«الانكشاف» الأدبي السعودي.. هل كان نتيجة 11/9 ؟

مثقفون سعوديون يدافعون عن منجزهم الأدبي ويطالبون المؤسسات الثقافية بتعريفه للعالم

لقطة من معرض الكتاب.. دور النشر العربية تتسابق على الروايات السعودية
TT

في حديث تلفزيوني أدلى الروائي المصري جمال الغيطاني برأيه حول الأدب السعودي، قال فيه إن هذا الأدب لم يكن معروفا لدى العالم إلا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). الغيطاني أيضا تحدث عن رواية (بنات الرياض) للكاتبة رجاء الصانع معتبرا أنها تعد مثالا واضحا على الرواية السطحية التي استطاعت أن تحقق مبيعات كبيرة اعتمادا على جاذبية اسم الرواية، مستغربا قيام كاتب ينادي بالحداثة ورقي الأدب (لم يسمه) بكتابة 7 مقالات عن هذه الرواية.

رأي الغيطاني بشأن انتشار الأدب السعودي، وضموره حتى 2002، اجتذب مجموعة من النقاد والباحثين السعوديين للحديث عن هذا الأدب، وانتشاره، وموقف الباحثين العرب منه، وكذلك أسباب قلة الانتشار أو محدودية الاطلاع عليه بين المثقفين العرب.

بعيدا عن السجال بين المثقفين، فإن حديث الغيطاني (قد) يشير إلى حاجة المؤسسات الثقافية السعودية لضخ مزيد من النشاط في الجهود الرامية للتعريف بالمنجز الثقافي المحلي، وتعريفه للعالم والعالم العربي، بإقامة الندوات والأمسيات وتوفير الفرصة للأدباء والروائيين والشعراء للتعريف بمنجزهم، وخلق مزيد من التواصل مع الفعاليات الثقافية العربية.

اليوسف: مسيرة مشابهة

للبلدان العربية

الباحث والقاص السعودي خالد بن أحمد اليوسف، الذي أصدر دراسة في ثلاثة أجزاء تحت اسم معجم الإبداع الأدبي في المملكة العربية السعودية: دراسة تاريخية ببليوغرافية ببلومترية، عنيت بالنثر والشعر والدراسات الأدبية لكل فن جزء خاص.

وأحصى اليوسف عدد الروايات التي صدرت في السعودية، حيث بلغت منذ أول عمل روائي صدر في السعودية للكاتب عبد القدوس الأنصاري عام 1349هـ / 1930م المعروفة بـ«التوأمان»، حتى نهاية عام 2009 بنحو 574 رواية.

وبلغ عدد الروايات المؤلفة خلال هذا العام 2010 منذ شهر يناير (كانون الثاني) حتى أبريل (نيسان) 40 رواية بمعدل 10 روايات في كل شهر. وكانت الفترة من 1991 حتى 2000 قد شهدت صدور 98 رواية. وشهدت الفترة بين عامي 2001 حتى 2006 صدور نحو 206 روايات.

وقد أصبحت الدراسة الفريدة من نوعها التي كتبها اليوسف واحدة من الدراسات الهامة التي ترصد مسيرة الأدب السعودي، والروائي منه على نحو خاص، خصوصا أن كاتبها استقى معلوماته من المصادر الهامة في سجلات التدوين والإيداع، وأيضا بالبحث المضني وراء نتاج المؤلفين السعوديين في الداخل والخارج.

اليوسف قال لـ«الشرق الأوسط» أن مسيرة الأدب العربي في السعودية شابهت كثيرا مسيرة الأدب في البلدان العربية الأخرى، فقد بدأت في الثلاثينات من القرن الماضي، خصوصا في مجال الشعر والنقد، ولكن الرواية لم تبدأ بتقنيتها الحديثة إلا في الستينات على يد حامد الدمنهوري «ثمن التضحية» بالرغم من وجود محاولات سابقة بينها «التوأمان» للأنصاري، وغيرها.

اليوسف قال إن الأدب السعودي، خصوصا في النقد والشعر قدم أسماء لامعة بينها عبد القدوس الأنصاري، عبد الله العبد الجبار، عبد السلام الساسي، وغيرهم. وقال إن عددا من الباحثين العرب بينهم طه حسين والعقاد كتبوا عن الرموز الأدبية في الفترة التي عاصروها وتعرفوا على نتاجهم.

وأضاف اليوسف: «إن الحديث عن ظهور الأدب السعودي بعد الحادي عشر من سبتمبر وكأنه لم يكن موجودا قبلها غير صحيح، ففي مجال القصة كانت هناك عشرات الأعمال القصصية التي عرفت في الثمانينات من بينها أعمال عبد العزيز مشري، محمد علوان، جار الله الحميد، حسين علي حسين، وغيرهم من رواد القصة الحديثة.

