انعطافة نوعية في مزاج القارئ السعودي

معرض الرياض الدولي للكتاب: «تخفف» من الممنوعات.. وإقبال على كتب الفكر والفلسفة والنقد

جانب من المعرض
TT

وفر معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي يختتم غدا، لآلاف السعوديين الذين تزاحموا في أروقته، موسما يضج بالثقافة، سواء في عدد الكتب ونوعيتها، أو في الأمسيات الثقافية المصاحبة، أو تلك التي تجمع المثقفين على هامش المعرض. ولم تكن داخل المعرض «قضية مثيرة» تشغل بالهم مثلما كان يحدث سابقا في مساجلات المثقفين ورجال الحسبة، أو مع رجال الرقابة، أو قضايا فصل الجنسين، لكن المعرض شهد انعطافة نوعية في مزاج القارئ السعودي.

تأكد هذا العام، وهذا ما كان أقل وضوحا العام الماضي، اتجاه القراء السعوديين للكتب الفكرية، وخاصة تلك التي تقدم قراءة تحليلية أو نقدية لقضايا الفكر، والحداثة، والعلمانية، والفكر الديني، والنص الديني، والعقل، والحرية، والفلسفة، وكذلك الحال بالنسبة لكتب المثقفين السعوديين التي تقدم قراءة في التجربة الحركية أو نقدا للاتجاهات الفكرية المعاصرة.

المعرض الذي جمع نحو 650 دار نشر تحت سقف واحد، حشدت نحو ربع مليون عنوان، مثّل فرصة للسعوديين الذين تصنفهم مؤسسات النشر باعتبارهم أكثر الجمهور العربي اقتناء للكتب وإقبالا على الشراء، لمواكبة المستجدات في عالم النشر والتأليف، فالمعرض نقل الكتاب الذي كانوا يسافرون إليه إلى متناول أيديهم.

جمع معرض الرياض كتب المفكر السعودي الخارج عن المألوف عبد الله القصيمي، وإن كانت ذات نوعية محددة ومنتقاة من كتبه، ليس بينها كتاب «الأغلال»، ومجموعة بارزة من مؤلفات عبد الرحمن منيف، إلى جانب كتاب مثل «نقد العقل السلفي.. ابن تيمية نموذجا» لرائد السمهوري، وكتاب عبد العزيز الخضر «السعودية سيرة دولة ومجتمع: قراءة في تجربة ثلث قرن من التحولات الفكرية والسياسية والتنموية» الذي صدر مؤخرا عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر, وقراءات نقدية لمثقفين سعوديين تجاورت مع كتب لجان بول سارتر، ومن بينها «الكينونة والعدم»، و«الليبرالية وحدود العدالة» لجيل دولوز، وهما من إصدارات المنظمة العربية للترجمة، و«الإنجيل الخامس لنيتشه»، و«تأملات ميتافيزيقية» لـديكارت، و«العقل والحرية» لعبد الكريم سروش، و«بواعث الإيمان» لبول تيليتش، و«مطارحات في عقلانية الدين والسلطة» لمصطفى ملكيان ومحمد شبستري، و«الله والإنسان» لأحمد القبانجي.

تزايد الاهتمام في هذه الدورة بكتب الفكر والفلسفة والنقد، ماثله تراجع الإقبال على كتب التراث، وهي السمة التي كانت تطغى على معارض الكتب في السعودية والبلدان العربية عموما، وشهدت دور نشر مثل «المركز الثقافي العربي»، و«الانتشار»، و«بيسان»، و«الجمل»، و«الساقي»، و«رياض الريس»، و«الوراق»، و«الآداب»، وغيرها، ارتفاع الطلب على الكتب الفكرية تحديدا.

وتخفف المعرض من الممنوعات، وربما كان اختيار دور النشر مساهما في تقليل مساحة الممنوع، لكن المعرض وفر، عبر المشاركات المتميزة لدور النشر التي أتيح لها المجال للحضور، مساحة وافية من الكتب الجديدة والنوعية أيضا، فدار «الجمل» التي تزاحم الناس حولها للسؤال عن مؤلفات الروائي السعودي عبده خال، وخاصة روايته الفائزة بجائزة الرواية العربية (البوكر)، «ترمي بشرر»، أحضرت مجموعة من الكتب الفكرية لمؤلفين تميزوا بقراءاتهم النقدية للفكر الإسلامي، من بينهم المفكران الإيرانيان عبد الكريم سروش، ومجتهد شبستري، وكذلك مؤلفات الكويتية الدكتورة فوزية الدريع المتخصصة في العلاقات الحميمية بين المتزوجين، شهدت إقبالا ملحوظا.

