فاطمة البودي : «البست سيلر» ظاهرة وهمية.. ومهنة الناشر العربي صعبة

تركت دراستها في الكيمياء الحيوية وأسست «دار العين» للنشر حبا في الثقافة

الناشرة المصرية فاطمة البودي (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

بشيء من المغامرة والعصامية بدأت الدكتورة فاطمة البودي صاحبة «دار العين» طريقها الوعر في عالم النشر، فهي أكاديمية حاصلة على الدكتوراه في الكيمياء الحيوية.. نصحها صديق بدخول السباق، وعبر المحاولة والخطأ تمكنت في عشر سنوات من بناء كيان حصد نجاحا تجاريا ملموسا، ومعنويا أيضا.

«الشرق الأوسط» التقت البودي، التي تتحدث هنا عن تجربتها في النشر، وهموم المهنة:

* صناعة النشر في العالم العربي تعتمد في كثير منها على الخبرات الشخصية، وإحساس الناشر بالسوق.. هل تنتمين إلى هذه المدرسة؟

- لا، على الإطلاق. لدي هيئة استشارية متخصصة، أترك لها الحكم النهائي، كما استحدثنا هياكل وظيفية موجودة فقط في الغرب وبعض دور النشر العربية القليلة، ومنها وظيفة محرر الكتاب، الذي يتعاون مع المؤلف في مادة الكتاب وشكله وعنوانه، ويظل بجواره إلى أن يخرج العمل في أفضل صورة، سواء من ناحية المحتوى أو ملاءمته لسوق النشر. أنا مؤمنة بالتخصص والتجويد.

* ما أبرز المشكلات التي تقابلك كناشرة في عالمنا العربي؟

- هناك ارتفاع رهيب في أسعار الورق، كما أن السلطات تفرض علينا ضرائب تؤثر سلبا على صناعة النشر التي تعاني في العالم العربي بشكل يفوق أي مكان آخر نظرا لضعف معدلات القراءة، وفي سفرياتي الكثيرة أعجبت بشدة بدعم حكومتي تونس والنرويج للكتاب. وفي مصر تستطيع وزارات الشباب والثقافة والتعليم أن تشتري نسخا كثيرة من الكتب الهامة، تؤدي عبرها دورا تنويريا تعليميا كما تدعم من خلالها الناشرين، من ناحية أخرى.

* كثير من دور النشر البادئة تهتم كثيرا باختراق التابوهات، بخاصة في الجنس والدين والسياسة لتصنع ضجة تستفيد منها في الترويج لكتبها.. ما الآليات التي اعتمدت عليها للترويج؟

- أؤمن بالنجاح المتأني. وضعت أسسا له وعملت مع فريق عمل الدار بكل دأب. يكفي أنني لم آخذ إجازة منذ ثلاث سنوات تقريبا. نحن لا نعتمد على خرق التابوهات، بقدر ما نلجأ للثقافة الرصينة والأعمال الجادة التي يعول عليها القارئ ليقرأها أكثر من مرة، كما أننا نسوق جيدا عبر الوسائل الحديثة كالإنترنت و«الفيس بوك»، ونقيم ندوات للمؤلفين، فهي حقهم على الدار. وهذه الندوات يتم تغطيتها إعلاميا عبر الفضائيات والصحف، وكل ذلك يصب في مصلحة التوزيع.

* كتب سمير عطا الله منذ فترة قصيرة في «الشرق الأوسط» عن «مكتبة العبيكان» وكيف أن باستطاعة المؤلف أن يزور أيا من فروعها في أي وقت ويتعرف على عدد الكتب المبيعة وتلك التي في المخازن وأثمانه ونصيبه منها.. هل يمكن أن تصل «دار العين» لهذا المستوى؟.

- نطمح إلى ذلك، لأن الوضوح والشفافية من أهم عوامل النجاح.. لكن «العبيكان» كيان اقتصادي ضخم.. تمكنت من استثمار النجاح في النشر، وتحويله لمؤسسة. ونطمح في السير على خطاها.

* ألا تخشين كناشرة تقليدية من هجمة التقدم التكنولوجي وشيوع أجهزة I PAD؟

- من يتجاهل التقدم يكون كمن يدفن رأسه في الرمال. لكن للأسف نحن حتى الآن نفكر في النشر الورقي، ولم نواجه التحدي بالقدر الكافي من الاستعداد. الأمر يحتاج لدراسة دقيقة تتناول جوانب كثيرة منها نصيب المؤلفين من النشر الإليكتروني وموافقتهم عليه، وطرق توزيعه، والنسب المستحقة لأطراف العملية كلها. وعموما الوقت، أعتقد، لا يزال مبكرا نسبيا في ظل المستوى الاقتصادي المنخفض واعتياد الأجيال الحالية على القراءة الورقية.

* تنشرين الكثير من العناوين الفكرية الصعبة التي لا تناسب القارئ العادي.. فكيف تسوقينها؟

- لها جمهورها من الباحثين في الدراسات العليا ومكتبات الجامعات والمراكز البحثية.

* ما رأيك في ظاهرة «البست سيلر»؟ وما رأيك في ظاهرة «صناعة النجوم»؟

- «البست سيلر» ظاهرة وهمية غرضها الدعاية، وفي الأغلب لا تقاس بموضوعية وأمانة، وبالتالي هي أكذوبة. أما «صناعة النجوم» فأنا أتعامل مع صنفين من الكتب، أولها الكتاب النجم أي العنوان الذي يحقق رواجا لكاتب غير معروف. والثاني الكاتب النجم أي أن اسم المؤلف هو الذي يبيع. وأحيانا تتحقق المعادلة ويكون الكتاب نجما وصاحبه أيضا وهنا يكون النجاح مضمونا بلاشك.

* للدار تجربة جيدة في النشر الدولي والترجمات. ماذا استفدت من الاحتكاك الدولي - وكيف طرقت هذا المجال؟

- تعرفت على عالم النشر الدولي عبر مشروع «كلمة» للترجمة. اختارت الهيئة الاستشارية للمشروع الدار من بين دور كثيرة للنشر في مصر. وترجمنا كتابين هما «تاريخ أكثر إنجازا للزمن» لعالم الفيزياء الأسطوري ستيفن هوكينغ، وهو عالم شهير له قصة إنسانية مؤثرة لمعاناته من الإعاقة الحركية ولا يستطيع الكلام أيضا، ورغم ذلك فهو من أشهر المؤلفين، وكتبه تباع للعامة وليس فقط لمتخصصين. والكتاب الثاني هو «الصدام داخل الحضارات» للألماني سنجاس. أصبحت الدار عضوا في اتحاد الناشرين المستقلين بباريس، كما اشتركت في معرض لندن للكتاب عام 2008 ومعرض تورينو، وجنيف وكذلك معرض فرانكفورت. هذا الاحتكاك أفادني بشدة، وأطمح في تعلم المزيد.