الثقافة السعودية.. عام طوي وعام واعد يطل فضائيا

مثقفون سعوديون يصفون المشهد الثقافي في 2009 وتطلعاتهم لعام 2010

المشهد الثقافي السعودي شهد خلال 2009 مجموعة فعاليات أهمها معرض الكتاب الدولي في الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن مجموعة من المشتغلين بالشأن الثقافي السعودي اعتبرت أن حزمة الأنشطة المنبرية والمهرجانات والمؤتمرات الأدبية مثلت دليلا على عافية الثقافة السعودية عام 2009، فإن كثيرين يشككون في أنها مثلت إضافة نوعية للعمل الثقافي، ولعل أبرز ما يمكن أن يتمثل هنا هو إطلاق قناة ثقافية تأخذ على عاتقها نقل الجدل المحتدم في الأندية والمراكز الثقافية والمعارض الفنية إلى النقاش العام لبلورة مواقف وتكوين اتجاهات نقدية وتوسيع دائرة المهتمين بالشأن الثقافي.

التحقيق التالي يستطلع آراء مجموعة من المثقفين السعوديين عن تقييمهم لمسيرة الثقافة عام 2009 وتطلعاتهم لعام 2010.

القاضي: 2009.. عام المنجز الثقافي

برأي الأديب السعودي حمد بن عبد الله القاضي، عضو مجلس الشورى وأمين عام مجلس مؤسسة «الشيخ حمد الجاسر الثقافية»، كان عام 2009 عام «المنجز الثقافي سعوديا»، موضحا أن المشهد الثقافي شهد مئات الأنشطة الثقافية المنبرية وعشرات الندوات العلمية، فقد تم عقد مؤتمر الناشرين العرب الأول بالرياض، وتم إصدار كتب تجاوزت المئات من دواوين شعر وروايات وقصص ودراسات في مختلف المجالات، كما احتفى الجمهور الثقافي بعقد المؤتمر الثالث للأدباء السعوديين، وأعقبه تدشين قناة «الثقافية» ثم أخيرا كان «ملتقى الحوار الوطني» حول موضوع بالغ الأهمية حشد لـه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني 72 مثقفا ومثقفة تحاوروا في الأحساء وهو «واقع الخطاب الثقافي السعودي واستشراف آفاقه المستقبلية» فضلا عن المهرجانات الثقافية والأدبية والندوات والملتقيات في جميع أرجاء الوطن السعودي.

وعلى مشارف العام الجديد يتطلع القاضي لقيام دار نشر سعودية كبيرة «تدعمها الحكومة ماديا ومعنويا» لتقوم بطبع وترجمة وتسويق الكتاب السعودي في الخارج.

وقال حمد القاضي: «إن المثقف السعودي أضحى لا يستهلك المنتج الثقافي العربي فقط، بل أصبح يشارك ويضيف إليه أيضا، لكن المعضلة في ضعف وعدم تسويق هذا العطاء الثقافي وبالتالي عدم اطلاع الآخر سواء كان شقيقا أم بعيدا عليه».

كذلك يتطلع القاضي لأن تتجاوز الأندية الأدبية نشاطاتها النمطية وأن تتفاعل مع الجمهور وليس مع النخب فقط، بحيث تتناول وتطرح وتجعل أنشطتها جاذبة لمختلف الأطياف من خلال الموضوعات التي تقدمها سواء عبر إصداراتها المطبوعة، أو أنشطتها المنبرية. وكذلك أن تتحول هذه الأندية إلى «مراكز ثقافية» وأن تنفذ وزارة الثقافة والإعلام السعودية ما وعدت به حول قيام «المراكز الثقافية».

وفيما يخص المرأة، دعا القاضي أن يتحول العام الجديد إلى مناسبة لتقديم المزيد من دعم ونشر منجز المرأة السعودية الذي يعتقد أنه أضحى يماثل ويتفوق أحيانا على عطاء زميلها الرجل رغم أن الظروف برأيه مهيأة للرجل أكثر.

د. الوشمي: موت الثقافة المكتوبة

وبالنسبة للدكتور عبد الله الوشمي نائب رئيس نادي الرياض الأدبي فإن عام 2009 شهد عددا من المؤثرات الثقافية الرئيسية في المشهد السعودي، كان أهمها افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، والحراك الثقافي الذي صاحبها، بالإضافة إلى انعقاد مؤتمر الأدباء السعوديين، وإطلاق عدد من القنوات الفضائية السعودية، والموافقة على إصدار صحيفة جديدة، بالإضافة إلى افتتاح معرض الكتاب الدولي في الرياض.

ويعتقد الوشمي أن تلك الأمور أحدثت حراكا ثقافيا وإعلاميا كبيرا، لم يكن موضعه الوحيد الصحافة فقط وإنما تجاوز ذلك إلى القنوات الفضائية والمجالس الخاصة.

وأشار الوشمي إلى أن حضور الرواية كان لافتا، ولكن ليس بفارق كبير عن غيرها من الأجناس الأدبية الأخرى. ومن بين الأعمال التي أحدث إصدارها صدى ملحوظا كتاب «القبيلة» للناقد الدكتور عبد الله الغذامي، ورواية «شارع العطائف» للروائي السعودي عبد الله بخيت، ورواية «الحمام لا يطير في بريدة» للروائي السعودي يوسف المحيميد.

وبالنسبة للعام الجديد (2010) فإن الوشمي يعتقد أن أبرز ما سيبرز فيه هو التغيير الإداري الذي سيحدث في وزارة الثقافة والإعلام، وما يتوقع أن تحدثه قناة «الثقافية» من حراك، بالإضافة إلى شؤون انتخابات الأندية الأدبية.

