نقاشات حادة بين المثقفات حول حقوق المرأة

بمناسبة مرور 90 عاما على حق الأميركية في التصويت

TT

من الآن وحتى شهر أغسطس المقبل، الذي يحتفل فيه بمرور تسعين سنة على تصويت المرأة الأميركية، لن تهدأ النقاشات، حول ما أنجزته النساء،

وما بقي عليهن إنجازه. المشكلة هي أن البعض يظن أن المرأة بالغت حتى استثارت غيظ الرجل وكراهيته، والبعض الآخر يرى أن الرجال يحتاجون

لمزيد من التدريب على تقبل المساواة من دون حساسيات. فهل المرأة الأميركية بحاجة إلى مزيد من الحرية؟ بالتأكيد نعم، تقول الكثيرات،

وهنا تحقيق يلقي الضوء على الطروحات التي تقدمها المثقفات الأميركيات بهذه المناسبة.

* يوم 18 أغسطس (آب) 1920، أجاز الكونغرس الأميركي التعديل التاسع عشر في الدستور، الذي منح المرأة حق التصويت والترشح. هذا هو نص التعديل: «لا تنكر، أو تخرق، حكومة الولايات المتحدة، وحكومة أي ولاية، حق مواطني الولايات المتحدة في التصويت بسبب الجنس (ذكر أو أنثى)».

ومع بداية السنة الحالية، بدأت احتفالات مرور تسعين سنة على هذا الحدث التاريخي. فبدأ صدور كتب، وحلقات نقاش، وتقديم برامج تلفزيونية، واستعدادات لاحتفالات رسمية يوم 18 أغسطس.

جزء كبير من النقاش والاهتمام يأتي من جانب النساء المثقفات اللواتي ينقسمن إلى معتدلات ومتطرفات، ويمينيات ويساريات. وبينما ترى مثقفات أن المرأة الأميركية لا تزال تُضطهَد من جانب الرجل، ترفع مثقفات أخريات شعار عودة المرأة إلى البيت، وتقول غيرهن إن الطبيعة تنحاز إلى جانب المرأة، وأن الرجل هو «درجة ثانية».

من المتطرفات، ويسمون أيضا «فيمينيستز» (أنثويات)، جيسيكا فالنتي، أستاذة بجامعة نيويورك. ومؤخرا كتبت كتاب «بيوريتي ميث» (خرافة النقاء). واسم الكتاب الفرعي: «كيف يؤثر تمسك المرأة الأميركية بالعذرية في البنات صغيرات السن؟». ويبدو واضحا من اسم الكتاب أنه يدعو إلى مزيد من التحرر للمرأة (والبنت) الأميركية. ولهذا، تواجه المؤلفة حملة انتقاد قوية من مثقفات أميركيات يرين أنها متطرفة، وتدعو إلى ما سمته واحدة من هؤلاء «تحطيم المؤسسة العائلية الأميركية».

في الشهر الماضي، في ندوة في مركز تحرير المرأة بواشنطن العاصمة، شنت جيسيكا فالنتي هجوما عنيفا على الرجل الأميركي. وقالت إنه، بصورة عامة، لا يؤيد مخلصا تطور حرية المرأة الأميركية، بقدر ما يجد نفسه مضطرا إلى أن يفعل ذلك، بسبب ما سمته «الحتمية التاريخية الأنثوية» (إشارة غير مباشرة إلى نظرية شيوعية عن الحتمية التاريخية لسقوط النظام الرأسمالي).

وقالت في الندوة: «نشاهد في التلفزيون صورا مؤسفة عن اغتصاب النساء في دارفور، وعن الختان في مصر، وعن تجارة الجنس في دول شرق أوروبا. نحزن، ونفتح دفتر الشيكات، أو نفتح الإنترنت، ونرسل تبرعات إلى هذه المنظمة، أو تلك. لكن، ماذا عن وضع المرأة في الولايات المتحدة؟ ماذا عن اضطهادنا، بعد مرور تسعين سنة على تعديل الدستور الأميركي». وأضافت: «نعم، الأميركيات أحسن حالا من الدارفوريات، والمصريات، والبلغاريات والرومانيات. لكن، هل، لأننا أحسن نسبيا، نصمت؟ ألا يجب أن نسير نحو الوضع الأمثل، بدلا عن الوضع الأحسن؟».

* مثقفات متطرفات... ولكن

* يعتقد مراقبون وصحافيون في واشنطن أن جيسيكا فالنتي ربما تبالغ، وأن قولها إن المرأة الأميركية لا تزال «مواطنة درجة ثانية» لا يتفق مع الحقيقة. لكن، تحدث في أميركا أحداث توضح عدم المساواة بين الجنسين. ليس في الدستور (بعد تعديل سنة 1920)، وليس في القوانين الحكومية (بعد قوانين الحقوق المدنية سنة 1968)، ما يناقض هذه المساواة. لكن، يوجد عدم مساواة في الخفاء، ويظهر على السطح من وقت لآخر. مثلا:

سنة 2004، دخل رجل مدرسة ثانوية، واحتجز ست طالبات، واغتصبهن، وقتل واحدة منهن. وقبل أن تقتله الشرطة، تحدث في ميكرفون المدرسة عن كراهيته المرأة التي «تطورت وصارت تتعالى على الرجال».

