاني على البوكر العربية تتجاوز الحدود الجغرافية العربية إلى أوروبا، إذ تفسد الناشرين الأجانب حسب تعبيره: «بعد إعلان النتائج يتم الاتفاق مع دار نشر مثل (غاليمار) على طبع الرواية الفائزة بالبوكر، يتم ذلك مقابل دفع تكلفة النشر. لكن الكاتب ينسى أن هناك مقابلا تم دفعه ويعيش وهم أن (غاليمار) اختارته. وهو الأمر الذي يهدد بعواقب سيئة تنعكس على الترجمة من العربية في أوروبا. إذ إن الناشرين سيبدأون في التعامل مع الكتاب العرب على أنهم يدفعون مقابل نشرهم هناك. إنها باختصار عملية إفساد للناشر الغربي».

قبل أسابيع كتب الغيطاني افتتاحية «أخبار الأدب» كعادته، وتحدث فيها عن حالة الجوائز العربية وتطرق إلى البوكر مؤكدا أن نتيجتها محسومة سلفا لصالح علوية صبح، وتساءل عن جدوى افتعال سرية أعضاء لجان التحكيم رغم أن كل شيء يكون مخططا له. ورغم أن كلمات الغيطاني لم تتضمن اعتراضا على علوية صبح فإن هناك من تداول الأمر ـ خصوصا في لبنان ـ على أنه دعم ضمني لأسماء أخرى ضمّتها القائمة الطويلة للبوكر، أو ضربة استباقية للتأثير في مسار الجائزة. كل هذا يحسمه الغيطاني بقوله: «أنا لم أدعم أحدا في مقالي، ولا تنس أن المقال أساسا كان عن زكريا تامر ثم انطلقت للحديث عن الجوائز العربية التي يكون الفائز فيها معروفا قبل إعلان النتيجة بفترة».

في الدورة الأخيرة من البوكر تحديدا تم الربط بينها وبين جائزة «بيروت 39» وتردد كلام عن تداخل بين الجائزتين.

على هذا يجيب الغيطاني: «لا علم لي بذلك». لكن إبراهيم عبد المجيد نشر في أخبار الأدب مقالا تَطرّق فيه إلى ذلك، نقول له، فيعلق الغيطاني ضاحكا: «إذن ارجعوا له هو نفسه قد تكون لديه معلومات أكثر». ويكرر الغيطاني مطالبته بـ«إلغاء جائزة البوكر بوضعها الحالي لأنها ضارة، ولدى الإمارات جوائز أخرى ينبغي الاهتمام بها لأنها يمكن أن تكتسب شهرة عالمية مثل جائزة العويس، وأعتقد أن هذا أفضل من الاكتفاء باستيراد ماركة!». في مقاله الذي أشرنا له عند حوارنا مع الغيطاني تحدث إبراهيم عبد المجيد عن تداخل حدث بين جائزتي «البوكر» و«بيروت 39» حيث قال بعدما تردد احتمال فوز علوية صبح بالجائزة: «علوية صبح كانت في لجنة تحكيم جائزة التسعة وثلاثين وفاز من الفائزين الشاعرة اللبنانية جمانة حداد المنسقة العربية للبوكر كما أن صموئيل شمعون هو أحد المتنفذين في البوكر، وهذا هو ثمن إنقاذ جائزته. نُشر ذلك بمواقع كثيرة ونشرته مجلة لبنانية اسمها (الغاوون)، وأضافت أن اجتماعا سريا ضم أربعة كتاب كان واضحا من سياق الكلام أنهم الدكتور جابر عصفور وصموئيل وجمانة وعلوية، للاتفاق على ذلك». نسأل عبد المجيد عن هذا التداخل فيقول: «لم أخترع هذا الكلام فهو منشور على النت في مواقع كثيرة، في البداية لم أكن أصدقه، لكن السياق الذي نمضي فيه يؤكد أن ما يتردد فيه جانب من الصحة». كانت رواية «في كل أسبوع يوم جمعة» لعبد المجيد إحدى الروايات التي دخلت سباق البوكر لكنها لم تلحق بالقائمة الطويلة، فهل يمكن أن تكون انتقاداته رد فعل لاستبعاده؟ يرد إبراهيم عبد المجيد نافيا: «أنا أدافع عن الجائزة لا عن نفسي، لأنني لم أتقدم لها بل تَقدّم الناشر بروايتي، كما أدافع عن كُتّاب متميزين قامت دور نشر أخرى بالاشتراك بأعمالهم». في مقالته ضرب أمثلة: «استُبعدت أعمال عظيمة أخرى مثل ملحمة السراسوة لأحمد صبري أبو الفتوح وأبناء الجبلاوي لإبراهيم فرغلي وألم خفيف كريشة طائر لعلاء خالد وطبعا روايتي... والذين أشرت إليهم هم مَن قرأتهم وعرفت بوجود أعمالهم في الجائزة فقط، ولا تقل أي رواية منهم عن أعظم رواية في الجائزة وأرجوك لا تقل لي إن هذه هي قراءتي في الأدب وإن القراءات تختلف، فأنا أفهم في الأدب وإلا ما كنت كتبت رواياتي الذائعة والتي لا تحتاج إلى اعتراف من أحد. الروايات التي أشرت إليها، ودعك من روايتي، روايات عالمية بامتياز وكان يمكن اختيار بعضها في البداية ثم استبعادها في القائمة القصيرة فيبدو الأمر طبيعيا، لكن إقصاءها المبكر يثير الدهشة». أنت تتحدث إذن ـ نقول لعبد المجيد ـ عن عملية إقصاء متعمدة للروائيين المصريين؟ يجيب: «ما أقوله أن أعمال هؤلاء المستبعدين متميزة، لكن هناك اعتراضات على حصول مصر عليها في المرتين السابقتين، إنه ليس عيبا في المصريين، لكن لنحلل الموقف: روايات تُستبعد من قائمة سوف يتم تنقيتها من جديد، إذن هناك تعمد».

