رواية أخرى تضاف إلى منجز أدب السجون

«العاجز» للروائي الكردي صلاح الدين بولوت

غلاف الكتاب
TT

لا يعرف القارئ العربي الكثير عن الأدب الكردي، خصوصا الرواية، بسبب قلة الترجمات، فحركة الترجمة إلى اللغة العربية تذهب نحو مناطق لغوية معروفة ومكرسة وبعيدة في أغلب الأحيان، كالإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والألمانية، وغيرها من اللغات العالمية.

ويتحمل الأدباء والمترجمون الأكراد، الذين يجيدون اللغة العربية (كأهلها) قسطا كبيرا من هذه المسؤولية، بسبب تقاعسهم عن ترجمة الأدب الكردي إلى اللغة العربية، رغم الأواصر والروابط التاريخية والجغرافية المعروفة بين الشعبين العربي والكردي.

الرواية الكردية حققت حضورا كبيرا في المشهد الثقافي الكردي، خصوصا في العقدين الأخيرين، بسبب انتشار المراكز الثقافية الكردية، ليس في تركيا فحسب، وإنما في الكثير من دول العالم، خصوصا أوروبا، وظهور العشرات من المؤسسات ودور النشر التي تدعم جهود الكتاب الأكراد الجدد، وتتيح لهم طباعة أعمالهم بسهولة ويسر مقارنة بالعقود السابقة؛ حيث كانت الأعمال الإبداعية المكتوبة باللغة الكردية تظل حبيسة الأدراج أو تطبع طباعة يدوية وتوزع على حفنة قليلة من القراء والمهتمين.

لقد غادرت الرواية الكردية مناطقها الأولى إلى مناطق بعيدة ونائية كانت مجهولة تماما للقارئ الكردي، وتبنت أساليب وطرقا سردية جديدة بعيدا عن الإنشاء الذي وسم أغلب الروايات الكردية الكلاسيكية التي تأثرت تأثيرا مباشرا بتيار الواقعية الاشتراكية في الأدب، خصوصا في القصة والرواية.

ولد صلاح الدين بولوت سنة 1954 في قرية ديريك على أطراف مدينة ماردين التاريخية المعروفة، درس التربية في جامعة ماردين، وعمل في مجال التعليم لسنتين في القرى التابعة لقضاء ماردين، اعتقل بسبب نشاطه السياسي سنة 1981، بعد الانقلاب العسكري في تركيا سنة 1980، لمدة ثماني سنوات قضاها في سجن ديار بكر العسكري، وبعد إطلاق سراحه سنة 1989 دأب على نشر أعماله الأدبية التي لفتت الأنظار إليها لجرأتها في نبش الواقع الكردي في تركيا.

من أهم أعماله «الجنة الخرساء» مجموعة قصصية 2006، وهذه الرواية «العاجز» التي قدمته بقوة إلى المشهد الروائي والقصصي الكردي، وترجمت فور صدورها إلى اللغة التركية.

تنهض ملاحقة أثر السجن، وإدانة القمع، والتطلع إلى الحرية، كأهداف بالغة الوضوح في هذه الرواية القصيرة التي تنضاف إلى منجز أدب السجون، الذي قدم أمثلة بارزة عن تمظهرات العنف السلطوي ضد الرغبة الإنسانية في الانعتاق من الشرط القاسي المفروض على بعض المجموعات العرقية والاجتماعية والسياسية. ما يميز هذه الرواية، تحديدا، مقاربتها الشفيفة للشخصية من الداخل، عبر إبرازها لضعف بطل الرواية وعجزه، جراء التعذيب الرهيب الذي تعرض له في المعتقل، وأثر ذلك كله على دوره، وقد أفضى به المآل إلى العزلة والضياع وفقدان الذاكرة، وكذلك على المحيط العام أيضا؛ حيث التهميش، وفقدان الحب، والهجرة.

وهي أثمان تدفعها البلدان جراء إقصاء الآخر، والتنكر لحرياته، وعدم الاعتراف بحقوق الإنسان الأساسية.

المهم في الأمر أن مقولات الرواية تأتي عبر رقاع فني فاخر، ينأى بنفسه عن بعض مطبات هذا النوع من الكتابة، وهي مطبات قد تكون «موضوعية» في بعض السياقات، كالمباشرة، والتحريض، والشعارية، وغير ذلك مما قد نجده في بعض الروايات التي تقع في مغريات هذه الفخاخ.

بدلا من ذلك تلجأ الرواية إلى أساليب أكثر نجاعة في السعي نحو هدفها أو أهدافها الجمالية، من خلال مكونات متعددة، مثل السرد، والوصف، والمناجاة، والحوار، وغير ذلك؛ حيث تتضافر هذه العناصر مجتمعة لترسم اللوحة العامة للمشهد.

اللغة في الرواية تنحو نحو التكثيف، عبر طرد الاستطالات والزوائد، فيتم التركيز على ما هو أساسي في الأدوات الفنية التي تأتي منسجمة مع الرؤية العامة للرواية، حيث الاتساق الشكلي والمعنوي معا.

وهي ميزة تحسب للرواية، بالطبع، التي تستمد تجربتها من الأفق العام الذي افتتحته نماذج الرواية الجديدة، وكانت، بحق، إضافة لهذا التيار الذي ساد وتكرس بقوة في المشهد الروائي العالمي.

بين الحلم ولصقة الحياة يفقد زيهات القدرة على الفعل:

«أدار زيهات ظهره للمرأة، لبس ثيابه وخرج، توقف دماغه، لم يكن يعرف ماذا سيفعل، وأين سيذهب. لم تكن لديه الرغبة لا في الموت ولا في الحياة، دخل زقاقا، ومنه إلى زقاق آخر وهكذا فقد ذاكرته. وضاع...».

تجدر الإشارة إلى أن الرواية ترجمت إلى اللغة التركية فور صدورها، كما أن الترجمة العربية ستصدر قريبا عن هيئة التراث والثقافة في أبوظبي ضمن مشروع «كلمة».

«العاجز» منشورات آفيستا، إسطنبول 2008؛ 90 صفحة من القطع المتوسط.