غزو العراق يشغل جوائز الأوسكار

هوليوود تجرؤ على ما لم تستطعه واشنطن

ملصق فيلم «هيرت لوكر»
TT

مع موسم أوسكار (جوائز أحسن أفلام سينمائية)، برز فيلمان عن غزو واحتلال العراق: الأول: «هيرت لوكر» (قافل الخطر)، عن جهود القوات الأميركية في العراق للتخلص من الألغام التي وضعها عراقيون أمام سياراتهم ودباباتهم ومصفحاتهم.

الثاني: «غرين زون» (المنطقة الخضراء)، عن الأيام الأولى لغزو العراق، انطلاقا من هذه المنطقة في بغداد التي فيها قصور الرئيس العراقي صدام حسين، والتي حولتها القوات الأميركية إلى قيادة عامة لها.

تختلف تعليقات المثقفين الأميركيين على هذين الفيلمين (وعلى أفلام أخرى عن حرب العراق صدرت في سنوات سابقة) حسب الاتجاهات الفكرية لهؤلاء المثقفين.

بينما أشاد مثقفون محافظون بالفيلم الأول (وركزوا على بطولات الجنود الأميركيين)، أشاد مثقفون ليبراليون بالفيلم الثاني (وركزوا على عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق، التي كانت السبب الرئيسي لغزو العراق). لكن، حتى الفيلم الأول فيه نقد واضح لغزو العراق.

يبدأ الفيلم بعبارة تقول: «يتحول الإسراع بدخول حرب إلى إدمان قاتل. وتصير الحرب مثل مخدرات». صاحب هذه العبارة هو كريس هدجز، صحافي أميركي تقدمي (يصفه البعض بأنه «اشتراكي»). خلال السنوات القليلة الماضية كتب 3 كتب عن الحرب:

أولا: كتاب «معنى الحرب»، قال فيه: «تغري الحرب الناس لأنها مثيرة، ولأن فيها أنواعا من الشجاعة والفخر. وتجعل الحرب الناس يصدقون أشياء غير صحيحة، وتجعلهم يستمرون في تأييدها».

ثانيا: كتاب «إمبراطورية الخداع»، قال فيه: «غيرتنا الحرب، وحولتنا من شعب يحب الفكر والعلم إلى شعب يحب الإثارة وتقوده العاطفة».

ثالثا: كتاب «الفاشستيون الأميركيون.. المسيحيون المتطرفون الذين أعلنوا الحرب على أميركا». ويحمل الكتاب هؤلاء مسؤولية تشجيع الحلول العسكرية لمشكلات أميركا مع الدول الأخرى.

لو جاء يوم وأنتجت فيه هوليوود أفلاما اعتمادا على هذه الكتب، تكون هوليوود صارت «تقدمية» أو «اشتراكية»، لكن، لا بأس، حتى فيلم «هيرت لوكر»، الذي فاز في مهرجان أوسكار بجائزة أحسن فيلم، يمكن اعتباره فيلما ليبراليا، (رغم أنه يشيد ببطولة الجنود الأميركيين في العراق، ينتقد كبار المسؤولين في واشنطن).

كريس هيدجز، مؤلف العبارة التي بدأ بها فيلم «هيرت لوكر»، هو صحافي تقدمي. ومارك بوال، مؤلف الكتاب الذي اعتمد عليه الفيلم، صحافي ليبرالي. (حسب القاموس السياسي الأميركي، التقدمي أكثر يسارية من الليبرالي، ويجاور الاشتراكي).

وما دام الحديث عن الليبراليين والتقدميين في هوليوود، هناك الليبرالية كاثرين بيغلو، التي أخرجت فيلم «هيرت لوكر»، وصارت أول امرأة مخرجة تفوز بجائزة أوسكار.

وهناك فيلم «غرين زون» (المنطقة الخضراء)، اعتمادا على كتاب «حياة إمبريالية في مدينة الزمرد» الذي كان كتبه راجيف شاندراسكران، صحافي في «واشنطن بوست». لا يمكن اعتبار هذا الصحافي الأميركي من أصل هندي تقدميا ولا حتى ليبراليا. فعندما صدر الكتاب، انتقده أميركيون ليبراليون، وقالوا إنه «مجرد تسجيل تاريخي»، وليس فيه رأي عن الغزو وعن الاحتلال. في ذلك الوقت كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن من يقرأ هذا الكتاب «يشبه من يستقل سيارة مع شخص غريب يقودها عبر الولايات المتحدة من ساحل إلى ساحل. وحتى بعد نهاية الرحلة لا يعرف الذي يقود السيارة. في الكتاب كل شيء إلا أي شيء عن المؤلف».

وقيل إنه حتى اسم الكتاب يبدو «من دون روح»، فهو ليس مثل عناوين كتب أخرى صدرت في ذلك الوقت، مثل كتاب «فضيحة.. المغامرة العسكرية الأميركية في العراق» الذي كتبه توماس ريك، أو كتاب «نصر مفقود.. الاحتلال الأميركي والجهود الفاشلة» الذي كتبه لاري دايموند.

إذا كان كتاب «المنطقة الخضراء» من دون رأي، فقد صار فيلم «المنطقة الخضراء» كله رأيا. رأي ضد الغزو، وضد الاحتلال، وركز على النقاط الآتية:

أولا: كانت مهمة البطل ماثيو ديمون هي العثور على أسلحة الدمار الشامل. ومع نهاية الفيلم أعلن أنه لم يجدها.

ثانيا: يحوى جزءا كبيرا من مناظر قتال عنيفة، فيها خليط من القوة الأميركية والضحايا العراقيين.

ثالثا: مثلما في الكتاب، يوجد في الفيلم مناظر كثيرة عن اختلافات وسط الأميركيين في «المنطقة الخضراء»: بين العسكريين والمدنيين، بين البيروقراطيين الحكوميين وموظفي الشركات، بين الذين يقاتلون والذين يجلسون حول المسبح العملاق في قصر صدام حسين بعدما حوله الأميركيون إلى قاعدة عسكرية.

وكتبت آن هوراندي، ناقدة الأفلام السينمائية في صحيفة «واشنطن بوست»، وهي ليبرالية: «يحوى الفيلم مناظر قتال عنيف ومدمر. إنها الحقيقة. يصور الفيلم الغضب على الغطرسة الأميركية، وعلى السياسيين الفارغين، وعلى الصحافيين الذين سكتوا على ما كان يجب أن يكتبوا عنه».

هل تقصد آن هوراندي زميلها راجيف شاندراسكران؟ وهل أنه لم ينتقد غزو العراق بسبب خلفيته (والده ووالدته مهاجران من الهند)؟ وهل استطاعت هوليوود (عاصمة السينما) أن تقول الحقيقة أكثر من واشنطن (عاصمة السياسة)؟

ليست الإجابة عن السؤالين الأولين سهلة. لكن الإجابة عن السؤال الثالث واضحة: نعم، تقترب هوليوود من الحقيقة أكثر من واشنطن.