«حزب الله» والاستحالات التسع بانتظار «حركة تصحيحية»

فايز قزي يسأل عن مكانه كمسيحي وعلماني في دولة ولاية الفقيه

غلاف الكتاب
TT

يشن رجل الإعمال اللبناني فايز قزي، المعروف بعلاقاته السياسية على أعلى مستوى، هجوما على حزب الله معتبرا أنه «من فمهم يدينهم»، معتمدا في ذلك على قراءة كتاب نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم المعنون «حزب الله: المنهج، التجربة، المستقبل» ونص الرسالة المفتوحة لسنة 1985 التي أعلن من خلالها الحزب عن رؤيته العقائدية والجهادية، ومباشرته للتحرك العلني والسياسي. ويعتبر قزي أن الاعتماد على هذه النصوص هي الطريقة الأسلم لفهم الحزب بدل الدخول في متاهات الخطابات والمحاضرات والمقالات التي تستخدم للاستهلاك اليومي العام.

ويروي الكاتب أنه «في سنة 1979 ظهرت في لبنان (اللجان المساندة للثورة الإسلامية في إيران) التي راحت تتواصل مع إيران وعلى رأسها الولي الفقيه الإمام الخميني. وخلال هذا التواصل حصل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فكان هناك سعي لتشكيل إسلامي موحد يتمحور حول نهج الإسلام ومقاومة الاحتلال، مع قيادة شرعية للولي الفقيه. تمت صياغة ورقة نهائية حملها تسعة أشخاص من لبنان إلى إيران، وهناك رفعوها إلى الإمام الخميني، فوافق عليها. فاكتسبت شرعية تبني الولي الفقيه لها، ومنها تأسس حزب الله. ثم وافقت سورية على مرور الحرس الثوري إلى لبنان، وبدأت التدريبات في منطقة البقاع (عام 1983)».

وهكذا انطلق حزب الله معتمدا على ثلاث ركائز: مشروع الدولة الإسلامية، ثم الجهاد في سبيل الله، وولاية الفقيه الشاملة والمطلقة.

يرى الكاتب فايز قزي أن الحزب قرر عند تأسيسه عدم توزيع بطاقة على المنتسبين لأن الانتماء يبقى أشمل. من هنا نشأ نظام التعبئة العامة والهيئات الإنسانية التي تهتم بالعمل الثقافي والاجتماعي والتعبوي، وإنشاء كشافة الإمام المهدي للاهتمام بالناشئة، كما تم إنشاء مؤسسات ذات مجالس إدارة مستقلة في مجال التربية والثقافة والصحة والإعلام والزراعة والعمران.

إن هذه المؤسسات شكلت ما يمكن وصفه بحسب قزي «الإدارة المدنية أو المقاطعة أو الكانتون». ويكمل الكاتب: «هذا يجعل من الحزب دولة مستقلة تنافس استقلال لبنان وأمته اللبنانية وتناقضها وتعمل على إزالتها من عقول المنتسبين والأنصار». ويشرح الكتاب بأنه بعد عام 1985 وإعلان الرسالة المفتوحة للحزب، وإقرار النظام الداخلي تم تحديد أعضاء مجلس شورى الحزب بتسعة ينتخبون لسنة واحدة من قبل كوادر يشغلون منصب مسؤول قسم وما فوق، ويتولى هؤلاء انتخاب أمين عام من بين أعضائها. (ص37)

أما وأن الأولوية هي للمقاومة، فقد جاء الحزب إلى العمل السياسي متأخرا - كما يشرح الكتاب - فقد تم تأجيل كل ما له علاقة بنقاشات حول المستقبل والاستراتيجيات التي كان يمكن لها أن تقوم مع القوى والفعاليات الحزبية في لبنان.

صفحات طويلة من الكتاب خصصها فايز قزي لقراءة كتاب نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، محاولا استنطاقه حول نوايا الحزب وتطلعاته الحقيقية. وربما أن المساوئ الكبرى لهذه الصفحات، أننا لا نستطيع أن نفصل أحيانا، بين ما يقوله الكاتب وتلك الاستشهادات التي يأخذها من كتاب نعيم قاسم مما يخلق نوعا من الالتباس لدى القارئ. لكن ما هو واضح أن قزي يحاول أن يجمع الدلائل والإشارات على الدور الأساسي والجوهري الذي لعبته إيران سواء في التأسيس الأول للحزب أو في تشكيل مساره ودعمه والتأثير عليه.

يستنتج قزي أن الحزب يصمت عن الكثير من المسائل الحساسة منها، ماذا لو كان الاحتلال لأرض عربية مسلمة، هل يمارس حزب الله المقاومة ضده أم أنه لا يعتبره احتلالا أصلا، ضاربا مثلا على ذلك لواء الإسكندرون، والجزر الإماراتية. ثم ماذا لو زال الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي اللبنانية، ألا يعتبر الحزب أنه ملزم بمتابعة المقاومة في الدول المجاورة للبنان، كتحرير فلسطين مثلا؟ فالحزب يعتبر أن أي تسوية في فلسطين تلزم موقعيها لا أصحاب الأرض الأصليين. إذ ينقل الكاتب عن نعيم قاسم قوله: «لو سلمنا جدلا بحصول التسوية، ورسمت معالم جديدة لفلسطين والمنطقة، فإن الحزب لا يمكنه أن يقبل أو أن يوقع على مثل هذه التسوية التي تلزم أصحابها، ولا تغير واقع فلسطين من أنها لأصحاب الأرض الأصليين». ويستنتج قزي من هنا أن هذا «يمنع أساسا وأصلا، كل إمكانية للبحث مع حزب الله في نهاية اسمها تسليم السلاح. فباتت الضرورات تقتضي بطرح كل وسائل التعمية والتمردية والتأجيل ولو على حساب استقرار لبنان واقتصاده وحتى وحدته وكيانه».

ويصل الكتاب إلى ما يسميه «الاستحالات التسع» ويقول: «أنا كعلماني مدني السلوك، لا أجد لي مجالا للتفاهم مع حزب الله، فهل يتراجع الحزب عن بناء الدولة الدينية، ويقبل الدولة المدنية الموحدة؟ (استحالة دينية أولى) تتبعها استحالات أخرى منها مكانته كمسيحي وعربي في دولة دينية إسلامية. وهي استحالات يعرضها الكاتب ليصل إلى خلاصة هي أن حزب الله في حالته الحاضرة، (حركة جهاد عسكرية مغلقة في الأصول والفصول والمذهبية، غير اللبنانية والعربية والإنسانية، وبعيدة عن الحداثة المدنية، وتفاعل الحضارات الإيجابي). وهو يصف الحزب بأنه (ملتبس)، (مغلق في المنهج والمستقبل على كل علاقة أو تفاهم أو تحالف)».

والرجاء الوحيد الذي يبقى عند الكاتب، ولو كان شبه مستحيل، هو حركة تصحيحية من داخل الحزب، تنهل من أرض الجنوب اللبناني وجبل عامل وعلماء الشيعة المحدثين والمحررين الذين سبقوا والحاليين منهم «ممن يؤمنون أن الإمامة المعصومة عند الشيعة نظرية استثنائية، وأن الخلافة عند السنة حال مضت».