اليوم العالمي للكتاب: يوم الكذب أكثر شهرة منه

كاتبة وقارئة تتحدثان عن المناسبة.. عربيا

معظم دول العالم تنظم الكثير من الفعاليات والنشاطات الهادفة إلى تعزيز دور الثقافة المقروءة في المجتمع (إ ب أ)
TT

كرست منظمة اليونسكو عام 1995 يوم الثالث والعشرين من أبريل (نيسان) للاحتفال باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف من كل عام، تزامنا مع ذكرى يوم وفاة بعض الكتاب مثل شكسبير وسرفانتس وولادة وموت الكثير من المؤلفين الآخرين. وتشهد معظم دول العالم بهذه المناسبة تنظيم الكثير من الفعاليات والنشاطات الهادفة إلى تعزيز دور الثقافة المقروءة في المجتمع، وتشجيع كل فرد، وبالخصوص الشباب والصغار، لاكتشاف متعة القراءة ونفعها، وتجديد الاحترام لهؤلاء الذين ساهموا في رفد الثقافة الإنسانية وتطور النتاج الفكري للبشرية. وفي هذه الأيام تنشط مدن عالمية مهمة في إقامة مهرجانات ومعارض الكتب وتجمعات ثقافية مكرسة للقراءات المتنوعة، فضلا عن إدارة مسابقات وورش عمل وتغادر مكتبات كثيرة جدرانها لتغدو متنقلة، وتعقد مؤتمرات وندوات وحوارات ومحاضرات، بكل الوسائل المتاحة لخلق تظاهرات ثقافية، من شأنها تكريم مؤلفي الكتب بجميع الاختصاصات العلمية والأدبية وتحفيز الفرد وحثه على المطالعة، ذلك السراج الذي يوقد شموس المعرفة للارتقاء الفكري، مما يؤدي بالتالي إلى تطور ورقي المجتمعات. وفي هذا العام وقع الاختيار على مدينة آيسن الألمانية لتكون عاصمة أوروبا الثقافية لعام 2010.

أما الحال في عواصمنا العربية، فتشغل هذه المناسبة حيزا ضيقا من اهتمام الدول والمؤسسات، ويتراوح حجم مساحات النشاطات الثقافية والتذكيرية من دولة عربية إلى أخرى، وأحيانا تتم بصورة تمجد فيها سلطة هذا الحاكم أو ذاك، أو تستذكر جهودا فردية.

ضمن هذه المحاور، هنا آراء كاتبة عراقية (ابتسام الطاهر) وقارئة (فيحاء السامرائي)، عن القراءة، ودور العائلة، والسياسة والكتاب، وأسباب العزوف عن القراءة، وما يحببنا في كتاب معين.

* ابتسام الطاهر: من الصبا وأنا أعتبر الكتاب أهم صديق والأقرب إلي روحيا. وهذا يعتمد على طبيعة الكتاب ومستوى الفكر الذي يطرحه وما يضيفه، تماما مثل الأصدقاء، فهناك من يضيف لك بعدا فكريا وثقافيا واجتماعيا وما هو بسيط وممتع، وآخر قد يكون مملا.

وطبعا للوالد وللأهل دور كبير في توجيه الرؤية الفكرية واختيار الكتاب، الفلسفي والسياسي، وحتى الروايات كانت لروائيين مميزين مثل نجيب محفوظ أو غائب طعمة فرمان وغيرهما، أو من الأدب المترجم، وهذا له دور كبير في تشكيل وعينا الأدبي بشكل ما.

* فيحاء السامرائي: نما حبي للمطالعة بتشجيع من الأهل والمدرسة، وأدركت أن الكتاب الجيد هو المعرفة، والمعرفة هي القوة التي تسلحني لأشق دربي في الحياة، وكان رفيقي المستديم هو الكتاب أثناء حلي وترحالي، كما ذكر المتنبي «خير جليس في الأنام كتاب»، والعقاد «أحب قراءة الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني»، كما اطلعت أيضا على إبداعات الفكر الإنساني الأجنبي المترجم. أحس بالمتعة والنفع كلما قرأت كتابا، ولا أدري هل براعة الكاتب الفنية هي ما يجذبني إليه، أو روحه المبثوثة والمعصورة في ورقه، أو ربما مضمونه وأفكاره المعبرة عما يعتمل في داخلي مما لا أستطيع التعبير عنه؟ مع الكتاب، أشعر أنني أبهى وأثرى وأذكى، وأكثر احتراما للآخرين ولنفسي. إني أرى الورق في حياتي وحياتي في الورق.

أزمة الكتاب العربي

* الطاهر: الأمة العربية تمر بأزمات لا حصر لها، أزمات سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية أيضا، وهذا بطبيعة الحال يؤثر على الكتاب كما ونوعا، فعلى الرغم من تصاعد عدد الكتاب عما كان عليه سابقا، فإن المتمكنين ماديا هم القادرون عموما على إصدار كتبهم باستمرار. لكن نجد أن تداول الكتب ما زال يحبو قياسا لما نراه في أوروبا أو بريطانيا بشكل خاص. تنمية عادة القراءة عندنا في الوطن العربي، هي مهمة وسائل الإعلام والدولة التي لا بد أن تجعل المواطن يتمتع بفسحة من الحرية والرخاء لكي يكون لديه المجال للتفكير في الكتاب والقراءة الثرية.