في سنة 2005، أعلن قسم الإحصاء في واشنطن عن أنه، من جملة ثلاثة آلاف قتيلة في أميركا خلال السنة السابقة، قتل زوج أو صديق أو عشيق ألف قتيلة. وأن زوجا أو صديقا أو عشيقا قتل نصف النساء الحوامل اللواتي قضين في تلك السنة.

سنة 2006، دخل رجل مدرسة تابعة لطائفة «إيميش» (ولاية بنسلفانيا). وأخرج الأولاد، واحتجز البنات، وقتل خمسا منهن. وقال الرجل إنه غاضب من زوجته، لأنها تسيئ معاملته، وتتعالى عليه، ويريد الانتقام من كل النساء.

في سنة 2007، دخل رجل قاعة رياضية نسائية في بتسبيرغ (ولاية بنسلفانيا)، وأطلق النار على نساء كن يمارسن رياضة «جمباز»، وقتل ثلاثا وجرح تسعا. وعثرت الشرطة على أشياء كتبها في موقعه على الإنترنت، منها أنه فشل في العثور على صديقة، لأن «كل البنات» تعالين عليه، واحتقرنه.

في سنة 2008، نشرت وزارة العدل تقريرا، قالت فيه إن رجالا ارتكبوا ربع مليون هجوم جنسي على النساء خلال السنة الماضية، وإن الرقم كان ضعف ذلك قبل عشر سنوات. وأشادت الوزارة بانخفاض هجمات الرجال على الأميركيات.

انتقدت جيسيكا فالنتي تقرير وزارة العدل، وقالت إن الرقم الحقيقي أكثر من ذلك، لأن النساء، كما قالت، «يخشين الفضيحة، ويفضلن السكوت حتى لا يسمع بهن الناس». وأشارت إلى أن سؤال الخبراء الذين كتبوا تقرير وزارة العدل كان: «هل اغتصبكِ رجل أو حاول أن يغتصبكِ؟». واعتبرت أن السؤال كان يجب أن يكون: «هل أجبركِ، أو حاول أن يجبركِ، رجل على ممارسة الجنس معه». وقالت إن هناك اختلافات كبيرة بين مفهوم الرجل والمرأة لكلمات مثل «جنس» و«اغتصاب» و«مضايقة» و«أذى». وقالت: «كيف يحكم علينا (الرجال)، ونحن لا نفكر مثلهم؟».

* الأنوثة كالبشرة السوداء

* وتلقفت القفاز كريستينا سومرز، رئيسة مركز «إنديبنتدانت وومين» (نساء مستقلات). وهو مركز يجمع مثقفات محافظات يتحدثن كثيرا عن العادات والتقاليد الأميركية القديمة. استعلمت كريستينا سومرز منطق جيسيكا فالنتي نفسه، لكنها وصلت إلى رأي مناقض.

قالت كريستينا سومرز: «المرأة التي تعتقد أنها درجة ثانية بالنسبة إلى الرجل لا يمكن أن تتفق مع الرجل. نعم، توجد اختلافات بين الرجل والمرأة حول معاني كثير من الكلمات والتصرفات. لكن، يجب أن يكون هذا الاختلاف دافعا إلى التقارب، وليست التباعد، بين الجانبين».

هؤلاء النساء، على الرغم من أنهن «محافظات»، يردن من النساء والرجال التعاون، لا التعارك. ويعارضن ما يحدث كثيرا الآن في أميركا (وغير أميركا)، حيث يقتصر الحديث عن موضوعات النساء على النساء. ويقلن: «كل موضوع هو موضوع إنساني، حتى السياسة الخارجية والحرب. لماذا نترك الرجال يتحدثون عن السياسة الخارجية والحرب، لنتحدث نحن عن مشكلاتنا فقط، ولا شيء غير مشكلاتنا؟».

حسب تقرير نشرته مجلة «بوبيولار كالشر» (ثقافة شعبية)، تشبه هذه النظرة المحافظة للعلاقة بين النساء والرجال النظرة المحافظة للعلاقة بين البيض والسود.

يقول التقرير إن الرجال البيض المحافظين يعارضون احتكار السود لموضوعات السود. ويرون في ذلك «أوبوزيت ديسكريمينيشن» (تفرقة مضادة). ويقولون إن السود، إذا كانوا حقيقة يحسون بالمساواة مع البيض، فيجب أن يسمحوا لهم بالاشتراك معهم في حل مشكلاتهم (جريمة، فقر، أطفال من دون زواج، إلخ…)، لكن يبدو أن «عقدة النقص» عن السود (كما يقول هؤلاء) تجعلهم يرون في مشكلاتهم «عيبا». ويقولون إن «الأجانب» يجب ألا يعرفوا عنها، ناهيك عن أن يتحدثوا عنها، وناهيك عن أن يشتركوا معهم في البحث عن حلول لها.