وفي الشعر كان هناك محمد جبر الحربي، خديجة العمري، محمد العلي، ومحمد الثبيتي، وغيرهم. إن اتساع رقعة النشر ومساحة الانتشار وتوفر إمكانيات المطابع والتوزيع ساهم في انتشار الأدب السعودي في المحيط العربي والعالمي. لكن ذلك لم يمنع تميز الكثير من هذه الأعمال ووصولها إلى جوائز عالمية، بينها رواية عبده خال «ترمي بشرر» التي فازت بجائزة البوكر وأعمال لأدباء آخرين بينهم رجاء عالم».

* العدواني: الأحكام العامة ظالمة دائما

* وفي هذا السياق، قال الناقد السعودي الدكتور معجب العدواني لـ«الشرق الأوسط»: أستغرب أن يقوم أديب ما بالهجوم على أدب بلد ما، وأن يصفه بصفات عامة تفتقد العلمية وتحتاج إلى الإنصاف، فالهجوم بإصدار أحكام عامة على كتابة مبدع واحد فيه من الظلم والإجحاف ما يمكن أن يرد على قائله، فكيف لو هوجم أدب دولة أو منطقة ما، ذلك الأدب الذي يضم أجناسا مختلفة، تتشكل من عشرات الآلاف من النصوص التي تمتد لفترات زمنية طويلة بأقلام كتاب وكاتبات كثر، هذا المدخل يلغي نجاعة ذلك الرأي الذي يكرس لعشوائية التوجه وغياب العلمية.

واقتبس العدواني رأيا للروائي جمال الغيطاني يتحدث فيه بإيجابية عن الأدب السعودي، يقول فيه: «... وأنا أهتم بالأدب السعودي، وأقرأ لعبده خال، ورجاء عالم، ويوسف المحيميد، وأتابع أخبارهم وأنشر عنهم، لأني أعتبرهم جزءا من الأدب العربي الأصيل، أي جزء من تكويني ومن وجداني؛ فالأدب العربي كيان واحد متصل».

وذكر العدواني برأي نشره الغيطاني يدعو فيه لتنقية الساحة الثقافية العربية من المعارك الهامشية، وذكر فيه: «أقولها للمثقفين العرب، لا للعور الثقافي والفساد الثقافي، لا لخلق معارك هامشية تبدد الوقت والجهد»، داعيا الغيطاني للالتزام بهذه النصيحة وعدم التخلي عنها.

* العباس: تقصير المؤسسة الثقافية

* الناقد السعودي محمد العباس يرى أن الحديث بأن الرواية في السعودية لم تكن معروفة لدى الآخر في أنحاء العالم المختلفة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأنه رأي منغلق على نفسه وغير منفتح، وينمّ عن استعجال وعدم دراية لكامل المنجز الروائي السعودي. لكن العباس لاحظ أن تجاهل بعض المثقفين العرب للأدب السعودي لا يتحملون وحدهم مسؤوليته، «وإنما أيضا هو نتاج لتقصير المؤسسة الثقافية في السعودية، والمثقفين السعوديين في عدم قدرتهم في إيصال الأعمال الروائية السعودية الحقيقية إلى المتلقى العربي والشارع الثقافي عموما». وقال العباس إنه عند جرد أي حساب للمشاركات السعودية في الملتقيات العربية الأدبية سيكشف عن أسماء غير ملمة بالمنجز الروائي السعودي، بل لا صلة لها بالرواية على الإطلاق، مضيفا أن هذا من شأنه أن يقدم صورة ضعيفة ومهزوزة ومشوشة للمنجز الروائي السعودي، لدرجة أن الآخر العربي لا يعرف من الروايات الحقيقية التي تتناول قضايا على درجة من الحيوية والأهمية، تكون مكتوبة بأسلوب وتقنية فنية رفيعة المستوى. ويعتقد العباس «أن الدور نفسه تلعبه البرامج التلفزيونية التي غالبا ما يستضاف فيها أصوات لا تعرف شيئا عن الرواية السعودية أصلا، سواء كانت محلية أو عربية. ومن هنا يأتي التعميم، لكون أن الرواية السعودية تتعامل مع المحرمات والجسد على وجه التحديد، مشيرا إلى أنه كان الأولى أن يكون للمهتمين والمتابعين فرصة تقديم المنجز الروائي السعودي في المنابر الداخلية والخارجية كما ينبغي».

ويرى العباس أنه من الضرورة بمكان أن يتم تقديم الوجوه المتعددة للفن الروائي في السعودية، مؤكدا توافر المرجعيات النقدية والكتب المهتمة بذلك حاليا، بما يفي بالغرض. وهو يأمل أن يكون للمهتمين بالرواية السعودية فرصة التمثيل الحقيقي من ذوي الدراية بمعرفية وجمالية مجمل المنجز الروائي السعودي من الوجهة التاريخية والفنية، وحتى على مستوى المضامين عند مجادلة ومحاورة الآخر في المنابر العربية، مبينا أن هذا الأمر لا يتحقق إلا عند التصدي لهذه المهمة من قبل العارفين بالشأن الروائي والذين يملكون القدرة على مقارنة المنجز الروائي في السعودية بمنجز الآخرين. وهذا الدور الذي يدعو له العباس لا يريده أن يكون من باب المفاصلة، وإنما من منطلق التواصل والتفاعل، باعتبار أن الرواية نتاج إنساني ومخترع ثقافي عابر للثقافات، ولا يمكن أن تقارب الرواية في السعودية بمعزل عما يطرأ على الفكر الروائي العربي بشكل عام.

