المثقفون السعوديون في مواجهة الأندية الأدبية

عبد الله الغذامي يرى أن الأندية الأدبية لا تزال تعيش في جلباب أبيها

جانب من حضور فعالية ثقافية
TT

مرت نحو أربع سنوات منذ أعيد تشكيل الأندية الأدبية السعودية، التي ضمت في مجالس إداراتها، عكس السابق، خليطا من المثقفين الشباب الذين عرف الكثير منهم بانتقادهم لأداء المجالس القديمة. وفي فورة الحماس وعد المثقفون أنهم سيحولون هذه الأندية إلى مراكز ثقافية تستوعب الطاقات الشبابية المتوقدة، وتعمل كرافعة للنشاط الثقافي، قديمه وجديده. ولكن بعد أربع سنوات لا يزال الواقع أقل من الطموح، ولا تزال هذه الأندية، رغم ما أثارته خلال الأعوام السابقة من حراك في المشهد الثقافي، تقف عاجزة عن بلورة مشروع ثقافي أو الإيفاء - حتى - بتطلعات جمهورها المتزايدة. في التحقيق التالي، يستعرض مثقفون سعوديون إخفاقات هذه الأندية، وكذلك ردود مجموعة من إدارات هذه الأندية على الانتقادات:

الغذامي: روتين ممل

يقول الناقد السعودي الدكتور عبد الله الغذامي لـ«الشرق الأوسط» إنه أصيب بخيبة أمل كبيرة، وهو يرى السنين تمرّ «على أندية ولدت بأسنانها، ومع ذلك فما زالت تعيش في جلباب أبيها، ولم تسع للتغيير والتجديد الذي يفرضه عصر السرعة والتكنولوجيا وعولمة الثقافة والفكر والأدب». وعدد الغذامي ثلاثة عوامل خلقت، برأيه، واقعا ثقافيا مترديا في الأندية الأدبية؛ أولها: غياب الحالة الانتخابية لرؤساء وأعضاء الأندية، وثانيها: موت النقد الأدبي، وثالثها: فقدان القائمين على أمر الأندية روح المبادرة والتجديد.

وحدد الغذامي نادي جدة الأدبي، وهو النادي الذي أسهم في صياغة مشروعه الثقافي، فيقول عنه: «نادي جدة الأدبي يمثل لي - للأسف الشديد - خيبة أمل كبيرة جدا، إذ إن المطروح في هذا النادي تحديدا لا يرقى أبدا إلى مستوى ما كان يطرح في فترة الثمانينات أو فترة عبد الفتاح أبو مدين عموما، بل إن النادي يعيش الآن في ظل عبد الفتاح أبو مدين ليس أكثر».

ويضيف الغذامي: «الموجود الآن تحصيل حاصل، فهم ما زالوا يصدرون المجلات بشكل لم يتبعه أي تطور، بل بشكل أضعف بكثير مما كان عليه فنيا وعلميا. والأنشطة تدور في مدارات العناوين التقليدية العادية الموجودة أصلا. سابقا كان نادي جدة رائعا ورائدا وسباقا، وكانت المسافة بينه وبين الأندية الأدبية الأخرى بعيدة جدا، بل كان موضع غيرة وحسد من الأندية الأخرى، وكانوا يظنون أنه يسبب لهم إحراجا وحرجا كبيرين، لأنه كان متجاوزا لكل ظروف وشروط المرحلة. حاليا نادي جدة هو أحد الأندية الأدبية العشرين، وهو لا يختلف عنها بشيء، بل على العكس، إذ أرى بعضها قد تجاوزه. فالمجهود الذي بذله نادي الباحة الأدبي، مثلا، أرقى بكثير من المجهود الذي يبذله نادي جدة». ويرى الغذامي عموما أن ما يجري في الأندية الأدبية لا يخرج عن إطار الروتين الثقافي الممل. وليس تحت عنوان الإبداع والتجاوز الثقافي كما كان عليه الحال في الثمانينات على أقل تقدير.

