«القبائل العشر الضائعة».. أين تختفي؟

كثير من اليهود والمسيحيين حاولوا منذ آلاف السنين تقفي أثرها وما زال البحث عنها مستمرا

عنوان الكتاب: «قبائل بني إسرائيل العشر الضائعة: تاريخ للعالم»
TT

طبقا لما تذكره التوراة، فإن مملكة سليمان انقسمت بعد وفاته بسبب حرب أهلية إلى قسمين، السامرة في الشمال ويهودا في الجنوب، وكانت تسكن في يهودا قبيلتان هما يهوذا وبنيامين والقبائل العشر الأخرى سكنت السامرة. وطبقا للتوراة والحوليات الأشورية، فإن الأشوريين قضوا على السامرة وأسروا كثيرا من سكانها فأطلق على هؤلاء الأسرى «القبائل العشر الضائعة». ويأتي هذا الكتاب بعد مئات الكتب التي صدرت خلال القرون الماضية التي تبحث في موضوع ما يسمى بقبائل بني إسرائيل الضائعة. ومع أن هذه القبائل كانت قد اندمجت في الشعوب التي عاشت بينها وأصبحت جزءا منها وفقدت تميزها فإن كثيرا من اليهود والمسيحيين حاولوا تقفي أثرها ولم يفقدوا الأمل في العثور عليها وما زال البحث عنها مستمرا إلى اليوم. ويتتبع المؤلف في كتابه المصادر التي أشارت إلى وجود هذه القبائل منذ القرن الأول للميلاد فيذكر ما قاله فلافيوس يوسيفوس المؤرخ اليهودي - الذي عاش في القرن الأول الميلادي - عن وجود هذه القبائل عبر نهر الفرات «ولا يمكن عدها لكثرتها». ثم يذكر المؤلف فيما بعد عددا من المغامرين والمبشرين والرحالة والمدعين من يهود وغير يهود ممن بحثوا عن هذه القبائل وتقفوا أثرها وأكدوا وجودها في مكان ما بحسن نية أو ادعاء.

فكان من هؤلاء شخص يهودي من القرن التاسع الميلادي اسمه إلداد الداني وهو سمى نفسه الداني نسبة إلى إحدى هذه القبائل وهي «دان» وهو قد ادعى أن عددا من هذه القبائل يوجد في منطقة في إثيوبيا وأن لها ملوكا وهي في حرب مع جيرانها وأعطى لها وصفا مبهرا لثرائها وعددها وقد انتشر ادعاء هذا الشخص بين اليهود وغير اليهود من الشرق إلى الأندلس.

ثم كان من هؤلاء بنيامين التطيلي صاحب الرحلة المعروفة من القرن الثاني عشر الذي زار عشرات المدن وتحدث فيها عن الجاليات اليهودية وذكر أن بعض هذه القبائل تعيش في إيران وبعضها في الجزيرة العربية ومع أن الرجل لم يلتق هذه القبائل ولا رآها وأعطى أعذارا لصعوبة الوصول إليها فإنه مع ذلك وصف حالها وذكر رقما لمدنها وأسماء ملوكها وبحبوحة عيشها وكأنه رآها رؤية العين.

