عبده خال لـ «الشرق الأوسط» : قبل «ترمي بشرر» لم يكتب أحد الحكاية الحجازية

قال إن الفن بطبيعته هو ابن ذائقة والذائقة هي التي تتحكم في جودة المنتج الإبداعي أو رداءته

الروائي السعودي عبده خال
TT

بعيدا عن أروقة المحاكم والقضاء.. يشير خال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه يؤمن إيمانا قاطعا بحرية الكاتب في البحث عن وسائل تعبيرية تمكنه من سرد ما يعيشه داخل مجتمعه من هموم وقضايا بحلوها ومرها.. بعيدا عن تكتيم الأفواه

وأشار خال إلى أن تعدد الأنواع البشرية المتباينة الموجودة في الحجاز وتداخلها وانصهارها في بوتقة واحدة في المكان نفسه ولد حياة أو ثقافة جديدة تم إفرازها في منتج مزيج متعدد متنوع «جعلنا نطلق عليه تعبير (الثقافة الحجازية)».. معتقدا أن ذلك ربما كان سر تميز روايته الفائزة بالبوكر العربية «ترمي بشرر» التي يعتقد أنها لم تقم فقط على الحكاية.. وإنما هناك ثمة تداخلات وتقاطعات كثيرة فيها أعطتها حضورا وزخما أدبيا كبيرا.. لاشتمالها على أمور كثيرة ربما ترفع سقفا وأفقا تخيليين للمتلقي والمثقف أيضا

ويقول صاحب «ترمي بشرر» إن منطقة الحجاز التي نشأ فيها، وما تكتنز من مخزون بيئي بجانب ما تزخر به من غنى في التراث والثقافة ضارب الجذور في عمق التاريخ، شكلت مخزونه الثقافي والتراثي والحكائي، مشيرا إلى أنها ثرية جدا بالحكايات والأفكار والأعراق واللهجات واللغات، ذلك لأنها تستقبل يوميا مئات اللغات والأعراق، مبينا أن هذه المحصلة الكبيرة تتوغل داخل المكان وتنصهر فيه، لتشكل بعد ذلك الوعاء الذي يطلق عليه الحجاز.

ومن هنا، والحديث لعبده خال، فإن الحكايات والمعتقدات والأفكار والرؤى تصبح مكونا متعدد الشخصيات الثرية، التي تستطيع من خلالها أن تكتب الكثير من الروايات. يقول عن ذلك: «أعتقد مع ذلك أن المخزون التراثي والثقافي الحجازي لم يكتب روائيا حتى الآن بالشكل الذي يتلاءم مع هذا الوجود البشري المتعدد والمتنوع، وربما يصيبني شيء من الظن أنني تحدثت عن هذا المزيج الثري والمجموعات الكثيرة المتباينة في روايتي (ترمي بشرر)، وأزعم أنني أشرت إلى ذلك من خلال تعدد جميع الأنواع البشرية المتباينة الموجودة في الحجاز، التي هي - في نفس الوقت - متداخلة ومنصهرة في بوتقة واحدة في المكان نفسه، مما يولد حياة أو ثقافة جديدة، تم إفرازها في منتج مزيج متعدد متنوع، جعلنا نطلق عليه (الثقافة الحجازية)».

وعن رأيه، فيما إذا كان يعتقد أن الإيغال في المحلية الحجازية سيكون منفذه إلى العالمية ابتداء من عبوره جسر «بوكر العربية»، يقول: «فن الكتابة ليس بحثا عن العالمية، ومتى ما بحث الكاتب عن الجوائز أو العالمية، حينها يتحول إلى كاتب بمواصفات معينة، خالية من الصدقية، تكون نتيجته إبداعا مزيفا ويصاب حينها بخسران مبين، ذلك لأن الصدق في اعتقادي هو الإنزيم الأول في شريان الإبداع الحقيقي. أنا أرى أن تكون صادقا مع واقعك ومع شخوصك هو أهم بكثير من أن تنتقل بالمحلية إلى العالمية، هذا من جانب، ومن جانب آخر، إنني أتصور حينما أكتب، فإنني أكتب بصدق، وأكتب عن أناس استطعت أن أتمثلهم فأصبحوا جزءا مني وأصبحت جزءا منهم».

ويعتقد خال أن مثل هذا التطابق مهم جدا في حياة الإنسان المبدع وعلاقته مع الآخرين، موضحا أنه ليس أدل على ذلك من أنك حينما تقرأ لأي روائي سواء كان في الصين أو البرازيل أو في أي بقعة من العالم، تتحسس وتتفاعل مع هذه الإبداعات أو تلك، مع أنك ابن الجزيرة العربية أو الصحراء الغربية أو رأس الرجاء الصالح.

ويضيف: «إن الصدق الفني يمكن من مد جسور التواصل بين الإنسان والإنسان الآخر، وهذا لا يحققه الإبداع المزيف الذي يبتغى منه حصد الجوائز أو التسلق إلى سلم العالمية. إن الكتابة في حد ذاتها هي العالمية نفسها متى ما توشحت بالصدقية، لذلك لا تشكل لي مسألة العالمية هاجسا.