بين جيسيكا فالنتي وكريستينا سومرز، تقف سوزان دوغلاس، أستاذة الاتصالات بجامعة ميشيغان (ولاية ميشيغان)، ومؤلفة كتاب: «إنلايتند سيكسيزم» (تفرقة مستنيرة). تقول إن التفرقة بين النساء والرجال موجودة، لكنها لا تستحق كل هذه الإثارة من جانب الإعلام، ولا تستحق كل هذا الغضب من جانب الأنثويات (النسويات المتطرفات).

أشارت سوزان دوغلاس إلى صعود نجم هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية. وقالت إنها كان يمكن أن تكون رئيسة للجمهورية (وربما ستكون بعد نهاية فترة الرئيس أوباما). وأشارت إلى لندسي فون، الشقراء التي أثارت الإعجاب في منافسات الألعاب الأولمبية في فانكوفر (كندا) في الشهر الماضي. وقالت سوزان دوغلاس إن هيلاري كلينتون ولندسي فون «برهنتا» على «ما يمكن أن تسمى مساواة» بين الجنسين، لكنها أضافت أن هذا لا ينفي وجود ما سمته «تفرقة طبيعية»، إشارة إلى «اختلافات طبيعية» بين النساء والرجال (قبل اختلافات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية).

وكررت المقارنة بين العلاقة بين الأميركي والأميركية في جانب، وبين الأبيض والأسود في جانب آخر. وقالت إن البيض والسود متساوون. لكن هذا، لا يمنع وجود اختلافات في اللون والثقافة والخلفية التاريخية والمستوى الاقتصادي والتعليمي والمكانة الاجتماعية. وركزت سوزان دوغلاس على الآتي، على لسان المرأة الأميركية المثقفة:

أولا: تريد أن تصدق أنها متساوية مع الرجل، على الرغم من أنها تعرف أنها ربما ليست كذلك.

ثانيا: تعرف أنها أحسن حالا من نساء في دول غربية، ناهيك عن العالم الثالث.

ثالثا: تعرف أن الطبيعة خلقتها مختلفة عن الرجل، ولا تريد أن تنكر ذلك.

لكن، لم تطلب سوزان دوغلاس من الأميركيات إلا يشتكين ويحتججن بسبب هذه العوامل. وقالت: «لا ينفي عدم وجود ظلم وجود ظلم».

* الرجل مواطن «درجة ثانية»

* وانضمت إلى النقاش غيل كولنز، صحافية في «نيويورك تايمز»، ومؤلفة كتابين: «نساء أميركيات: أربعمائة سنة من لعبة العروس إلى البطولة» و«رحلة مدهشة: خمسون سنة من تاريخ الأميركية».

وقالت: «عندما كنت في المدرسة المتوسطة، يدق الجرس، ويهرع الأولاد إلى الشارع، وينتظر البنات حتى يخرج الأولاد. وعندما نعقد مناظرة بين أولاد وبنات عن حرية المرأة، يتندر علينا الأولاد. وعندما نرد عليهم، تسارع المدرِّسة وتقول لنا إننا يجب أن نحترمهم، كأنها تقول لنا: حتى لا يغضبوا منكن، ولا يتزوجوكن». وأضافت أن الحال تغير كثيرا الآن. والرجل هو الذي صار «مواطنا درجة ثانية»:

اولا: لأن المرأة تتفوق عليه طبيعيا. وتساءلت: «هل يقدر رجل على أن يحمل ويلد ويرضع ويربي؟».

ثانيا: لأن المرأة عاطفية أكثر من الرجل، تقدر على أن تكون أخلاقية أكثر منه، وتهتم برفع الظلم وتحقيق المساواة أكثر منه.

ثالثا: خلال العشرين سنة الماضية، زاد عدد الطالبات على عدد الطلبة في الجامعات الأميركية، «مما يعنى أننا نافسنا الرجل في مجالات كان يحتكرها». يستمر الجدل عن المساواة بين المرأة والرجل، ويتوقع أن يزيد مع اقتراب يوم 18 أغسطس، ذكرى التعديل في الدستور الأميركي، الذي أعطى الأميركية حق التصويت. يبدو أن الأميركيين والأميركيات يتفقون على شيء واحد، وهو: أنهم يتمتعون بحرية ربما لا يتمتع بها شعب غيرهم.

وعن هذا قالت كريستينا سومرز، رئيسة «النساء المستقلات (المحافظات)»: «نتفوق على البريطانية والفرنسية والألمانية بأننا نتمتع بحرية لا حدود لها، وفي الوقت نفسه، نحافظ على قيم أخلاقية هي جزء من تراثنا كأمة من المهاجرين». وقالت إنها تقصد الخلطة الاجتماعية للألوان والأديان والأوطان، التي قالت إنها لا توجد في أي بلد آخر.