سعيد الكفراوي: كل ما يدفع الإنسان إلى فعل الكتابة جدير بالقراءة

رحلتي مع القراءة

سعيد الكفراوي
TT

حفر سعيد الكفراوي اسمه في عالم القصة القصيرة بعد مشوار طويل وشاق، تزود خلاله بمؤن ثقافية نهلها من روافد كثيرة، كونت في النهاية رؤاه، وصقلت موهبته، فكتب ما يقرب من 11 مجموعة قصصية، وبدا صوتا مؤثرا في اكتشاف كوامن القرية المصرية، والتقاط ما تخفيه دهاليز السجون.

ملايين الأوراق مسحها الكفراوي بعينيه، تسللت إلى عقله ووجدانه، فمنحت موهبته تميزا أدبيا مشهودا.

يقول الكفراوي: «هناك كتب أثرت في تكويني كمثقف وأديب، ولا تزال تؤثر إلى الآن، وأول هذه الكتب كان النص الإلهي، القرآن الكريم، فعبر هذا الكتاب المقدس تعلمت ماهية الجنة والنار، وفكرة العقاب الإلهي والثواب، إضافة إلى مهارات التنغيم وموسيقى اللغة».

وبحسب الكفراوي، فإن هناك كتبا تراثية شكلت كيانه الثقافي، ومن بينها «ألف ليلة وليلة»، وكان أول عهده به طبعة مختصرة صادرة عن دار المعارف، أرشدته إلى الطبعة الأم. وبقراءته النسخة الأصلية، تفتح وعيه على نوافذ لم ينظر خلالها من قبل، ومن بينها كيفية توظيف الأسطورة والخيال، ففي رأيه «ألف ليلة وليلة» هو كتاب الكتب، خرجت منه الثقافة اللاتينية، وتأثر به مبدعو العالم كلهم.

من بين الكتب التي أسهمت في تأسيس الكفراوي كقاص «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، ويقول عنه: «ألقى بي لسؤال الروح المصرية.. ودفعني إلى تقصي هموم الطبقة المتوسطة، والبحث عن التحرر الوطني والدفاع عن الهوية».

في بداياته، تأثر الكفراوي كذلك بالأدب العالمي المترجم إلى العربية. ومن أبرز الأعمال التي قرأها في تلك الفترة رواية شتاينبك «تورتيلافات»، التي تحكي عن جماعة من الأصدقاء يختبرون الحياة، ويطرحون عبر الأحداث آراء فلسفية معقدة، منها الموقف من الوجود والعدم، وهي رواية مؤسسة تخضبت برؤاها أعمال كتّاب جيله جميعا، وبخاصة يحي الطاهر عبد الله في «الإسكافي». كما قرأ بنهم أعمال أديب روسيا الكبير دوستويفسكي، خصوصا «الإخوة كارامازوف».

وفي مرحلة التكوين، كانت أعمال نجيب محفوظ رافدا مهمًا في إرواء نهم الكفراوي من الإبداع والقراءة الأدبية، ومن بين الأعمال التي هز صداها أعماقه ما كتبه نجيب محفوظ، وبخاصة «الثلاثية»، و«الحرافيش»، و«أصداء السيرة الذاتية»، و«أحلام فترة النقاهة»، أما أبرز الأعمال «المحفوظية» التي هزته فكانت «حكايات حارتنا»، وهي رواية بطلها المكان، وتقدم نماذج من البشر يحملون أسئلة حول عدد من الجدليات، منها الحياة والموت والاستبداد والحرية والإقامة والرحيل والفرد والجماعة.

عقب مرحلة التأسيس، كان عليه الانتقال إلى مرحلة الممارسة والتعلم، وهنا تأثر بالأدب اللاتيني، خصوصا أعمال ماركيز، وأهمها «خريف البطريرك» و«مائة عام من العزلة»، وكذلك أعمال الأرجنتيني بورخيس، واليوناني كازانتزاكيس، وبخاصة «المسيح يصلب من جديد» و«الإغواء الأخير للمسيح»، وأعمال الروسي باسترناك، لا سيما «دكتور زيفاغو»، والألماني هيرمان هسه، وبخاصة «لعبة الكريات الزجاجية».

وعلى المستوى العربي، تأثر الكفراوي في تلك المرحلة بكتابات جيله، ومنهم صنع الله إبراهيم، ومحمد مستجاب، ويحيى الطاهر عبد الله، ومحمد عفيفي مطر، وخصوصا كتابه النثري «أوائل زيارات الدهشة»، الذي يرى الكفراوي أنه فتح آفاقا جديدة في عوالم القرية المصرية.

في مرحلة النضج، وهي تلك الممتدة من عقود إلى الآن، يرى الكفراوي أن كل ما يدفع الإنسان إلى فعل الكتابة، ويحيلها إلى نص إبداعي جدير بالقراءة، ومن بين الأعمال التي يحرص مرارا على إعادة قراءتها، أعمال ابن إياس، والجبرتي في تاريخ مصر خلال العصر الوسيط، كما يعتبر نفسه قارئا نهما للرواية، فلا يزال يقرأ كل ما يكتبه ماركيز وباولو كويللو، إضافة إلى إعادة قراءة أعمال هيمنغواي الذي يسميه «شيخ الطريقة»، وأمام مكتبه الآن نسخة من الأعمال الكاملة لكافكا، ويعيد كثيرا قراءة رائعة وليام فوكنر «الصخب والعنف».