القاص السعودي حسين علي حسين لـ«الشرق الأوسط»: أنا نبتة شيطانية غرستني الكتابات الغربية

قال: القصة القصيرة السعودية قادرة على خوض سباق المسافات الطويلة

حسين علي حسين (تصوير: أحمد يسري)
TT

يمثل القاص السعودي حسين علي حسين، تجربة قصصية مثيرة للاهتمام، فالرجل الذي عاش في ستينات وسبعينات القرن الماضي في المدينة المنورة، مستلهما تفاصيل المشهد المدني وصورته القديمة، انفتح مبكرا على الأدب العربي والعالمي، مشكلا هويته الأدبية فاكتشف مبكرا الفرنسي «ألبير كامو»، وتأثر على نحو خاص بروايتيه «الطاعون» و«الغريب»، وكذلك بالكتاب «مكسيم جوركي» و«أرنست همنغواي» و«دوستوفسكي» و«شارلوت برونتي»، بالإضافة إلى إحسان عبد القدوس، وحنا مينا، والطيب الصالح وغيرهم.

قدم حسين علي حسين، عددا من المجموعات القصصية هي: «الرحيل»، «ترنيمة الرجل المطارد»، و«طابور المياه الحديدية»، وهي مجموعات رأى فيها النقاد أعمالا تشي بنضج فني، وسياق قصصي منفتح على أفق واسع. بالإضافة إلى كونها تقدم مقاربات مهمة في سياق الانكسار والحزن والاغتراب.

وفي حواره هذا، يشير القاص حسين علي حسين، إلى أنه يمثل الجيل الذي اكتوى بنار الهزيمة والانكسار، كما يقول إن تجربته القصصية ولدت من رحم المستحيل، فهو «نبته شيطانية»، غرزته الكتابات الأميركية والفرنسية والروسية والبريطانية والألمانية، في صحراء صامتة بدلتها الأيام إلى صحراء ناطقة.

«الشرق الأوسط» حاورت حسين علي حسين، حيث يقيم بالعاصمة السعودية الرياض.

* برأيك، ما أهم ثلاثة أجيال تمثل القصة السعودية المعاصرة؟

- الجيل الأول من وجهه نظري يمثله أحمد السباعي، وبعده يأتي جيل عبد الله الجفري وإبراهيم الناصر، وجيلنا أعتبره الجيل الثالث، وفيه الكثير من الأسماء اللافتة، ولكن أغلبهم – للأسف - توقفوا. ومن هؤلاء سليمان سندي وعبد الله السالمي. بقي هناك الآن محمد علوان وعبد الله باخشوين، بيد أن الجيل الذي بدأ بعدنا لديه همّة أكبر وعزم لا يلين، وهذا ما يجعلني أطمئن إلى أن القصة القصيرة ما زالت قادرة على خوض سباق المسافات الطويلة.

* كان هناك سجال بين التيارات المتصارعة، وممانعة كبيرة ضد الحداثة.. كيف كانت مسيرتك الأدبية ضمن ذلك الجو؟

- الإنسان مولع بالتجريب، وأنا دائما مع الحداثة بأشكالها كافة ودون أي تحفظ، لأنه من دون ذلك سوف نتعفن على كراسينا وسررنا وسوف نبقى أسرى للقربة والخيمة. البدائل مطلوبة مثلما الحفاظ على التراث والقيم مطلوبان!

* أنت مقل في إنتاجك حتى لتبدو وكأنك توقفت عن الكتابة؟

- لم أتوقف عن الكتابة. إنني أكتب على الدوام لكنني أقرأ أكثر، وسوف أعود للنشر قريبا، فقد طالت الوقفة.

* كيف تقيّم واقع القصة السعودية في الوقت الحاضر؟

- القصة السعودية تعتبر جيدة. هناك مواهب كثيرة، لكن المشكلة الرئيسية ليست هنا. المشكلة الرئيسية في تجاهل النقاد والدارسين والقراء. المبدع الآن يصبح أكثر شهرة إذا كتب مقالات صارخة في صحيفة، أو خرج عبر الفضائيات، أو كتب نصا عامرا بالجنس والشذوذ والجريمة. النص الأدبي الجاد والصادق، الذي يضع كل كلمة في مكانها الصحيح بات غريبا. الأدباء الآن صاروا لا يقرأون إلا لأنفسهم!