وفيما يتعلق برأي الغيطاني، يقول العباس إن ذلك مجرد عنوان إعلامي لا يمكن الركون إليه، مؤكدا أن حقيقة المنجز الروائي السعودي تستحق وقفات جادة وموسعة على مستويات متعددة.

* الهاجري: لأحداث 11/9 دورها

* من جانبه، أوضح الناقد السعودي الدكتور سحمي الهاجري لـ«الشرق الأوسط» أنه قد يكون لأحداث الحادي عشر من سبتمبر يد طولى في زيادة انفتاح العالم على الأدب السعودي، لمعرفة تفاصيل أوفى عن المجتمع، سواء كان ذلك على المستوى الفكري أو الثقافي أو الاجتماعي، أو إلى ما نحو ذلك.

لكن الهاجري يؤكد أن الأدب السعودي لم يكن حبيس أدراجه المحلية قبل ذلك، مشيرا إلى أن هناك أحداثا أخرى سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكان لها أثر كبير في تحولات المجتمع السعودي وبالتالي تلوين تيارات الكتابات الروائية والقصصية والشاعرية وبقية الفنون الأخرى، كونها تعبر عن هذه التحولات وترصدها بشكل أو بآخر، ومن أمثلة هذه الأحداث حرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية، وما يحدث في المحيط القريب والبعيد من أحداث، إذ أن السعودية لم تكن في جزيرة معزولة عما يحدث من العالم. وبخلاف ما يراه محمد العباس، فإن الدكتور سحمي الهاجري لا يرى أن هناك قصورا في المشاركات السعودية على مستوى الساحة الثقافية والأدبية خارجيا، إذ أن الكثيرين ممن مثلوا الأدب السعودي كانوا جديرين بذلك، واستطاعوا أن يعكسوا صوت المجتمع السعودي في الخارج.

* الحرز: وضعونا تحت المجهر

* الناقد محمد الحرز، أقر بحقيقة الأثر الكبير الذي تركته أحداث الحادي عشر من سبتمبر على شعوب المنطقة، وخصوصا المجتمع السعودي، وبالتالي على منتوجاته الإبداعية والثقافية التي هي لسان حال الواقع المعاش.

وقال الحرز: «إن هذا الأثر حرك المياه الراكدة على أكثر من صعيد، سواء على صعيد الهوية وعلاقتها بالوطن، أو على صعيد العلاقات الاجتماعية الدينية، أو على صعيد العلاقات السياسية الدولية، أو على صعيد الأدب. وهكذا أصبح المجتمع السعودي يتحرك بوتيرة أسرع من ذي قبل، وفي جميع الأبعاد والاتجاهات، الأمر الذي طبع بعض الفوضى على هذه الحركة وألبسها لباس الاحتدام والجدل والعنف في بعض جوانبها من خلال ردود الأفعال حول بعض القضايا والمراجعات التي تبناها هذا التوجه من الناس أو ذاك».

وأضاف الحرز: «إن المجتمع السعودي كان في وضع كهذا تحت المجهر، أي تحت أنظار العالم، وكان السؤال الكبير الذي يحرك هذه النظرات برأيه هو ما هو المجتمع السعودي؟ ليس غريبا، إذن، الاهتمام بالرواية السعودية من باب الكشف والفهم من جهة، والنقد والمعالجة من جهة أخرى، باعتبار أن مثل هذا الاهتمام يطال جميع فئات المجتمع بأبعاده الثقافية والاجتماعية والسياسية والأدبية». وأقر الحرز بأن وتيرة التسارع التي حركت المجتمع وبالتالي حركت أفكاره وتصوراته وموروثاته للظهور والبروز سواء على مستوى الإنتاج الأدبي أو الفكري والديني أنتجت أعمالا روائية وفكرية مبتذلة وسطحية وأيضا مؤدلجة ومتورطة في سياق الجدل القائم حول تداعيات الحادي عشر من سبتمبر، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه أيضا ساهم التوظيف السياسي للأدب، خصوصا في سياق تكسير الصورة السلبية عن المجتمع السعودية بعد أحداث سبتمبر، وما صاحب هذا التوظيف من دعم مادي ومؤسساتي، بشكل فاعل في إضفاء المشروعية على بعض الأعمال الروائية السطحية، و«كل ذلك صحيح من وجهة نظر واقعية».