كتّاب ومفكرون مغاربة يهدون مكتباتهم إلى «المكتبة الوطنية»

راحلون تركوا وصايا لتصبح مكتباتهم «صدقة جارية»

المكتبة الوطنية في الرباط («الشرق الأوسط»)
TT

منذ انتقالها إلى المبنى الجديد الذي شيد قبل عامين على مساحة تفوق 20 ألف متر مربع، في موقع متميز وسط العاصمة الرباط، تتلقى «المكتبة الوطنية» التي تتوافر على رصيد يصل إلى 40 ألف كتاب، مكتبة خاصة كل شهر، تهدى إليها من طرف شخصيات معروفة من مختلف المجالات السياسية والثقافية والعلمية، سواء وهم ما زالوا على قيد الحياة أو بعد رحيلهم.

وفي هذا السياق قال لحسن توشيخت، مسؤول تنمية المجموعات بالمكتبة الوطنية لـ«الشرق الأوسط»، إن المكتبة توصلت خلال العام الحالي بأربع مجموعات خاصة، وعزا ذلك إلى «الحلة الجديدة» التي أصبحت عليها المكتبة الوطنية منذ تدشينها من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس، مضيفا أن «السمعة الإعلامية والثقافية التي اكتسبتها المكتبة، حفزت عددا من المفكرين والمثقفين الغيورين على التراث المغربي إلى إهدائها مكتباتهم، بدلا من بيع محتوياتها إلى أفراد، أو إلى (سماسرة متجولين) في المدن بحثا عن المخطوطات والكتب النادرة لشرائها».

ومن بين المكتبات الخاصة التي توصلت بها المكتبة الوطنية خلال العام الحالي، مكتبة أحمد بن يحيى بن سودة، ويقول توشيخت إنها مكتبة مهمة جدا من حيث المحتوى والمضامين، وكانت محفوظة في رياض جميل بمدينة فاس، ومفتوحة في وجه الجمهور، وقبل وفاته أوصى أبناءه بالحفاظ عليها «صدقة جارية» «وإرثا رمزيا تستفيد منه الأجيال المقبلة». وأضاف أن أبناء بن سودة لم يستطيعوا مسايرة تكاليف صيانة المكتبة، فبادروا إلى إهدائها إلى المكتبة الوطنية التي توصلت بها في فبراير (شباط) الماضي. وتتكون من نحو 659 مخطوطا، و1015 مطبوعا حجريا، و17448 كتابا، و1893 مجلة (296 عنوانا)، و75 ملفا من الوثائق التاريخية، و30 صحيفة.

كما توصلت المكتبة الوطنية بالمكتبة الخاصة للعلامة المغربي المهدي الوافي من مدينة مراكش، وتضم مكتبته رصيدا غنيا من المؤلفات التاريخية والفقهية واللغوية، وقد ورثها ابنه الذي قام بإهدائها إلى المكتبة تنفيذا لتوصية والده بجعلها «صدقة جارية» كذلك، بالإضافة إلى مجموعة الشاعر والسياسي الراحل محمد الحبيب الفرقاني. ومكتبة السياسي المغربي الراحل عز الدين العراقي، وتضم كتبا ومجلات تحتوي على مقالات نادرة.

وبشأن مكتبة السياسي المغربي الراحل عبد الهادي بوطالب، فقال توشيخت إنها لم تهد إلى المكتبة الوطنية، وفي مقابل ذلك قال إن هناك أنباء تتحدث عن أن الورثة يعتزمون إهداءها إلى مكتبة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء. وفي العام الماضي توصلت المكتبة الوطنية بجزء من خزانة الكاتب المغربي اليهودي أدمون عمران المالح، على أن يتم إهداء المجموعة المتبقية على دفعات. إلى جانب مجموعة الدكتور أحمد رمزي عضو الأكاديمية المغربية، وتحتوي على كتب نادرة عن الموسيقى والثقافة المغربية، ومجموعة محمد العمري، وثريا السراج، وإدريس بن يحيى. وقال توشيخت إن هذا الإهداء يمثل الاختيار الأفضل، من وجهة نظره، لأن المكتبة الوطنية تعتبر الأولى والوحيدة في المغرب، وهي رمز للحفاظ على الذاكرة والتراث المغربي المكتوب، ولديها إشعاع وطني ودولي.

وقبل أن تنتقل المكتبة الخاصة إلى المكتبة الوطنية توقع «اتفاقية هبة» بين الطرفين، وتتضمن بنود الاتفاقية التعريف بمحتوى الخزانة، ثم الالتزام المعهود لكل طرف، بحيث يلتزم الشخص الذي يهدي مكتبته الخاصة أو ورثته بأنه يهدي مجموعته بشكل حر وتلقائي، وأنه لا مجال للتراجع عن ذلك، بينما تلتزم إدارة المكتبة الوطنية بالحفاظ على المكتبة وفهرستها وتوثيقها وجعلها رهن إشارة الباحثين.

وحول ما إذا كانت المكتبة الوطنية تنتظر مبادرة الأشخاص لإهداء مكتباتهم، أو تسعى إلى اقتنائها أحيانا، قال توشيخت إن المكتبة الوطنية تبادر إلى اقتناء المكتبات الخاصة في حالة واحدة، وهي إذا كان أصحابها يعرضونها للبيع. ومنذ تأسيس المكتبة الوطنية التي كانت تحمل اسم «الخزانة العامة» منذ عام 1926 وهي تستقبل عددا من المكتبات الخاصة حيث تتوافر حاليا على مكتبات كل من التهامي الكلاوي، وإبراهيم الكلاوي، وعبد الحي الكتاني، ومحمد بن جعفر الكتاني، ومحمد المقري، ومحمد حسن الوزان، ومحمد الحمداوي، ومحمد حسن الحجوي، ومحمد أبو طالب، وتحفظ هذه المكتبات في جناح خاص بالمكتبة الوطنية، حيث يسمح لأبناء وحفدة هذه الشخصيات بزيارتها والاطلاع عليها.