مثقفون يحذرون من تراجع الدور الثقافي لدمشق

هل سرقت أبوظبي الأضواء من العواصم العربية التقليدية؟

TT

يأتي الكلام على التراجع الثقافي لدمشق، في ظل ورود تقارير عدة في وسائل إعلام عربية ودولية حول تعاظم الدور الثقافي الذي تلعبه إمارة أبوظبي والتي يرى البعض أنها بدأت «تسرق الأضواء» من عواصم الثقافة العربية الأساسية (بيروت، دمشق، بغداد، القاهرة)، فيما يفسر البعض الآخر ذلك بكون أبوظبي تمتلك استراتيجية ثقافية متكاملة، بينما تكتفي العواصم الأخرى بتنظيم مناسبات ثقافية عابرة. وتؤكد الفنانة واحة الراهب أن دمشق كانت ولا تزال مدينة عريقة بالفنون والثقافات لكن هناك تراجع مستمر». وتضيف: «منذ فترة بعيدة لم أرَ محاولة أو توجها لخلق مشروع ثقافي تنويري حقيقي واستراتيجي، لأن المشروعات الثقافية غالبا ما تخضع لمزاجية المؤسسات التابعة لها».

وتقول الراهب: «إلى الآن لم ترسخ الدراما السورية علاقة إنتاجية حقيقية أو قواعد لاستمرار هذه الظاهرة وخروجها من مفهوم (الطفرة)، مشيرة إلى أن الضمان الوحيد هو دخول القطاع الخاص معترك المنافسة بشكل حقيقي، وهذا يؤدي بالضرورة إلى تطوير مستوى الإنتاج والأهم تطوير الجانب الفكري والجمالي الذي تقدمه الدراما». وتؤكد الراهب أن الدراما التي تعتبر أكثر حضورا من بين الفنون السورية الأخرى تُدار برؤوس أموال خارجية، وشركات الإنتاج الفني أغلبها تعمل برأسمال خارجي وهدفها الأساسي هو الربح المادي.

وتضيف: «لا بد من الإشادة بالمهرجانات الثقافية عامة والشعرية والسينمائية بشكل خاص التي تقوم بها إمارتا دبي وأبوظبي، غير أنها لا تكفي إذ لا بد من وجود إنتاج سينمائي وأدبي ودرامي محلي فيها، كي لا يبقى الأمر مجرد استيراد ثقافة من المناطق الأخرى من العالم، كما أننا نلاحظ في المهرجانات السينمائية بخاصة وجود تركيزا كبير على السينما العالمية بدل العربية».

يبدي الأديب ناظم مهنا إعجابه بالجهود التي تقوم بها إمارة أبوظبي على صعيد النشاطات الثقافية ودعم حركة التأليف والترجمة، لكنه يتحفظ على مصطلح «سرقة الأضواء» مشيرا إلى أنه مصطلح إعلامي بحت «والغاية ليست سرقة الأضواء، فالثقافة تحتاج إلى جهد جدي ووضع خطط استراتيجية».

ويقترح مهنا إلغاء تظاهرات عواصم الثقافة العربية بسبب فشل المشروعات التي تقدمها، إضافة إلى أنها تهدر الأموال على مناسبات استعراضية «يجري فيها تهميش الكتاب وقهرهم»، داعيا إلى جعل الثقافة ممارسة يومية على صعيد المثقفين دون تدخل الجهات الرسمية. ويعترض مهنا على وجود بعض المسابقات مثل «أمير الشعراء» و«شاعر المليون» التي تنظمها بعض الفضائيات بهدف تقديم جائزة مالية لعدد من الشعراء، متسائلا: «هل هذا الشاعر الذي يُنتخب من قِبل لجان هذه المسابقة هو شاعر حقا؟» ويضيف: «أعتقد أن وقوف الشاعر أمام هذه اللجان فيه إذلال للشاعر والشعر. لست ضد المهرجانات والأنشطة الثقافية، ولكن الخطير في بعض هذه المناسبات هو سوء الإدارة ومزاجية اللجان التي تسعى أحيانا إلى تهميش الناس وقهرهم ثقافيا».

من جانبه يشير الناقد الفوتوغرافي أنطون مزاوي إلى وجود خطة لتهميش بعض العواصم العربية وبخاصة دمشق وبيروت أو «سحب البساط من تحتها» من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية، مشيرا إلى ضرورة إيجاد صيغة تكاملية بحيث تكون أبوظبي مكملة لبيروت ودمشق وليست بديلا عنهما. ويرى مزاوي أن احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية كانت تفتقر إلى المنهجية من خلال تهميشها لعدد كبير من الرموز الثقافية والفنية في سورية، مبررا ذلك بأن فريق العمل الذي اختارته الاحتفالية لم يكن متجانسا وتم تعيينه على أساس المصالح والعلاقات الشخصية. ويضيف: «اعتدنا أن نكرّم مبدعينا بعد موتهم، ولذلك أنت تتساءل -على سبيل المثال- عن سبب استقطاب هيئة أبوظبي للثقافة والفنون لبعض الكتاب والمبدعين السوريين، في مقابل نسيانهم أو تهميشهم في سورية».

يميز الفنان أيهم ديب بين نوعين من الثقافة: «الثقافة كحالة ممتدة في الزمان والمكان، والثقافة كمنتج نهائي قابل للتسويق»، مشيرا إلى أن سورية تمتلك مخزونا ثقافيا كبيرا بسبب التنوع الديني والطائفي الموجود فيها. ويقول: «جميع الدول قادرة على إنتاج ثقافات، ولكن المسألة في كيفية تسويق منتجاتها الثقافية. أبوظبي مثلا تنتج ثقافة ولكنها لا تكتفي بذلك بل تستقطب عددا كبيرا من الخبرات من جميع أنحاء العالم، كما أنها تستورد عددا من المنتجات الثقافية من دول عدة». ويبرر ديب تراجع الدور الثقافي لدمشق بالحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها منذ عقود، ويرى بالمقابل أن الاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي أديا إلى تعاظم الدور الثقافي لإمارة أبوظبي من خلال استقطابها لعدد كبير من الخبرات الثقافية والفنية من العالم. ويؤكد أن احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008 اكتفت بإقامة بعض التظاهرات الثقافية والفنية دون أن تؤسس لتقاليد راسخة، فبدلا من أن تنفق الأموال في ترجمة عدد من الكتب، لماذا لم تفتتح مؤسسات دائمة يعمل بها عدد كبير من المترجمين وتنتج عددا كبيرا من الكتب المترجمة سنويا».