* السامرائي: يتسع المجال في واقعنا الثقافي العربي الراهن لطغيان السياسة عليه، ويؤثر ذلك سلبا على الكتاب. قرأت يوما رؤية للروائي برهان الخطيب يفيد فيها بأن «أزمة الكتاب في أزمة الثقافة... والكتاب جزء من الثقافة، والثقافة جزء من الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لذا فإن اندثار الكتاب هو اندثار للثقافة». في بلد كالعراق، تصرف أموال طائلة على العملية السياسية والمسؤولين، وتخصص وسائل إعلام الكثير من برامجها لتحليل الأخبار السياسية، في حين لا تصل إلى ذهن المتلقي من مشاهد ومستمع، برامج تحلل وتناقش كتبا علمية وأدبية. ونرى كثيرا مسؤولا يقص شريطا في حفل افتتاح سجن جديد، لا حفل افتتاح مكتبة أو دار ثقافية أو مطبعة. لا تبالي السلطة، مثلا، بتهديم بيت أحد الأدباء بل نراها تسعى لإزالة آثار تاريخية، كالكفل مثلا، لأسباب دينية، فضلا عن خذلان المؤلف والباحث وعدم مساعدته على التفرغ.

لا ريب في أن الكتاب يحتاج إلى بيئة حيادية غير سلطوية كيما ينتعش، أما في حالة اللامبالاة والاستهانة بجهد وفكر ووقت مبدعين، فينتهك وينتكس الوضع الثقافي.

أسباب العزوف عن القراءة

* الطاهر: الفقر والأزمات الاقتصادية لها الدور الكبير في تشكيل حياة المواطن العربي وفكره، كما في العالم الثالث بشكل عام، فالإنسان في هذه البلدان يحاول جاهدا توفير لقمة العيش له ولأولاده، وهنا يعتبر الكتاب من الكماليات ونوعا من البطر.

* السامرائي: نلحظ في الآونة الأخيرة عزوفا كبيرا عن القراءة لدى العرب مما يروج لمقولات مثل «انتهاء عصر الكتب» و«الكتاب آيل للزوال» وهو «في ذمة الماضي». ما يحصل اليوم، هو تراجع وليس اندثارا. ينكمش الكتاب اليوم أمام حاجات الاستهلاك اليومي، ويمكن أن نعزو سبب ذلك إلى فقر الروح الثقافية جراء مرهونيتها بالحياة السياسية والاقتصادية بكل تبعاتها، بالإضافة إلى ثورة الاتصالات المتفجرة وشيوع الكتابة الإلكترونية ليصبح الكتاب الورقي «ضحية» منطقية للتطور التكنولوجي، وتخلق بالتالي بدائل أيسر تناولا وأوسع انتشارا وأخف حملا وأكثر تسلية وجذبا لجيل الشباب والصغار.

إن أولويات القراءة لدى العرب تتدرج وتتراوح بين الكتب الدينية والاجتماعية وكتب التسلية والطبخ، وتأتي بعد ذلك الأدبية والعلمية مع كتب البحوث التخصصية، تلك هي أمة «اقرأ» تنتقي ما تقرأ، وهو أمر يعكس أوضاعا مرتبكة تعيشها. وأكثر مرارة من ذلك، تفشي الأمية لدى ما يقرب من نصف المجتمع العربي، وهو أمر يهدد التنمية، ويعوق سيرنا في ركاب التحضر، وفي استطلاع آخر، تبين أن القارئ العربي يقرأ بمعدل أربع صفحات سنويا مقارنة بالقارئ الأميركي الذي يقرأ أحد عشر كتابا، والأوروبي الذي يبلغ معدل ما يقرؤه في السنة ثلاثين كتابا!

دور الدولة

* الطاهر: قبل كل شيء، لا بد للدولة أن توفر الخدمات الأولية للمواطن من كهرباء وماء وعيش معقول، مما يتيح للمواطن شيئا من الاستقرار النفسي، ليكون لديه وقت فراغ ليمارس هواياته وحتما القراءة إحداها، فوقت الفراغ هو الحافز الأول للإبداع كما يقول الحكماء. ولا يتوافر وقت الفراغ إلا بتوفير الخدمات الحياتية الأولية كافة وكذا الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

* السامرائي: ما دامت الثقافة تضفي قيمة حقيقية على بنى المجتمع بأسره، فقد بات من الضروري إبداء أهمية قصوى لها، بإصدار تشريعات قانونية ترعاها وصناعها من المثقفين، وللأسف، يدرج الدستور العراقي الثقافة في المادة 35 ضمن باب التربية والتعليم، وتتحول كثير من المكتبات إلى مؤسسات خدمية، ودور سينما إلى مخازن، وتهجر المسارح ولا يعمر ما يخرب منها، ويحرق شارع المتنبي ويطلق الرصاص على الكثير من المثقفين، وتتلف المراجع والكتب القيمة، ناهيك عن إغفال هذا اليوم (اليوم العالمي للكتاب) وشغله مساحة ضيقة من اهتمام الدولة.

نحن نفتقر في الواقع إلى سياسة ثقافية تأخذ شكل مشاريع وبرامج، لا أن تتناثر هنا وهناك جهود فردية وأنشطة خاصة، وتتسلطن ثقافة غيبية وسلفية لتأخذ الصدارة في معارض الكتاب، بدعم من سلطة تتبع بمنهجية مقصودة سياسات ثقافية تخدمها.

نحن في حاجة إلى كتاب عام غير نخبوي ولسنا محتاجين إلى كتاب متبطرين وطلاب شهرة.. نحن في حاجة إلى كتاب يغدو ملك الجميع وبأسعار معقولة، ليكون أكثر من سلعة تخضع للعرض والطلب بين الناشرين والقراء.