الحرب وسيلة أخرى لنشر الفكر

إيفان توماس الصحافي المخضرم في «نيوزويك» يكتب عن أميركا الأمس واليوم

عشاق الحرب المؤلف: إيفان توماس الناشر: ليتل آند براون، نيويورك
TT

صدر مؤخرا كتاب «وور لافرز» (عشاق الحرب) بقلم إيفان توماس، وهو كبير الصحافيين في مجلة «نيوزويك». ومن الكتب التي كتبها خلال السنوات القليلة الماضية: «انتظرنا كثيرا» (عن أوباما، أول رئيس أميركي أسود). و«أحسن الرجال» (عن تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية). و«العودة من الموت» (عن انتصار الرئيس كلينتون على بوش الأب سنة 1992).

يتلخص الكتاب في ما حدث قبل مائة سنة تقريبا، عندما أعلنت الولايات المتحدة الحرب ضد بقايا الإمبراطورية الإسبانية في أميركا الوسطى والجنوبية، وخاصة عندما غزت كوبا. ويبدو واضحا أن للموضوع صلة بما حدث خلال العشر سنوات الماضية التي شهدت تدخل الولايات المتحدة العسكري في الشرق الأوسط، وخاصة عندما غزت العراق.

وأيضا، يبدو واضحا أن غزو كوبا يشبه غزو العراق في أكثر من ناحية:

أولا: قاده رئيس جمهوري متدين ومتحمس، وثانيا دق طبوله إعلام أثار خوف الناس، وثالثا، أيده الكونغرس بشدة.

اسم الكتاب بالتفصيل

واعتمد الكتاب، الذي حمل عنوانا فرعيا هو: «روزفلت، ولودج، وهيرست، وبناء إمبراطورية أميركية»، على سرد تاريخي شخصي، أي إنه ركز على دور هؤلاء الرجال الثلاثة. وصف الكتاب ظروف غزو كوبا سنة 1898 بأنها كانت مثل «نيوروسس» (حالة نفسية متوترة). وأن استراتيجية الغزو كانت «شرويد» (ماكرة). وأعطى الكتاب لكل واحد من الرجال الثلاثة دورا معينا:

أولا: الرئيس ثيودور (تيدي) روزفلت: متدين، وينتمي إلى الحزب الجمهوري. وكانت شخصيته مثل «كاوبوي»، وكان شعاره: «احمل عصاك وامش في هدوء». (حتى قبل صدور هذا الكتاب، كان خبراء وأكاديميون قد ربطوا بين شخصيتي تيدي روزفلت وجورج دبليو بوش).

ثانيا: السناتور هنري لودغ: الذي قاد تحالف الكونغرس مع البيت الأبيض، وخطط لاستراتيجية موافقة الكونغرس على الحرب. إذن، لا بد من البحث عن مثيل للرجل بعد مائة سنة، عندما أعطى الكونغرس الرئيس بوش حق غزو العراق، وتم اختيار السناتور جوزيف ليبرمان.

ثالثا: وليام هيرست، أكبر ناشر صحف في ذلك الوقت، وأبو الإثارة الصحافية، وصاحب صحيفة «نيويورك جورنال» المثيرة. قاد الحملة الإعلامية في حملة تخويف واضحة بأن كوبا ستكون قاعدة لتوسعات إسبانية (كاثوليكية) في المنطقة. وليس صعبا ملاحظة التشابه بين تلك الحملة الإعلامية والحملة الإعلامية التي صاحبت احتلال العراق.

وما أشبه الليلة بالبارحة.

عارضت الحرب أقلية قليلة جدا في الكونغرس وفي الإعلام وفي مراكز الأبحاث. عارضت في شجاعة، واتهمت بخيانة الوطن، مثل عضو الكونغرس توماس ريد (ركز على الجانب السياسي، وقال إن الحرب ستؤذي الولايات المتحدة سياسيا، وستزيد غضب الشعوب اللاتينية عليها). ومثل وليام جيمس، أستاذ جامعي (ركز على الجانب الأخلاقي، وقال إن «النظرية الروزفلتية» نظرية عنف واستعلاء).

بعد مائة سنة، ربما يمكن تشبيه عضو الكونغرس ريد بالسناتور كنيدي الذي عارض حرب العراق. وتشبيه جيمس بأستاذ جامعي مثله: بوكوفتش (في وقت لاحق، قتل ابنه الجندي في العراق).