ثم ظهر شخص يهودي آخر في القرن السادس عشر اسمه داود الراؤوبيني وهو أيضا نسب نفسه إلى قبيلة ضائعة هي «راؤوبين» وادعى أنه من هذه القبائل التي تعيش في مكان ما في الجزيرة العربية وأن عدد أفرادها يصل إلى مئات الآلاف وأن أخاه يوسف هو الملك عليها وأن لها جيشا يصل تعداده إلى 300 ألف شخص وهو نفسه قائده وهي في حروب مع جيرانها. وكان هذا المغامر قد ظهر فجأة في إيطاليا وقال إنه قادم لمقابلة البابا وتسليمه رسالة من أخيه الملك فقابل البابا كلمنت السابع واقترح عليه التعاون ومحاربة المسلمين وأخذ فلسطين منهم. كما ظهر يهودي رحالة في القرن السابع عشر اسمه ليفي مونتزينوس ادعى أنه التقى بأفراد من هذه القبائل في أميركا اللاتينية وسمعهم يقرأون الصلاة اليهودية «الشمع» بالعبرية، وقد أقسم على ذلك أمام محكمة دينية يهودية في هولندا. وفي هذا القرن نفسه ظهرت شائعات بظهور مئات الآلاف من أفراد هذه القبائل عندما ادعى شبتاي صبي أنه المسيح المخلص حيث تبعه كثير من اليهود من اليمن إلى بولندا وقد أشيع أن هذه القبائل قد حاصرت مكة وتطالب السلطان العثماني بإعطاء فلسطين لليهود لفك الحصار عنها. وقد صدق الكثير من الناس هذه الإشاعات إلى حد أن بعض المسلمين لم يذهبوا إلى مكة في تلك السنة لأداء الحج.

وكان المبشرون قد توافدوا على العالم الجديد بعد اكتشافه ليس فقط للتبشير ولكن أيضا للبحث عن القبائل الضائعة ولم يتردد بعض هؤلاء في التأكيد على أن السكان الأصليين هم من القبائل الضائعة وأخذوا يقارنون بين العادات والتقاليد والسلوك والطقوس عند هؤلاء وما عند اليهود بل حتى في اللغة. وأخذوا يذكرون بعض المفردات على أنها من اللغة العبرية بل إن أحد هؤلاء نشر كتابا من عدة أجزاء يؤكد فيه أن السكان الأصليين في أميركا هم من القبائل الضائعة.

وفي القرن الثامن عشر أعلن الرحالة الأسكتلندي جيمس بروس الذي ذهب لاكتشاف منابع النيل أنه عثر على مجموعة من القبائل في إثيوبيا لها تقاليد وممارسات يهودية يطلق عليهم الفلاشا فاعتقد اليهود أن هؤلاء من القبائل الضائعة وتابعوا هذه الأخبار وتقفوا آثار الفلاشا وبحثوا عنهم واتصلوا بهم وتوج عملهم بتهجيرهم إلى إسرائيل في القرن العشرين كما هو معروف.

وفي القرنين التاسع عشر والعشرين، أخذ بعض المبشرين يكتبون عن القبائل الضائعة ووجودها في الصين وأفغانستان والهند وغيرها. وكان اليهود على علم بهذه التقارير لذلك أنشأت مجموعة من الشخصيات الصهيونية المعروفة لجنة عند ظهور إسرائيل، رأسها اسحق بن زفي - رئيس دولة إسرائيل لاحقا - وهدف اللجنة كما ذكر مؤسسوها هو جلب هؤلاء إلى إسرائيل حيث جاء في نص أهدافها: «والآن مع إنشاء دولة إسرائيل يكون من واجبنا النبيل أن نجلب هؤلاء الإخوة المبعدين والمنفصلين ونرجعهم إلينا وعلينا تزويد هذه القبائل بالتربية والمعرفة الدينية ومساعدتها على الهجرة إلى إسرائيل»..

ومعروف أن في الكنيست اليوم لجنة خاصة تهتم بهذا الأمر وأن هذه اللجنة، كما يذكر مؤلف الكتاب، قد ناقشت في السنين الأخيرة جلب مجموعة من الهند - من منطقة ميزورام - يسمون بني منسه، إلى إسرائيل. وأعلنت الحكومة أنها ستجلب بعض الآلاف منهم هذه السنة. ويقدر عدد هؤلاء بأكثر من مليوني شخص، كما جلب مئات من هؤلاء من البيرو أيضا على أنهم من هذه القبائل. وهناك اليوم أكثر من منظمة غير حكومية تبحث عن هذه القبائل وتقوم بنشاطات واسعة وجدية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بالتعاون مع الدولة في تهيئة هؤلاء في الهجرة إليها.

*إكاديمي عراقي