ماذا يغني الأميركيون ويردد العالم خلفهم؟

النساء يرغبن في الزواج.. والدعاء طريق إلى النجاح

TT

في ظاهرة قد تبدو للبعض غريبة ونكوصية، عادت الفنانات الأميركيات في أشهر أغنياتهن إلى تشجيع الزواج، وطلبت النجمة الشهيرة بيونسي من النساء عدم تفويت فرصة حب من دون أن يطلبن من الحبيب خاتم الخطوبة ليصلن إلى مبتغاهن. لكن ما قد يبدو أكثر غرابة هو أن تبقى الأغنيات الروحية، ذات النكهة الصوفية مطلوبة هي الأخرى. وهكذا، فإن أغنيات الحب والرغبة في الارتباط الزوجي إلى جانب التضرع إلى الله؛ ثلاثة موضوعات تقليدية للغاية، وربما تكون الأكثر تقليدية على الإطلاق، هي التي شغلت الأغنية الأميركية طوال العام الماضي، وفازت بجوائز «غرامي»، وهي الأشهر في مجالها.

قبل أسبوعين احتفت الولايات المتحدة بمهرجان «غرامي» لأحسن الأغنيات الأميركية خلال السنة الماضية. فازت بالمرتبة الأولى أغنية «سنغل ليديز» (نساء غير متزوجات) التي تغنيها المغنية السوداء بيونسي. وتقول بدايتها: «إلى كل النساء غير المتزوجات: لا تضيعن فرصة. إذا كان أحدهم يحبك، اطلبي منه خاتم خطوبة». وتتحدث الأغنية عن علاقات بين نساء ورجال، وتلوم المرأة التي تضيع فرصة (أي فرصة) لإقناع رجل، وبأي طريقة، ليتزوجها.

وفازت بأحسن ألبوم للسنة الماضية المغنية الشقراء تايلور سويفت عن ألبوم «فيرليس» (لا خوف). وتبدأ الأغنية بالاسم نفسه، بالآتي: «يبدو الشارع رومانسيا بعد أن توقف المطر وعمّ الظلام. وأنت تأخذ يدي لنرقص معا. وأنا لست خائفة». هذه عن ليلة مع صديقها، فيها خليط من طبيعة وحب.

وكتب كريس ريتشارد، وهو محرر فني في صحيفة «واشنطن بوست» التي نشرت صفحة ونصف الصفحة عن الحفل: «بالمقارنة مع بيونسي التي يبدو أنها ندمت لأنها ضيعت فرصة زواج، تبدو تايلور في بداية الطريق، في مرحلة ما قبل الزواج، وربما ما قبل الحب الذي يقود إلى الزواج، لأنها تبدو (خائفة) على الرغم من أنها نفت ذلك».

بالإضافة إلى فوزها، قدمت بيونسي عرضا موسيقيا، تحت اسم «إف آي وير أبوي» (إذا كنت ولدا). وخلاله غنت بيونسي: «لو كنت شابا ليوم واحد، لاستيقظت في الصباح، وذهبت إلى مقهى، وشربت بيرة، وطاردت بناتا، وفزت بواحدة، من دون أن أحس بأي شيء غير عادي. لو كنت شابا ليوم واحد، لعرفت معنى أن أحب بنتا. كنت سأعرف كيف أسعدها، وأستمع إليها، وأرجوها ألا تتركني، وأكون مخلصا، وأعود إليها وهي تنتظرني. لو كنت شابا، كانت قالت لي إن الشبان لا يفكرون مثل البنات».

يبدو واضحا أن بيونسي تريد أن توضح الفرق بين البنات والشباب في مجال الحب، وأن الفرق كبير.

كيف يفكر الشباب؟

تعرضت إلى هذه النقطة سوزان ديمالون، محررة فنية في صحيفة «يو إس توداي». وقالت: «على لسان شاب، كنغز ليون، الذي فاز بجائزة أحسن أغنية روك آند رول، يغني في أغنية (وذ سام وان) (مع آخر): «(طفت يمينا ويسارا. كنت أعرف أنك تنتظرينني. كنت أعرف أنني أريدك لنفسي)».

وقالت الصحافية إن «كلام الشبان» هذا يعني أن الولد يتجول يمينا ويسارا، شرقا وغربا، ثم، إذا أراد، يعود إلى حبيبته التي، في أغلب الأحيان، لا تتجول بعيدا عنه، ولكنها تنتظره.

لكن، لم تكن أغلبية هذه الأغنيات الأميركية عن أحاسيس الشبان، بل كانت عن أحاسيس البنات. ويبدو أن أغلبية أغنيات شبان وشابات أميركا (وربما العالم وراءهم) هي عن الحبيب القديم والحبيب الجديد، وعن اعتذار أو توضيح من هذا أو ذاك.