يوم 15 - 2 - 1989، انفجرت المدمرة الأميركية «مين» في ميناء هافانا في كوبا. لم يكن هناك دليل على أن الإمبراطورية الإسبانية وراء الانفجار، لكن، هبت صحف الإثارة بقيادة «نيويورك جورنال»، وأعلنت أن الإسبان يريدون غزو الولايات المتحدة. وقالت: «اليوم الإسبان، وغدا الفاتيكان». وهذه إشارة ضمنية إلى صراع تاريخي بين الكاثوليك والبروتستانت. ولأن الولايات المتحدة بنيت على أسس مسيحية بروتستانتية (في الحقيقة، هرب المهاجرون الأوائل من أوروبا إلى الدنيا الجديدة بسبب مضايقات الكنيسة الكاثوليكية وتحجرها)، أثار الموضوع نعرة دينية قوية.

وخوفت الحملة الإعلامية الأميركيين بأن بابا الفاتيكان سيكون «الحاكم بأمر الله» إذا توسع النفوذ الإسباني الكاثوليكي في المنطقة، وهزم الولايات المتحدة.

ومثل «عدوان» فيتنام الشمالية على السفن العسكرية الأميركية في خليج تونكين (سنة 1967)، ومثل «أسلحة الدمار الشامل» في العراق (سنة 2003)، صار انفجار المدمرة «مين» القشة التي قصمت ظهر البعير.

جاء في الكتاب: «قبل سنوات من انفجار (مين)، بدا التشوق للحرب. وقبل سنوات، بدا عشاق الحرب يخططون». وأشار الكتاب إلى أكثر من عامل:

أولا: نهاية التوسعات الأميركية نحو ولايات الغرب، والوصول إلى الساحل الباسفيكي، وضمان هزيمة الهنود الحمر.

ثانيا: انتشار نظرية داروين «البقاء للأصلح»، التي زادت قناعة كثير من الأميركيين بأنهم الأصلح، وأن شعوب العالم الثالث، أو، على الأقل، مبادئ شعوب العالم الثالث، ليست «الأصلح».

ثالثا: ظهور موجة دينية لتعديل الدستور الأميركي لتأكيد أن الولايات المتحدة «دولة مسيحية»، واعتبار ذلك منطلقا للسياسة الخارجية الأميركية.

لا بد من الإشارة إلى أن توماس إيفانز، كاتب الكتاب، صحافي ليبرالي. ويعني هذا أن الكتاب، الذي صدر في الأسبوع الماضي، سيواجه نقدا من الصحافيين والخبراء والسياسيين المحافظين، وخاصة الذين أيدوا، ويؤيدون، حرب العراق، ويرونها جزءا من «مسؤولية أخلاقية» أميركية لنشر الحرية في العالم.

وعلى أي حال، لا يمكن اعتبار الكتاب مقارنة بين غزو كوبا وغزو العراق، ولا يشير الكتاب إلى هذه المقارنة إشارة مباشرة. لكن، يبدو التشابه واضحا.

لماذا تحالف الرجال الثلاثة (الرئيس روزفلت، والسناتور لودغ والناشر الصحافي هيرست)؟ يقول المؤلف: «ربما لأنهم شكوا في وطنية آبائهم الذين لم يحاربوا في الحرب الأهلية». ويشير بهذا إلى الحرب التي وحدت الولايات المتحدة قبل غزو كوبا بنصف قرن، وكذلك إلى إحساس عام في ذلك الوقت بأن توحيد الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية لم يكن الهدف، ولكن كان وسيلة لنشر الفكر الأميركي في كل العالم.

وتحدث الكتاب عن نقطة أخرى سماها «استعلاء الفكر الأنجلوسكسوني». وفي رأيه لم يكن غزو كوبا فقط من أجل ضمان أنها لن تكون، وهي القريبة من ساحل ولاية فلوريدا، قاعدة إسبانية. ولم يكن فقط لطرد الإمبراطورية الإسبانية من الجزء الغربي من الكرة الأرضية نهائيا، وكذلك لم يكن فقط لفتح الباب أمام شركات الموز والسكر والخمور والمقامرة الأميركية لتحول كوبا إلى منتجع للهو والراحة والمتعة، ولكن كان الغزو، وهو الأهم، محاولة لنشر الفكر الأميركي الأنجلوسكسوني.