محمود درويش ونساؤه في فيلم روائي طويل

بعد ضجة فيلم «جنين.. جنين».. المخرج محمد بكري في مغامرة جديدة

TT

محمود درويش الإنسان والعاشق، هو موضوع الفيلم الروائي الطويل الذي يعده المخرج والممثل الفلسطيني المعروف محمد بكري. فبعد فيلمه «جنين... جنين» الذي أثار زوبعة في إسرائيل وخارجها، ولا يزال، يعكف هذا الفنان المشاكس على إعداد فيلم طويل عن حياة الشاعر الراحل محمود درويش، يلقي الضوء على حياته الشخصية من دون تابوهات، كانت تعتبر في حياة درويش خارج سياق التناول. رفض محمود درويش، ربما لخفر أو خوف على سمعة نسائه اللواتي عرفهن، التعاون لإنجاز هذا الفيلم في حياته، لكن بكري يعتقد أن الوقت قد حان للتصوير، ولتقديم الشاعر الكبير، حيا، نابضا وعاشقا أيضا.

سيقوم الممثل الفلسطيني، محمد بكري، بتقمص شخصية الشاعر الكبير، الراحل، محمود درويش، من خلال فيلم سينمائي جديد بدأ الإعداد له منذ بضعة أسابيع. ويقول بكري، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنه كان يحلم بإنتاج هذا الفيلم وتمثيل شخصية محمود درويش في فيلم ينجز في حياة درويش بحيث يستطيع أن يشاهده وهو على قيد الحياة. إلا أن محمود درويش، الخجول في كل شيء، كان يتملص ويصد الفكرة بلطف زائد، مما منع خروج الفكرة إلى النور، فاضطر إلى تأجيلها إلى ما بعد الرحيل المأساوي للفقيد الكبير. «في كل مرة كنت أطرح الفكرة أمامه كان يصدني بلطف قائلا: يا أخي أنا ما زلت حيا، انتظر حتى أموت، ولم يتعاون معي بالمرة» يقول بكري ويضيف: «أعتقد أنه كان محرجا من الموضوع، خاصة عندما سمع أن الفكرة مبنية على تناول حياته بكل ما فيها من أحداث بما في ذلك ـ على سبيل المثال ـ قصص الحب التي عاشها وعلاقاته مع النساء، واللاتي قسم منهن لا يزال على قيد الحياة. فهو لم يرد المساس بأي منهن، ولم يقنعه أنني أتحدث عن فيلم روائي قد لا أسميه محمود درويش، إنما مستوحى من قصة محمود درويش».

هذه المرة كان محمد بكري «بخيلا» في التصريحات حول تفاصيل الفيلم المنتظر، ربما لأنه لا يريد حرق المفاجأة وهذا حقه. لكننا عرفنا منه أنه بدأ جولاته في الدول والأماكن المختلفة التي عاش فيها درويش. ابتداءً من مسقط رأسه (قرية البروة في الجليل)، عندما اضطر وعائلته إلى الهجرة منها في نكبة عام 1948 واستمرارا في مسار طفولته التي قضى دهرا منها على مرمى حجر من قريته، في دير الأسد أولا، وفيما بعد في قرية الجديدة ومن ثم حيفا وباريس وبيروت ورام الله وعمان وتونس ومصر وأميركا وغيرها. ويحاول بكري من خلال كل محطة، البحث عن درويش الغائب الحاضر، عن موهبة الشعر التي حظي بها، كيف بدأت وسارت وتطورت، من خلال إخوته وأخواته، معارفه وأصدقائه ومحبيه.

«يمكن القول إنني ما زلت في طور البحث عن درويش من خلال عائلته ومن خلال المقربين منه ومن خلال كتاباته وشعره. أنا باتجاه تأليف قصة شاعر. لكن ليس أي شاعر، إنما شاعر عظيم. من البداية وحتى النهاية».

بكري سيتقمص شخصية درويش في مراحل متقدمة، بينما سيؤدي ممثلون شبان آخرون دور درويش في طفولته وشبابه الأول والمتقدم.

أما مشاهد الفيلم فسيتم تصويرها في تلك الأماكن التي تواجد فيها درويش، للعيش أو الزيارة أو للمشاركة في ندوات ثقافية، وربما لإقامة أمسيات شعرية. كذلك سيتطرق الفيلم إلى الجوانب الإنسانية من حياة الشاعر، «فمحمود إنسان في النهاية له مشاعره الإنسانية مثل الآخرين». ويخبرنا بكري أنه سيتطرق في فيلمه إلى الجانب الذي يتعلق بعلاقاته مع النساء، وأنه سوف يلتقيهن لهدف الفيلم: «أهم شيء بالنسبة لي إبراز الناحية الإنسانية في حياة محمود درويش».

