الموسيقى تتجول في حدائق دمشق وتحاور المارة

تطوير الذائقة الموسيقية السورية

TT

بات من الطبيعي لزائر الحدائق العامة في دمشق، أن يلاحظ وجود فرق موسيقية جادة تعزف مثل «أوركسترا الجيش السوري» و«أوركسترا الجاز السورية» و«خماسي دمشق النحاسي» وغيرها، اعتاد أن يتابعها في دور الأوبرا والقاعات المغلقة.

هذه الظاهرة التي بدأت تترسخ في دمشق خلال السنوات القليلة الماضية، هي نواة لمشروع جديد يُدعى «موسيقى على الطريق» أطلقته جمعية «صدى» الثقافية بهدف «محاولة الارتقاء بالذائقة الموسيقية للجمهور السوري»، كما يُعبر رئيس الجمعية بشار العظمة. ويشير العظمة إلى أن المشروع يتلخّص بتغيير أماكن تقديم الموسيقى الجادة «فبدل أن نطلب من الناس المجيء إلى دار الأوبرا للاستماع إلى الموسيقى الجدية، عملنا في المقابل على نقل الموسيقى إليهم، عبر تقديمها في أماكن وجودهم كالحدائق العامة وغيرها».

ويضم المشروع 12 فرقة موسيقية سورية تشكل – تقريبا - جميع أطياف الموسيقى الموجودة في سوريا (موسيقى كلاسيكية - موسيقى جاز - تخت شرقي - موسيقى خاصة بالأطفال) تقدم عروضها كل يوم جمعة لمدة ساعة، تتضمن مقطوعات موسيقية، إضافة إلى تقديم معلومات وافية للجمهور عن الآلات الموسيقية وآلية عملها. ويقول العظمة: «هناك ثقافة موسيقية بدأت تظهر عبر المعهد العالي للموسيقى في سورية، والمعهد يخرج نحو 50 طالبا سنويا، وهؤلاء يجب أن يجدوا فرصا لتجسيد الثقافة التي تعلموها. وأنت حتى تسهم في إيجاد فرص لهم، ستسهم بالتوازي في تشكيل فرق موسيقية جديدة، وبالتالي توسيع قاعدة متذوقي الموسيقى».

ويؤكد العظمة أن جمعية «صدى» تسهم أيضا في الاهتمام بتعليم الموسيقى في المدارس السورية، فضلا عن الدورات الموسيقية التي تقدمها ودورها في تسجيل التراث الموسيقي السوري عن طريق إعادة عزف بعض الموسيقيين السوريين له.

مدير المشروع الفنان شربل أصفهان يضيف أن فكرة «موسيقى على الطريق» موجودة في عدد من الدول «وهي محاولة جيدة لدعم الموسيقى الجادة ونقلها من أماكن وجودها في الصالات المغلقة ودار الأوبرا، لتكون في متناول جميع الناس بمختلف شرائحهم الاجتماعية». ويضيف: «بدأت المشروع عام 2008 بالتعاون مع (احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية) وكانت لدينا 3 فرق فقط قدمت 9 عروض في حدائق دمشق، اليوم لدينا 12 فرقة احترافية قدمت 48 عرضا موسيقيا في 4 حدائق بدمشق بالتعاون مع محافظة دمشق، ونتجه الآن إلى توسيع المشروع ليشمل جميع المدن السورية».

ويؤكد أصفهان أن فكرة المشروع أساسا هي «تحويل الموسيقى لطقس اجتماعي ثقافي، أي أن ترى – ببساطة - الموسيقى في أماكن وجودك»، مشيرا إلى أن الجمهور بدأ يتفاعل مع هذه التجارب الجديدة التي «ترينا أن المشكلة ليست في الجمهور بل فيما يُقدم له، نحن نقدم بديلا موسيقيا يحترم ذائقة الجمهور». وحول معايير انتقاء الفرق الموسيقية المشاركة في المشروع يقول أصفهان: «نحن نعتمد الجودة أولا، وسنحاول فيما بعد التنويع، أي تقديم أنماط موسيقية مختلفة تتوزع بين موسيقى الكلاسيك والجاز وموسيقى خاصة بالأطفال والموسيقى العربية الكلاسيكية والمطورة، وأما المعيار الثالث فهو تنوع الفئات العمرية التي تقدم الموسيقى فهناك موسيقيون محترفون وأيضا موسيقيون شباب وهواة وهناك موسيقيون أطفال أيضا».

ويقول أصفهان: إن المشروع يحاول - كخطوة أولى - إيجاد اهتمام بالموسيقى لدى الجمهور، مضيفا: «نحن لا نملك عصى سحرية، بل نحاول - على الأقل - إيجاد طقس موسيقي، وإذا استفاد 20 شخصا من أصل 300 فهذا شيء جيد مبدئيا، فهذا المشروع سيغير شكل الشارع السوري وستصبح المدن السورية أكثر عصرية».

فيما يرى الفنان أثيل حمدان، مدير المعهد العالي للموسيقى في سورية أن «وجود موسيقيين أكاديميين يتوجهون – عادة - للنخبة في أماكن عامة هو أمر جيد، وبمنزلة كسر للجدار بين هؤلاء الموسيقيين والجمهور».

ويقول حمدان وهو عازف تشيللو أيضا: «نحاول خلال الحفلات الحديث مع الجمهور، ونوضح لهم لماذا نحن موجودون، ونقدم لهم فكرة عن أسماء الآلات التي نستخدمها وتاريخها ونوع الموسيقى التي نقدمها، مع فكرة عن الموسيقيين الذين ألفوها». ويرى حمدان أن ثمار المشروع بدأت تأتي أكلها فـ«الناس يسألوننا كيف يعلمون أبناءهم الموسيقى. وهناك إصغاء تام من الجمهور خلال العزف واحترام للموسيقى المقدمة، وهو أمر جيد كبداية».

ويشارك حمدان في المشروع عبر «تجمع وشاح للآلات الوترية» الذي يتضمن عددا من الآلات الوترية (كمان – فيولا - تشيللو)، ويهتم بنشر موسيقى الحجرة بأشكالها كافة. ويقول حمدان: «نحاول من خلال هذا المشروع تقديم موسيقى حية وعلى تماس مباشر مع الجمهور، نريد أن نفاجئ الجمهور بموسيقى راقية، لأنه عادة ما يُفاجأ بموسيقى غير جيدة تقدمها بعض الفضائيات». ويضيف: «أنا أفضّل أن تقدم جميع أنواع الموسيقى في هذا المشروع، ولكن يقدمها أناس محترفون لا هواة. وليست لدينا مشكلة بوجود أنواع موسيقية غربية أخرى كموسيقى الروك أو الراب، ولكن أن تُقدّم بشكل متقن».