ويعتقد الغذامي أن هناك شخصيات فاعلة في النوادي الأخرى، إلا إنها قليلة: «في نادي الرياض حتى أكون منصفا أقول هناك شخصيات مثل الدكتور عبد الله الوشمي، في نادي الرياض، تصارع وتجاهد بشكل واضح ولا بد من تسجيل ذلك له، وكذلك هناك في (منبر الحوار) محمد الهويمل، الذي يقود المنبر بعزيمة، غير أن مثلهم مثل الذي يحارب في فضاء ضائع، فالمسألة تحتاج إلى تغييرات جذرية في عقلية النادي والثقافة معا. ومحصلة القول أن هذين الشابين يعملان لأجل بناء ثقافة فعالة غير أنهما يعملان تحت مظلة إدارة بيروقراطية». ويرجع الغذامي إخفاق الأندية الأدبية في تطوير آلياتها إلى وزارة الثقافة والإعلام، الجهة التي تعين أعضاء مجالس إدارات الأندية عوضا عن انتخابهم، ويقول: «منذ أن ألغت وزارة الثقافة والإعلام الانتخابات تحولت الأندية الأدبية إلى مكاتب تابعة لها، وصار أعضاؤها موظفين فيها، وبالتالي فإن العمل الناتج عنهم محصلة عمل روتيني رسمي، أقرب ما يكون إلى البيروقراطية.عدم وجود الانتخابات تأتي في مقدمة أسباب تعطيل عمل الأندية، لأن الأصل أن تجعل من رئيس ومجلس إدارة النادي مسؤولين أمام الجمعية العمومية حتى يضعوا في اعتبارهم شؤون الوسط الثقافي الفعّال وشجونه، أما إذا كانوا معينين فإنهم في هذه الحالة يمثلون الجهة التي عينتهم».

المنقري: الأندية بحاجة لإنعاش

الأديب، والقاص محمد المنقري، يشارك الغذامي هجومه على الأندية، التي تعاني ترديا ثقافيا، كما يرى. ويقول: «الأندية جزء من منظومة طويلة تحتاج إلى انتعاش وإحياء، لذا لا يرى أنه من الواجب عدم تحميلها ما لا تحتمل؛ فقد نشأت الفكرة على أيدي شخصيات كانت تؤمن بالعمل المؤسسي مثل محمد حسن عواد ومحمد السنوسي وحسن عبد الله القرشي وغيرهم من الرواد، ثم انتهت مع الزمن لتصبح خاصة لفئات دون سواها».

أما المسرحي السعودي صالح أبو حنية عضو مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين، فيرى أنه يقع على كاهل الأندية الأدبية الإسهام في عملية نشر الوعي المسرحي في أوساط المجتمع السعودي، وذلك بتوظيف إمكاناتها في إثراء الحركة المسرحية ودعم قيام أعمال مسرحية عصرية.

نادي جدة ثقافي وأدبي

إلى ذلك، دافع أعضاء في مجالس إدارات الأندية الأدبية عن أداء إداراتهم، وخاصة فيما يتعلق بتهم الانكفاء وعدم التجديد والانغلاق ضد الفعاليات الجديدة ومشاركة المرأة.

وفي هذا السياق، قال الدكتور عبد المحسن فراج القحطاني رئيس النادي الأدبي بجدة لـ«الشرق الأوسط» إن نادي جدة مهتم بمختلف الأنشطة الثقافية والأدبية، وقد أتاح للفنون البصرية مجالا، وشكل جماعة خاصة بها تهتم بها كجماعة «حوار»، تنظم ندوات دراسية ومحاضرات علمية عنها،، وشمل ذلك السينما والمسرح، النادي لا يقدم هذه الأعمال للتسلية فقط، بل لإبراز مكامن الجمال والجودة فيها، وكذلك لتسليط الضوء على الثغرات والنواقص. وبالإضافة إلى مجموعة «حوار»، هناك جماعة «الشعر»، وجماعة «السرد»، التي تنشط جنبا إلى جنب مع المحاضرات الفكرية والأدبية. ويقول القحطاني: إن النادي يسعى لتحقيق ثنائية «الأدبي الثقافي»، مشيرا إلى أن ذلك يبرز في دورياته «علامات في النقد» و«نوافذ في الترجمة» و«جذور في التراث» و«الراوي في السرد» و«عبقر في الشعر»، إضافة إلى ملتقى قراءة النص السنوي الذي يخصص كل عام لمحور من محاور الأدب.

الحربي: المرأة لا تعرف ما تريد

من جانبه، يعتقد أحمد الحربي رئيس نادي جازان الأدبي، كما ذكر لـ«الشرق الأوسط»، أن الكثير من الأندية الأدبية تقوم بحراك ثقافي وتقدم نشاطات جيدة، وإن المجالس الإدارية الجديدة قد عملت على كسر الجمود، وتفعيل نشاطات نوعية.

وأعتبر أن أهم ما يميز نادي جازان الأدبي هو الملتقى الشعري الذي يقام في مطلع كل عام هجري. ويرفض الحربي الاتهام بانغلاق الأندية على الأنشطة المنبرية دون أن تفسح المجال للنقد والفنون البصرية والأدائية. وقال: إن الأندية تبذل جهدا في إتاحة التمتع بالنتاج الفني للجميع، سواء أكان سينما أو مسرحا. وقال: إن نادي جازان يفتخر بالعمل المسرحي الضخم، الذي قدمه العام الماضي. وأشار كذلك إلى أن البرامج الفنية كالسينما والمسرح، التي يقدمها النادي إنما هي برامج نوعية،، ويكفي القيام بها مرة في الشهر أو حتى مرتين في السنة، بخلاف الفعاليات الثقافية الأخرى التي تقدم في أروقة الأندية الأدبية السعودية.