«لكن هذا العمل يحتاج إلى جهد كبير قد يحتاج إلى عدة سنوات حتى يتكامل»، يضيف مؤكدا أنه حتى الآن لم يحصل على أي تمويل من أي جهة كانت، ويقول مازحا: «أكدي على هذه الجملة، فربما هناك من يقول: أريد مساعدة هذا الرجل؟».

ومع أن علاقة وطيدة كانت تربط بين الاثنين فإن بكري يقول وبتواضع شديد إنه لا يسمي نفسه صديقا: «قابلته عشرات المرات، في أماكن مختلفة، وفي طرق وحالات وأدوار مختلفة، لكنني لا أستطيع أن أسمي نفسي صديقه مع أنني أحبه جدا».

سألناه: إذن ما تسمي نفسك؟ فأجاب: «أنا من محبي محمود درويش».

سألنا مرة أخرى: لماذا اخترت درويش دون غيره؟ فأجاب: «تربطني به عدة أشياء، نخوته، أحاسيسه الصادقة، عبقريته وصدقه والكاريزما التي تمتع بها، حبه للنساء وحبه للأدب والفكر بشكل عام، ثقافته، التزامه وطريقة تفكيره». ويتابع: «من خلال الفيلم أريد أن يرى الناس موضوعيته وإنسانيته وانفتاحه، البعيد عن الكليشيهات والشعارات. أريد أن أقول إن الأمور التي أحبها في درويش كثيرة وبالأحرى أفتش عنها في ذاتي».

إلى هنا انتهى الحوار مع محمد بكري حول فيلمه عن محمود درويش، الذي لم يختر له اسما حتى الآن. عندما التقيناه كان بكري قد خرج لتوه من معركة رابحة مع المؤسسة الإسرائيلية، التي تشن هجومها الشرس عليه منذ عام 2002، على خلفية فيلمه الشهير «جنين... جنين»، الذي يعكس الواقع المر للمواطنين الفلسطينيين هناك بعد الاجتياح العسكري لمخيم جنين عام 2002 وما تركه جنود الاحتلال من دمار وخراب ومآس في نفوس المواطنين هناك. فبعد أن قامت مجموعة من الجنود بتقديم شكوى قضائية ضده، تم منع عرض الفيلم في دور العرض في إسرائيل. والمحاكمة ما زالت دائرة بينه وبينهم. فقد صدر حكم يرفض طلب الجنود، ولكنهم استأنفوا القرار في محكمة العدل العليا (جلسة البحث في الاستئناف حددت لشهر سبتمبر (أيلول) القادم. وقد حصل تطور جديد في آخر لحظة في القضية لصالح الجنود وضد بكري وفيلمه، حيث أعلن المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، وقبل أسابيع من إنهاء ولايته، أنه سينضم إلى الدعوى في المحكمة كطرف مساند للجنود. وقد بين رجال القانون أن تدخل المستشار هذا ليس قانونيا. فتراجع عن طلبه واضطر للانسحاب والتنازل عن التوصية.

بكري الذي يعتبر المحكمة جزءا من حملة التحريض عليه المتواصلة منذ ثماني سنوات بسبب هذا الفيلم، يقول: «إن حملتهم تأتي من باب كم الأفواه وعدم قبول الآخر». وأعرب عن اعتقاده بأن المستشار السابق ميني مزوز، «إنسان تافه يريد الوصول إلى رئاسة محكمة العدل العليا عن طريق النفاق للجيش والرأي العام اليميني المسيطر في إسرائيل». وتشاء الظروف، تحديدا مع هذه الجملة الأخيرة، الإعلان عن حصول الممثل بكري في برلين وبناء على توصية من مخرجين فلسطينيين وإسرائيليين على جائزة «الدب الفضي لحرية التعبير». إلى جانب تلك الفرحة خرجت وكعادتها عندما يتعلق الأمر بمواطنين عرب أو فلسطينيين، جاءت وزيرة الثقافة والرياضة، ليمور ليفنات المعروفة بمواقفها العنصرية، لتصب جام غضبها على المخرجين اليهود الذين رشحوا بكري للجائزة، وقالت مذهولة: «إن اختياره هو اختيار لشخص أعد فيلما معاديا لإسرائيل». وقد رد عدد من المخرجين الإسرائيليين ممن وقعوا على رسالة تأييد له وممن لم يوقعوا بالمطالبة باستقالتها من الوزارة على هذه التصريحات واعتبروا أنها تأتي ضمن سياسة كم الأفواه «إنها لا تفهم أن حرية التعبير هي في صلب الثقافة. لا تفهم ما هي الثقافة، فلماذا تكون وزيرة ثقافة»، تساءل أحدهم؟