ولفت الوشمي النظر إلى أن القنوات الإعلامية والمسموعة والمرئية ستكون الأكثر تواصلا وتأثيرا في المتلقي من الصحافة المكتوبة.

د. منوّر: 2009.. عام الرواية وتراجع الشعر

يرى الدكتور محمد منوّر أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة الملك سعود أن المشهد الثقافي السعودي شهد خلال عام 2009 مجموعة فعاليات تمثلت في معرض الكتاب الدولي بالرياض، ومؤتمر الأدباء السعوديين، وكذلك مشاركة عدد من المثقفين والأدباء في المحافل الثقافية والأدبية في مشاركات خارجية.

كما أن عام 2009 شهد ازدهارا ملحوظا على مستوى الأعمال السردية والقصصية والروائية، مؤكدا أن تلك الأجناس الأدبية كان لها حضور بشكل أكبر من الشعر، أخذا على الساحة الثقافية خلوها من الخطاب النقدي، مشيدا بأعمال الروائي السعودي عبده خال الذي يرى في إصداراته الأخيرة إضافة حقيقية للمكتبة الثقافية والأدبية السعودية.

ويعتقد منوّر أن الإبداع النسائي السعودي في 2009 احتل مكانا مرموقا ونافس الإبداع الذكوري، مشيرا إلى أن بروز مشاركة المرأة بشكل كبير على مستوى الرواية والقصة والشعر وحتى النقد، لا يقل عن شخصية المبدع الذكوري بأي حال من الأحوال.

كما أشار إلى مشاريع ثقافية تم طرحها، منها إعلان الوزارة عن إطلاق قناة «الثقافية» التي يحسبها إضافة حقيقية للمنتج الثقافي السعودي.

ويتطلع المنور لعام 2010 ليأتي بمزيد من الانفتاح الثقافي والفكري والأدبي داخليا وخارجيا، لا سيما الفن المسرحي، مؤكدا أن المسرح هو الفن الأكثر تأثيرا، داعيا وزارة الثقافة والإعلام السعودية للالتفات إلى هذا الفن بشكل أكثر جدية لتفعيله بجانب الفنون الأخرى التي سجلت حضورا متميزا داخل وخارج البلاد، خاصة الإبداع الشعري والنقدي.

الدويحي: عام 2009 مضى باهتا

الروائي السعودي أحمد الدويحي يرى أن المشهد الثقافي السعودي عام 2009 مضى باهتا وعلى غير المأمول، رغم أنه شهد أحداثا ثقافية كان من الممكن توظيفها لإحداث نقلة في الواقع الثقافي السعودي، وحتى مؤتمر الأدباء السعوديين وعلى الرغم من كونه حدثا كبيرا يحمل قضية مهمة، وهي الهوية والانتماء، «فإن هذا المشروع انقلب بقدرة قادر من مؤتمر إلى ملتقى» مما أضعف فعاليته.

وقال الدويحي: «كنا ننتظر على مدى الأربع سنوات الماضية التي مورس فيها تعيين مسؤولين للأندية الأدبية، أن تصل بنا القناعات إلى ضرورة ممارسة الحق الانتخابي الحر، بل تطبيق هذا الحق على أرض الواقع، حتى تأتي الساحة الثقافية والأدبية بأسماء أدبية حقيقية كبيرة، يكون همها خدمة الثقافة والأدب والمشتغلين بهما، غير أن الذي حدث هو تكرار المشهد والإبقاء على الموظفين لا الأدباء لممارسة النمطية عينها».

وبرأي الدويحي فإن هناك عددا قليلا من الأندية الأدبية حاولت الخروج من جلباب النمطية ومارست حقا ثقافيا وأدبيا محمودا، مشيرا إلى قدرة نادي حائل الأدبي على تقديم خدمات كبيرة، حيث استطاع أن يقوم بطباعة مؤلفات عدد من كبار وشباب الأدباء، مؤكدا أن أكبر خدمة لافتة للنظر هي طباعة بعض مؤلفات الأديب محمد العلي والقاص فهد الخليوي، مبينا أن معظم الأندية الأدبية تقوم بنشاطات وتقيم منتديات بغرض تبرير صرف الإعانات التي تتقاضاها من الجهات الرسمية.

وعلى صعيد الإبداعات الفردية، يعتقد الدويحي أن العام المنصرم شهد إنتاجا أدبيا كبيرا كما ونوعا رغم ما عانته تلك الإبداعات من قصور وتعتيم إعلامي. وتحسر الدويحي على عدم قيام كيان حر مستقل كاتحاد كتاب أو تأسيس رابطة أسوة بغيرها من القطاعات الأخرى التي تم تعيين جمعيات لها كما هو الحال في الأطباء والمهندسين والمسرحيين وغيرها حتى يؤوي أصحاب هذه الإبداعات ويحميهم.

وعلى مشارف العام الجديد يرى الدويحي أنه يأتي بكثير من الآمال مؤكدا أن هناك ما يبشر بإحداث نقلة كبيرة، خاصة في الجيل الشاب القادر على بلورة لغته وخطابه وفنه وباعتبار أن الفن والأدب معطى إنساني لا يمكن حصره في عالم أصبح قرية.

ويأمل الدويحي في إحداث نقلة لخلق حراك ثقافي حقيقي، مشيرا إلى ما حدث من حوار ثقافي في الأحساء وسجال مطلوب بين مختلف شرائح المجتمع الثقافي، تنشد بقوة بسط الساحة لإطلاق العنان للحريات وفك الاشتباك بين مختلف التيارات، مشيدا بالحوار الذي شاع بين الليبراليين والسلفيين بالأحساء. واعتبر الدويحي أن هذا النهج يعول عليه في رصف الطريق إلى حوار ثقافي بناء.