وبشأن مشاركة المرأة، يرى الحربي أن الخلل يكمن في ما تريده النساء أنفسهن، وذلك لأنهن بصفة عامة لا يعرفن ماذا يردن.

المليحان: أتحنا للنساء انتخاب ممثلاتهن

أما نادي المنطقة الشرقية الأدبي، الواقع على ضفاف الخليج، فقد طور هذا النادي، حسب مسؤوليه، أداءه منذ إعادة تشكيله قبل أربع سنوات. ويقول جبير المليحان رئيس النادي لـ«الشرق الأوسط»: إن ناديه هو «أول ناد أدبي سعودي يضمن النشاط الفني في الفعاليات الثقافية، وأنه عرض الأفلام السينمائية المنتقاة، وفتح مناقشات علمية حولها لم يسبق لها مثيل، وقد كان هناك إقبال كبير من الشباب السعودي على حضور المناقشات التي تلي عرض الأفلام القصيرة التي أنتجها وأخرجها شباب سعوديون هواة». ونظم النادي كذلك مسابقة «أفلام السعودية الأولى»، مشاركة مع فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام. وهو يعمل الآن على الإعداد للمسابقة الثانية للأفلام القصيرة.

وأوضح المليحان أن نادي الشرقية هو أول ناد ينظم انتخابات بين المثقفات لاختيار عضوات من بينهن في مجلس إدارة النادي، دون أن يفرض أسماء بعينها، وأشار إلى أن النادي أفسح المجال واسعا للمرأة للمشاركة في الفعاليات الثقافية كافة.

ويختتم المليحان بقوله: «نحاول تحديث برنامجنا حسب الظروف، ونغتنم أيام المناسبات العالمية لنقيم أنشطة مخصصة لها، مثل يوم المرأة، ويوم حقوق الإنسان، ويوم الشعر العالمي، الذي نحتفل به كل عام بتخصيص أسبوع كامل لفعالياته».

الصفراني: فاقد الشيء لا يعطيه

لكن الدكتور محمد الصفراني، عضو مجلس إدارة نادي المدينة الأدبي وأستاذ النقد الحديث في جامعة طيبة يعبر لـ«الشرق الأوسط» عن امتعاضه من أداء الأندية الأدبية، ونادي المدينة المنورة من بينها. وسبق للصفراني أن أصدر كتابا بعنوان «نحو مجتمع المعرفة: متطلبات التنمية الثقافية والأمن الفكري في السعودية». ويقول: إنه دعا في هذا الكتاب إلى «استراتيجية ثقافية وطنية كبرى تنقذ المشهد الثقافي السعودي من حالة الارتباك»، وتحقيق جملة متطلبات أبرزها «تحويل الأندية الأدبية إلى مراكز ثقافية تضم فروعا للوزارات والمؤسسات والجمعيات الثقافية المعروفة بمتطلبات التنمية الثقافية، وإحداث وزارة للبحث العلمي، ووزارة مستقلة للثقافة وما يتبعها من إلحاق بعض القطاعات الثقافية بها وانفصال البعض الآخر عنها، وإحداث المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والهيئة السعودية العامة للكتاب، وإحداث اتحاد الكتاب السعوديين، وصندوق التنمية الثقافية على غرار صناديق التنميات العقارية والصناعية والزراعية».

ويعتقد الصفراني أن الأندية الأدبية السعودية لم تقدّم شيئا للفن عموما وخاصة المسرح والسينما فـ«فاقد الشيء لا يعطيه». وهو يتساءل: أين صالات العرض السينمائي والمسرحي في السعودية كلها ناهيك عن الأندية الأدبية؟ إن بعض مقار الأندية الأدبية، كما يقول، لا توجد فيها صالات للأنشطة الثقافية، فتضطر تلك الأندية إلى الاستعانة بمرافق حكومية وخاصة من أجل تنفيذ فعالياتها، كما أن قلة الدعم المالي المقدم للأندية الأدبية إلى جانب سوء التدبير الذي يمارسه بعض مسؤولي الأندية أديا إلى تبديد الجهود والثروات في قضايا لا تمت إلى الثقافة بصلة. من يتحمل مسؤولية ذلك؟ يجيب الصفراني: «أنا شخصيا أحمل الوزارة مسؤولية إلزام الأندية الأدبية بإيجاد محاسبين قانونيين يشرفون على ميزانيات الأندية الأدبية ويرفعون للوزارة تقارير محاسبية قانونية عن كل سنة حتى يعرف الجميع أين صرفت الميزانيات».