* الرواية السعودية

* وعن رأيه فيما يتعلق بدخول ثلاثة أعمال إبداعية سعودية في القائمة الطويلة للجائزة، قال خال: «أعتقد أن ذلك يعني أن ما يكتب وينتج من إبداعات في هذا الإطار الجغرافي السعودي، استطاع أن يلفت إليه الأنظار والكتاب والنقاد، وهذا ما مكنه من دخول حلبة المنافسة بقوة في وجه المنتج الإبداعي في كل من مصر وبيروت والسودان والعراق وسورية وغيرها من البلاد العربية. ويعطينا هذا انطباعا قويا بأن الأدب العربي في السعودية شب عن الطوق وأصبح قادرا على الحضور في رقعة جغرافية كبيرة من العالم العربي، وبدأ يقدم إبداعا يدخل في المنافسة من الناحية الفنية، وبالتالي يمكن استهلاكه في أي بقعة من العالم».

وعن تقييمه للمشهد الثقافي والإبداعي السعودي، يقول: «إن ما ينتج من إبداعات في الشارع الثقافي السعودي يظل تحت المجهر، وهناك من يتابع وهناك من يستطيع أن يقول كلمته، غير أن هذه الكلمة ليست الكلمة الفصل، ذلك لأن الفن بطبيعته هو ابن ذائقة، والذائقة هي التي تتحكم في جودة المنتج الإبداعي أو رداءته».

وعما بات يسمى بـ«التدفق الروائي» في السعودية، يقول: «إنه أمر طبيعي، وإلا فلماذا لا يقال أن هناك تدفقا روائيا في مصر أو لبنان أو السودان مثلا؟ أعتقد أن السعودية مثلها مثل غيرها من الأقطار العربية، إذ إن عدد المبدعين في ازدياد مع توفر بعض إمكانيات الطباعة حاليا، وقد يكون وراء ذلك انتشار التعليم والتقنية وشعور الأفراد بقدرات إمكانية التعبير عما يجيش بخواطرهم».

ويرفض خال تسمية هذا التدفق الروائي في السعودية بالطفرة الروائية، «لأن كلمة طفرة روائية في السعودية ربما تعني أن السعودية ظلت لفترة طويلة لا تنتج رواية، كما تنتجها بقية الأقطار العربية، ولو نظرنا بصورة محايدة، نجد أن هذه الطفرة شملت مصر ولبنان وغيرها من البلاد العربية».

* التحول للدراما

* وفيما إذا كان عبده خال يتطلع إلى تحويل أعماله إلى أعمال درامية ومسلسلات، قال: «إن مهمة الكاتب تقتصر على الكتابة فقط، أما ما بعد الكتابة فتتحول مثل هذه المسؤولية إلى جهات أخرى. إن تحويل أعمالي إلى أعمال درامية ليست مسؤوليتي أو رغبتي، وإنما الجهات المنوط بها صناعة الدراما هي التي يمكنها تحويل أعمالي إلى دراما، وهذه الجهات لا تقبل على ذلك إلا إذا تولدت لديها رغبة جامحة في الإقدام على ذلك. إن تحويل الكتابة الإبداعية إلى دراما لا بد له من توافر المنتج الذي يستطيع أن يصرف على ذلك، مع أهمية توافر الممثلين وكاتب السيناريو المحترف، إذ إن كتابة السيناريو في حد ذاتها فن راق يبث الروح في شخوص الإبداع الروائي.

عموما تصبح مثل هذه الصناعة في دولة مثل مصر من السهولة بمكان، وذلك لتوافر عناصر الإمكانيات الجبارة التي تنتج هذا الفن بشكل مهني وليست قائمة على المزاجية كنوع من الرفاهية، وهذا بخلاف ما عليه الحال في السعودية، التي تحتاج فيها مثل هذه الصناعة إلى السماح وعدم الممانعة لصناعة السينما أصلا، حتى تكون حاضرة وليست حراما ورجسا من عمل الشيطان. وفوق كل هذا وذاك لا بد أن يتولد لصناع الدراما في الفضائيات إيمان بأن هذه الأعمال كثيرة المفاهيم وتعبر عن شتى التيارات، وتقدم نبض الناس ونبض الحياة في هذا البلد».

ومع تشديده على أهمية دور الترجمة في التواصل الثقافي، يرى خال أن «من العيب أن يسعى الكاتب إلى ترجمة أعماله بالمفهوم التجاري، بمعنى أنه عندما يكتب رواية متواضعة يسعى إلى ترجمتها بأي شكل من الأشكال بحثا عن الوجه الإعلامي أو العالمية»، مشيرا إلى أن «الترجمة لا بد لها أن تكون نتاج جهد فني متميز يسلب لب الآخرين وينال إعجابهم».وعن استفادته من تجربته الصحافية في كتابته الإبداعية الروائية، يقول: «أنا عملت في بلاط صاحبة الجلالة لما يناهز الـ25 عاما، وبالتالي أعتقد أن التجربة الطويلة في تربة ثرية خصبة، جعلتني قادرا على الكتابة أيا كان نوعها». ويشير إلى أن كتابة المقالة الصحافية مثلا هي محاولة للتقارب بين ما يحدث للناس، بما تقوم به من محاولة لرفع الصوت، «بمعنى أنك تحاول أن تتبنى قضايا الناس، وترفع من خلال هذا التبني قضاياهم الاجتماعية التي يرغبون في تصحيح وضعها».