هل يعني هذا الكلام عدم قدرة الروايتين المصريتين اللتين ضمتهما القائمة الطويلة على المنافسة في حال وصولهما للقائمة القصيرة؟ يرد مؤكدا أنه لا يقصد أن يحكم على قيمة أي عمل بل يتكلم عن استبعاد هذا العدد الكبير من الروايات المصرية ودلالته. في مقاله كان عبد المجيد أكثر صراحة حيث قال: «اختيار روايتين من مصر فقط منذ البداية من بين أكثر من ست روايات عظيمة يعني أن الجائزة صارت توزع إقليميا وبقصد. والروايتان المختارتان لن تنافس أي منهما على الجائزة الرئيسية إلا واحدة هي رواية المنسي قنديل الجميلة (يوم غائم في البر الغربي)، ولن تنالها لأنها صادرة عن دار الشروق التي فازت من قبل مرتين».

عندما بدأت الحملة على البوكر الثالثة فسّر البعض ذلك بأنه دعم للروايات المصرية في السباق، وورد اسم منصورة عز الدين على أنها المرشحة المستهدفة بالدعم انطلاقا من كونها تنتمي إلى «أخبار الأدب» التي يرأس تحريرها الغيطاني، وهو من أوائل من بدأوا الهجوم. وفي الجريدة نفسها يستبعد عبد المجيد احتمالات وصول منصورة إلى مستوى المنافسة. الأمر إذن لا يتعدى كونه مجموعة من التكهنات التي تندرج تحت توصيف النميمة الثقافية. لكن عندما حاورنا عبد المجيد بدا واثقا أن الروايتين المصريتين ستصلان إلى القائمة القصيرة. أي أن وجهات النظر تتغير ما دام الأمر لا يقوم على معلومات، كما لا يقوم أي طرف بالإفصاح عن مصادره ليبدو الفارق واضحا بين السيناريو المؤكد وذلك الذي يعتمد على حكايات الإنترنت.

وبعيدا عن كل هذا يشير عبد المجيد إلى تحفظاته على الجائزة قائلا: «ليس منطقيا أن يكون مديرها صاحب مجلة وموقع وأن يشارك في لجان تحكيمها من سبق لهم أن أنقذوا «بيروت 39» من الانهيار بعد انسحاب ثلاثة من محكميها فجأة. هل يمكن أن يكون ذلك قد تم بلا ثمن، خصوصا أن من بينهم شاعرا لا علاقة له بالرواية؟ المشكلة في نظام التحكيم والكفلاء».

ردود القراء على المقالات المتعلقة بجائزة البوكر على مواقع الإنترنت مثيرة للعجب وبعضها يضم معلومات ووجهات نظر، مطابقة لتلك التي نسمعها في كواليس المثقفين. بل يبدو كتاب التعليقات منخرطين في الحياة الثقافية خصوصا في مصر ولبنان، ويتطرقون إلى قضايا فساد ثقافي وسرقات وعلاقات مصالح تربط أسماء محددة، مما يجعل التعليقات تتجاوز بأشواط ما يُكتب بأسماء مكشوفة، وهو ما يدلل على أن الكتاب أنفسهم على الأرجح هم الذين يكملون مقالاتهم أو نمائمهم بصفتهم قراء. نجد مثلا التعليق التالي: «يحق لنا أن نسأل من يقبض (فلوس) أكثر ووجاهة أكثر؟ الكاتب الذي يربح الجائزة أم المديرة الإدارية للجائزة التي يصل راتبها السنوي إلى 70 ألف دولار فقط لأنها تقوم بإدارة اللعبة! وبالتأكيد، تمسحت بالغرب وبالتعاون مع عراقي أمي وعلاقاته هناك... وليس غيرة على الثقافة بقدر ما هي جلوس في الواجهة، سفر، وإضافة مهمة في ورقة (السي في)». وتعليق آخر مثلا يقول: «نجد أن شخصين يقفان خلف الفضيحتين: البوكر يرأسها ويشرف عليها الأخ صموئيل، كما تديرها الأخت جمانة حداد، وبيروت 39 أيضا يقف خلفها صموئيل وفازت بها الأخت جمانة! إذن الأمر مفضوح، ويبقى السؤال الآن: إلى متى نصمت على هذه المهازل؟». هذا غيض من فيض ردود لا يمكن التصديق بأنها لمجرد قراء حياديين، غير منغمسين في تفاصيل التفاصيل الثقافية. لكن السؤال: لماذا لا يدافع صاحب كل رأي عن قناعاته في النور؟ أم أن التعليقات هي مجرد وسيلة لإعطاء انطباع بوجود رأي عام ثقافي يهتم بالقضية بينما عدد المتحاورين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة لكنهم يتداولون عشرات الأسماء المستعارة؟

ويتردد في أوساط المثقفين أن لجنة التحكيم التي يُفترض أنها سرية تضم بين أعضائها كلا من شيرين أبو النجا والشاعر سيف الرحبي ويرأسها الروائي الكويتي طالب الرفاعي. وهو كلام يتبين مدى صحته في 15 من الشهر الحالي حيث سيتم الإعلان عن أسماء أعضاء اللجنة وأسماء الفائزين باللائحة القصيرة في وقت واحد. بينما يعلن عن الفائز النهائي يوم 2 مارس (آذار) 2010 في أبوظبي.