وكان مسؤولون في وزارة الثقافة والإعلام قالوا إن إدارة المعرض أتاحت الفرصة لجميع دور النشر للمشاركة من دون ممارسة أي «إقصاء» لأي منها، وقال متحدث في الوزارة إنها «لم ولن تمارس الإقصاء لأي دار نشر داخلية أو خارجية»، في حين طالب عبد الرحمن الهزاع، الناطق الرسمي باسم وزارة الثقافة والإعلام السعودية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» المشاركين بالالتزام بما سماه «المعايير»، مشيرا إلى واحد من هذه المعايير، وهو الالتزام بعرض الإنتاج الجديد لهذه الدور، وعدم الاعتماد على مخزونها من الكتب، وقال إن «أفق الرقابة واسع».

وأتاح المعرض للعائلات السعودية، رجالا ونساء، التجول من دون قيود، كما أتاح للمثقفين الذين يشاركون في الإيوان الثقافي كل مساء الدخول في مناقشات ثقافية وفكرية تدل على مزاج جديد للقارئ السعودي.

أما الروايات السعودية التي كانت عرفت إقبالا واضحا في المعرضين السابقين، فقد جاءت في المرتبة الثانية من حيث الإقبال وحلت روايات عبده خال في المركز الأول، وخاصة رواية «فسوق»، و«مدن تأكل العشب»، و«الموت يمر من هنا»، بالإضافة إلى روايته «ترمي بشرر»، وكذلك رواية «رقص» لمعجب الزهراني، و«سعوديات في الثمامة» لإبراهيم عسيري، إلى جانب «الدنس» لمحمد المزيني، و«بشع عشوائي» لحسنة القرني، ورواية «وحي الآخرة» لأحمد الدويحي، ورواية «الديناصور الأخير» لسحر السديري، و«شام.. يام» لعبد الحفيظ الشمري.

بيد أن زوار المعرض اشتكوا من ارتفاع أسعاره، فأصحاب دور النشر بالغوا في أسعار كتب تم بيعها بأكثر من خمسة أضعاف سعر التكلفة النهائي.

أما بالنسبة للفعاليات الثقافية، فقد جاءت من دون طموح المثقفين، واشتملت على ندوة عن المنتديات الثقافية في المملكة، وإسهاماتها في دعم مسيرة التنمية الثقافية السعودية، وندوة عن الثقافة العلمية ودورها في التنمية الوطنية، وأخرى عن الأطباء الأدباء وتأثير الأدب في حياتهم، وندوة عن الكتاب السعودي بين المؤلف والناشر والقارئ، وندوة عن الكتاب المترجم وقضاياه، بالإضافة إلى أمسية عن الحوار الوطني في السعودية ودوره في تعزيز مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح.

وربما كانت الدعوة لحوار هو الأول من نوعه بين وزير الثقافة والإعلام والمثقفين والمثقفات السعوديين أبرز الفعاليات الثقافية في المعرض.

وبحسب الدكتور عبد الله الجاسر، وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الإعلامية، المشرف العام على معرض الرياض الدولي للكتاب، فإن وزارة الثقافة والإعلام حرصت عبر برنامجها الثقافي لهذا العام أن يكون شاملا، وأن يتضمن لأول مرة حوارين مفتوحين، الأول مع وزير الثقافة والإعلام، والثاني مع مسؤولي مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني.

وفي سابقة جديدة لمعرض الرياض، كرمت إدارة المعرض الفنانين التشكيليين السعوديين بوضع أسمائهم على ممرات المعرض، حيث تم اختيار 28 فنانا وفنانة، من بينهم: عبد الحليم رضوى، وعبد الجبار اليحيا، ومحمد السليم، وسعد العبيد، وعبد الله الشيخ، وصفية بن زقر، وضياء عزيز، ومنيرة موصلي، وبكر شيخون، وعبد الله حماس، وعبد الحميد البقشي، وعلي الصفار، وعلي الرزيزاء، ومحمد الرصيص، وكمال المعلم، ومحمد المنيف، وعبد الرحمن السليمان، وفؤاد مغربل، ونبيلة البسام، وأحمد فلمبان، وبدرية الناصر، ويوسف جاها، وطه صبان، وعبد الله نواوي، ومحمد سيام، وعبد الله المرزوق، وهاشم سلطان، ومحمد الصقعبي.