خالد البري يتحرر من الأصولية بالأدب والرقص الشرقي

استكمل مشوار ارتداده عن الجماعات الجهادية

غلاف كتاب «رقصة شرقية»
TT

طريق طويل قطعه خالد البري بين نقطتين، في النقطة الأولى كان يستعد للجهاد المقدس ويكفر المجتمع ويتدرب لهدم مؤسساته، وفي الثانية أعلن تمردا على التمرد. تخلى الأصولي خالد البري عن ماضيه وفضح تفاصيله، فبعد انغماسه في صفوف الجماعات الأصولية بمصر واعتقاله اعتكف طويلا للمراجعة، ثم دون تجربته في كتابه «الدنيا أجمل من الجنة: سيرة أصولي مصري سابق». وعلى مدى سنوات اختار الأدب والصحافة مستقبلا له يمارسهما بعيدا في بلاد الضباب. واليوم يبدو أنه استغرق في التحرر من ماضيه فدارت أحداث روايته الجديدة «رقصة شرقية» حول الرقص الشرقي.

يقول البري لـ«الشرق الأوسط»: «يمثل الرقص الشرقي لي كمغترب يعيش في لندن ملمحا من ملامح الهوية. أشاهد العشرات يبحثون عن معاهد ومراكز أكاديمية لتعلمه. هناك حالة من الولع بالشرق وثقافته تترجم في شكل دراسات تتناول حركاته وتاريخه، بل اعتبره أداة للتحرر والتطهر وغسيل الروح».

وتدور أحداث «رقصة شرقية» حول «كاتيا» وهي فتاة من أم مصرية وأب لبناني، لديها رغبة ملحة في تعلم الرقص الشرقي وفنونه لكن أمها ترفض بشدة وتقمع رغبتها. رغم أن الأم تقدم على ما هو أكثر ابتذالا قياسا على تقاليد المجتمع الشرقي وعاداته.

يقول البري في روايته كاشفا سحر تفاصيل جسد الأنثى: «متى اخترع الإنسان صيغة السؤال؟ وكيف رسم علامة الاستفهام؟ مستديرة في قمتها ومنقوطة في القاع، كعجوز محنية الظهر تخفي مفتاحا تحت قدميها. علامة الاستفهام امرأة بالتأكيد. انسيابيتها لا تشبه أجسام الرجال المخلوقة على هيئة الأرقام الإنجليزية الحادة (وان، سيفين وفور). النساء يشبهن ما تبقى: (تو) امرأة تتوب، و(ناين) امرأة تتقلب على سرير القلق، (فايف) امرأة حبلى تنظر إلى المستقبل بترقب، و(ثري) امرأة تستثمر فقط في أنوثة تتآكل، لكن (إيت) هي المرأة كاملة الأنوثة - انسيابية وملفوفة ومراوغة ومرنة، دون أذى، ولا سوء طوية. والمرأة من ثم تشبه - حين تكون ممددة كما كاتيا الآن على سريرها - علامة اللانهائي، التي لا يستطيع أحد أن يسبر حدودها. وهكذا هي. حياتها دائرة كبيرة فيها دوائر صغيرة. ربما فقاعات صابون، أو حتى كلبشات، كما قال زوجها السابق. والحمد لله أنها اليوم ستنتقل من هنا، مرة أخرى إلى حياة جديدة، سترمي فيها - كالعادة - القديم وراء ظهرها، كما ترمي الشمس ظلام الليل بكل ما غطى وما كشف، حتى في يوم غائم كذاك، بدا في بدايته أن الحياة توقفت».

والبري الذي يقيم في لندن ويعمل في «هيئة الإذاعة البريطانية» ولد في سوهاج بصعيد مصر عام 1972 ثم التحق بمدرسة الفرنسيسكان ثم بكلية الطب جامعة أسيوط، قبيل أن تجنده الجماعة الإسلامية في الثمانينات مع بداية أعنف فترات المواجهة بين الإرهاب والأمن المصري. وبعد خروجه من السجن مارس ما يشبه المراجعة الذاتية لأفكاره، ثم كتب عن تجربته في ملحق جريدة «النهار» اللبنانية، وبعد نصيحة من المشرف على الملحق دون تجربته كاملة في مذكرات بعنوان «الدنيا أجمل من الجنة: سيرة أصولي مصري سابق» كانت خلاصة تفرغه لمدة عام، ولاقت المذكرات اهتماما نقديا وجماهيريا، فور نشرها في صحف مصرية وعربية، كما طبعت ثلاث مرات، مرتين في القاهرة عن «دار ميريت»، وأخرى عن «دار النهار» في بيروت.

كانت فترة الاعتقال القصيرة نسبيا هي الصدمة الحقيقية التي أجبرته على إعادة النظر. خلال خمس سنوات تالية انغمس في القراءة، في الأدب والفلسفة والفكر أعلن في نهايتها تمرده على الأصولية ثم دون تجربته المثيرة الحبلى بالمسكوت عنه في صفوف حياة الأصوليين، ومشاعر الحب المكبوتة.

بعد نجاح «الدنيا أجمل من الجنة» كتب البري رواية أخرى هي «نيجاتيف» عام 2004، اختار لنفسه طريق الكتابة والأدب كترياق للتطرف ثم واصل تحرره وتمرده على ماضيه بالبوح على إيقاعات الرقص الشرقي.