* كنت قد أصدرت أكثر من ست مجموعات قصصية.. كيف تشكل عالمك القصصي والمحطات التي تأثرت بها؟

- أعتبر نفسي نبتة شيطانية، فليس في بيتنا والد يقرأ أو أم تقرأ. كان الكتاب غريبا، خصوصا كتب الأدب والفكر والفلسفة. والدي وأمي لا يعرفان سوى مجالس الذكر. كنت وسط هذا المجلس هاويا للطوابع والكتب ومجلات الأطفال والسينما، وبعد ذلك روايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ويوسف إدريس والطيب صالح وغيرهم. لكن الكتّاب الذين هزوني كانوا من أميركا وفرنسا وروسيا وبريطانيا وألمانيا، أبرز هؤلاء: سارتر، ألبير كامو، دستويفسكي، غوغل، تشيكوف، همنغواي، فوكنر، جيمس جويس، جاك لندن إلخ. أبرز الأعمال التي قرأتها رواية اليوغسلافي إيفواندريتش «جسر على نهر درينا» و«الطاعون» و«الغريب» لكامو، و«دروب الحرية» لسارتر و«الصخب والعنف» لفوكنر، و«الجريمة والعقاب» لدستويفسكي، وغير ذلك.

* يعتقد البعض أن نصوصك القصصية من أكثر التجارب السعودية كلاسيكية.. إلى أي مدى هذا الرأي صحيح؟

- هذا الكلام لا يثيرني، وقد قيل كثيرا، وهو للأمانة لا يقال إلا من قِبل بعض الكتاب السعوديين الذين لا يبدعون ويضايقهم أن يبدع الآخرون.. ومع ذلك، فإنني لم أجرؤ على تصنيف ما أكتب أو الرد على أي كاتب تناول نتاجي بالسلب أو الإيجاب، فحقي أن أكتب وحقهم أن يصنفوا، لكنهم بالتأكيد لن يثنوني عن الكتابة، فهي الترياق الوحيد الذي أتعاطاه حتى الإدمان.

* غالبا ما يلف شخصيات قصصك القلق المأساوي، والعزلة، والإحباط.. لماذا تتداخل عناصر القمع والانكسار في حكاياتك القصصية؟

- أنا من جيل الهزيمة التي سموها نكسة، هذه الهزيمة مع الجهل والقمع والافتقاد للحريات أفرزت جيلا من الكتاب، أنت تقول إنني منهم. هذا الجيل سوف يظل على حاله، لأن الضوء في شرقنا العربي ما زال شحيحا والمطرقة ما زالت على الرأس. مهمة الكتّاب الإشارة إلى ذلك للوصول إلى مجتمع يشبه مجتمع العالم الراقي، حيث لكل فرد كيانه واستقلاله وحصته في الماء والهواء والجامعة والمصنع والأرض. ما يطلبه المواطن العربي ليس ترفا إنه حاجة، ومهمتنا أن ندل على هذه الحاجة.

* في مجموعتك القصصية «الرحيل»، التي صدرت في «1978» تبرز الحياة في المدنية المنورة بشكل عفوي وبسيط ومجرد من تعقيدات المدن الكبرى..

- الرحيل، أول مجموعه قصصية أصدرتها، وفيها كما يقولون كل ما اختزلته من تجارب ومشاهدات. وهي كما كتب عنها تحوي مزايا البدايات كافة: التأثر، الإطناب، التصوير المباشر. في هذه المجموعة، تلوح عوالم المدينة التي ولدت ونشأت فيها، وهي عزيزة على نفسي لذلك آثرت تركها كما هي من دون مراجعة أو تعديل.

* هل نالت مجموعاتك القصصية حظها من الدراسة والنقد، نعلم أن الناقد عبد الرحمن الربيعي كتب دراسة عن مجموعتك «طابور المياه الحديدية»؟

- عبد الرحمن الربيعي صديق، وقبل ذلك كله هو مبدع معروف، وقد كتب عن هذه المجموعة كلاما يعبر عن ثقافته وقناعته، وقد نشرت دراسته في إحدى الصحف العراقية قبل أن يترك العراق. هذه المجموعة كتب عنها الكثير ولا ينافس ما كتب عنها إلا ما كتب عن الاغتراب في قصصي حتى إن دارسا أعد رسالة ماجستير عن الاغتراب في قصصي، نوقشت قبل أعوام في جامعة الملك عبد العزيز بإشراف الدكتور حسن النعمي، غير عشرات الدراسات التي نشرت في السعودية ولبنان ومصر والعراق وتونس.

بالنسبة إلي، عندما أكتب لا أفكر إلا في ما يحويه الدماغ، فلست ناقدا أو منظرا، إنني قارئ نهم وكاتب بعد ذلك، قرأت لكل التيارات والمبدعين، وما يرد في قصصي هو من عفو الخاطر، أرجو أن يأخذه من يقرأه كما هو، يصنفه كما يريد، ينقده كما يريد، وبعد ذلك سوف أقرأ ما يكتب عني لأستفيد، مع عظيم الامتنان والاحترام لكل ما يكتب عني.