في الحفل الذي أقيم في «كونفنشون سنتر» (مركز المؤتمرات) في لوس أنجليس، الذي شهد توزيع 110 جوائز في مختلف أنواع الفن الغنائي الأميركي، كان «غراموفون» هو رمز الحفل (من هنا جاء اسم «غرامي»). أذاعت الحفل قناة «سي بي إس»، وفي اليوم التالي قالت إن خمسة وعشرين مليون شخص شاهدوا الحفل. أي بزيادة ثلاثين في المائة عن العام الماضي.

ولاحظ جيمس هيبريد، محرر شؤون الأغنيات في صحيفة «هوليوود ريبورتر» (التي تغطي السينما والمسرح والتلفزيون والغناء وكل فنون هوليوود)، زيادة في عدد المشاهدات على عدد المشاهدين. وكتب: «كان احتفال (غرامي) عن الحب والمرأة». وأشار إلى الجوائز التي نالتها مغنيات، مثل بيونسي، وتايلور سويفت. وأشار أيضا إلى عرض مسرحي قدمته المغنية «بنك» عندما غنت أغنية مثيرة وهي تتعلق بسقف القاعة، وتقدم حركات بهلوانية وأكروباتية مثيرة جنسيا.

وعن أغنيات الحفل، قال: «عمّت آهات الحب المكان. اشتكت واحدة من صديقها، وطمأنت واحدة صديقاتها، وأعلنت واحدة أخرى أنها ملكة الصبر، وأعلنت واحدة غيرهن أنها لم تعد تقدر على الصبر».

وقال إن الأغنية الرئيسية الفائزة «نساء غير متزوجات» عنوانها الجانبي هو «ضع خاتما علي»، وتشير إلى أهمية الزواج بالنسبة للمرأة. وكان كريس ريتشارد، محرر «واشنطن بوست» الفني، علق على ما سماها «فطرة بديهية نحاول نحن أن نفلسفها وننظرها»، هذه إشارة إلى أغنيات الحب والزواج (التي، في كثير من الحالات، تغنيها مغنيات) تعكس رغبة طبيعية في تأسيس عائلة وإنجاب أطفال وتربيتهم.

وقال إن هذه ليست ظاهرة «حضارية» ولا «أميركية»، لكنها في كل مكان وزمان. وأشار إلى أغنية أميركية قديمة تخاطب خاتم الزواج، وتقول له: «أنتظرك لتسعدني، وتبعد همي، وتحقق حلمي». وقال، في تهكم، ربما إن أفضل شيء للنساء اللاتي يردن الزواج هو أن ينتظرن حتى قرب نهاية حفل «غرامي» للاستماع إلى الأغاني الدينية، ويصلين كي تتحقق آمالهن. وهي إشارة إلى الأغاني الدينية التي فازت في نهاية الحفل.

ربما يكون صحافي «واشنطن بوست» على حق. فمع أغنيات الحب كانت هناك أغنيات العبادة، ومع الآهات كانت هناك الصلوات. قد يبدو هذا شيئا غريبا في بلد علماني مثل الولايات المتحدة. لكن، كل سنة في مهرجان «غرامي» ومع أغنيات الحبيب الغائب والزواج المؤجل والفارس الأبيض، تنال أغنيات روحية جوائز كثيرة، وبينها أغنيات «جاز» روحية، وأغنيات ريف، وأغنيات «هيب هوب» روحية.

في قسم أغنيات الأفلام، فازت أغنيتان من فيلم «سْلام دوغ مليونير» أو ما اصطلح على تسميته (المليونير المتشرد) الهندي. والسنة الماضية، نال الفيلم كثيرا من جوائز «أوسكار» (أحسن الأفلام). وقيل، في ذلك الوقت إن الشعب الأميركي يريد أن يعرف أكثر عن شعوب العالم الثالث، ويريد أن يقدر ثقافاتهم ويحترمها.

عندما تسلم تي جي رحمان، بطل الفيلم، جائزة أحسن أغنية في فيلم، حول هو نفسه الموضوع إلى الجانب الروحي، وأثنى على شخص اسمه: أمين بئر الله مالك صاحب، وقال إنه أستاذه الصوفي الذي ساعدت صلواته على نجاح الفيلم، وأغنيات الفيلم. وقال أمام الحاضرين: «كان حلما وصار حقيقة. كنت أنتظر وأنتظر، وها أنا أفوز». ربما يريد أن يقول إن الصلوات يمكن أن تحل كل المشكلات، بما فيها مشكلات الحب والسينما.