صلاح القرشي: أخشى على الروائيين الجدد من الصراخ الآيديولوجي

الروائي السعودي: أعمالي انعكاس للبيئة الحجازية الخصبة

صلاح القرشي («الشرق الأوسط»)
TT

على مدى روايتين، هما «بنت الجبل»، و«تقاطع» يعالج الروائي والقاص السعودي صلاح القرشي تفاصيل المكان الزاخر بالثيمة التراثية، محاولا ضمن مجموعة قليلة من أدباء الحجاز تحويل الموروث الشعبي لمكة المكرمة إلى عمل سردي يضج بالتفاصيل الدقيقة لحياة ساكنيها. تجربة القرشي سواء الروائية أو القصصية تستسقي من التراث الحجازي معينا لها، ومفردة متميزة داخلها.

ورغم قلة أعماله المنشورة، فإن القرشي استطاع أن يحقق سمعة أدبية من خلال نتاجه الأدبي الذي يتطور سريعا، «الشرق الأوسط» التقت الأديب السعودي صلاح القرشي في جدة وأجرت معه الحوار التالي:

* يعود تاريخ نشر أول مجموعة قصصية لك إلى 6 سنوات ماضية، على الرغم من أنك بدأت الكتابة مبكرا، لماذا تطلب منك النشر كل هذه المدة الزمنية؟

- فعلا، بدأت النشر متأخرا عام 2004، في حين أن بداياتي في الكتابة تعود لمرحلة مراهقتي التي يمكن وصفها بالكتابات الرومانسية الحالمة، إضافة إلى بعض المحاولات الشعرية التي أيقنت منها ألا علاقة لي بالشعر. وتطور الأمر بعد ذلك. ويمكن أن أعزو السبب - ربما - إلى حاجتي لبعض التشجيع ولم أقدم على هذه الخطوة، إلا بعد أن تحقق لي ذلك من خلال أصدقاء مقربين وبدأت النشر من خلال الصحف ومواقع الإنترنت، ثم بدأت بالنشر بشكل جاد مدفوعا بمطالبة الأصدقاء بتسجيل التجربة ووجدت نفسي أسير في هذا الطريق.

* تقول في مدونتك إنك لا تجد نفسك إلا في الكتابة. ماذا تمثل الكتابة الأدبية بالنسبة إليك؟

- أعتقد أن أي كاتب هو في رحلة بحث دائمة عن نفسه من خلال الكتابة، وأشعر أن الكاتب في محاولة مستمرة لإعادة خلق أحلامه ورسمها من جديد بواسطة كتابته في كل مرة، يضاف إلى ذلك بعض الحساسية الزائدة التي يشعر بها أي كاتب، مع حالة قلق وحالة بحث دائمة تجعله يمارس شيئا من التفريغ أو التنفيس من خلال الكتابة، وأعتقد أن أمامي الكثير لقوله من خلال كتاباتي، فما زلت في البداية.

* القارئ لأعمالك الأدبية يجد روح المكان وبشكل خاص الحضور الطاغي لبيئتك المحلية (مكة)، فهي حاضرة بقوة في العمل الأدبي من البداية وحتى النهاية. كيف تفسر هذا الارتباط؟

- أعتقد أن بروز المكان من خلال العمل الأدبي يمنحه شيئا من الصدق والحميمية، وقد لا أكون تعمدت إبراز المكان بهذا الشكل، ولكن يمكن أن أعزو ذلك لالتصاق المكان بي بشكل كبير. وإعادة الحنين إلى المكان هو ما أبرز هذا المكان في أكثر أعمالي. فالكتابة من خلال المكان فيها شيء من الذاتية، ويمكن أن أقول بأن كل كتاباتي فيها الكثير مني.

* ما مدى استلهامك للتراث المكي واستخدامه لخدمة نصوصك الأدبية؟

- مكة المكرمة بيئة خصبة جدا للكتابة، وخاصة في مجال الرواية، هي مدينة متغيرة باستمرار، وفيها تنوع كبير على مستويات عدة، البيئات، والأجناس، واللغات، كما أنها ما زالت تحتضن الحارة القديمة بأبسط صورها، وهو ما تفتقده المدن الحديثة، فالحارة في مكة أشبه ببيت كبير كل سكانه تجمعهم صلات قوية من نوع ما. وهذه عناصر قيمة في أي عمل أدبي وأستلهمها دائما من واقع تقديري العميق لها.

* كيف ترى تطور التجربة السردية غرب السعودية.. كيف تقيم الأعمال الحديثة فيها؟

- البيئة الحجازية عموما بيئة خصبة للروائيين، ومن دون أن نغمط الآخرين حقهم، يمكن القول إن ثراء البيئة الحجازية هو الذي أثرى أعمال كتاب الحجاز، مثل رجاء عالم، وعبده خال، وعبد الله التعزي وآخرين كتبوا أعمالا جميلة جدا، وأعتقد أيضا أن ما يميزهم هو ابتعادهم عن الصراعات الآيديولوجية، والتابو، وكذلك سيطرة الرؤية الإنسانية والتركيز على قضايا الإنسان.

* لكن الأعمال الحديثة للروائي عبده خال قد تخالف ما ذكرته عن ابتعاد كتاب المنطقة عن التابو والصراعات الآيديولوجية؟

- تجربة عبده خال عموما تجربة طويلة لا يمكن اختزالها بعمل أو اثنين، وقد بدأ في أعماله الأولى بالكتابة عن البيئة الجنوبية، ثم كتب عن الحارة الجداوية، وفي آخر أعماله أشعر أنه اتجه إلى إثارة الأفكار التي تتعلق بالتابو، وبالقضايا الآيديولوجية الشائكة، وتقديم خطاب أشبه ما يكون بالمباشر الذي يمكن أن يكون متشائما على الصعيد الاجتماعي، ولكنها تجربته على أي حال وهو الذي يستطيع الحديث عنها.

* ما المآخذ التي يمكن أن تؤخذ حاليا على النتاج الأدبي للمنطقة الغربية من السعودية؟

- أخشى أن ينجر الروائيون الجدد إلى التركيز على مسائل مثيرة إعلاميا لكنها غير عميقة من الناحية الإنسانية، وهي ظاهرة بتنا نلحظها كثيرا في الأعمال الحديثة، وأستطيع القول بأن الخطاب الآيديولوجي إذا لم يكن عميقا بالقدر الكافي ضمن العمل الأدبي فإنه يتحول إلى نوع من الصراخ الذي لا يضيف شيئا ويخلو بشكل أساسي من القيمة الإنسانية المطلوبة في أي عمل أدبي.

* إلى أي مدى ترى بأن هناك تطورا في أسلوبك منذ مجموعتك القصصية الأولى وحتى الآن؟

- لا بد أن يكون هناك شيء من التقدم والتغير، لأن غير هذا يعني الجمود، وإن كنت لا أستطيع حاليا الإشارة بشكل حاسم إلى شكل هذا التقدم واتجاهه، وماهيته، بعض النقاد يشير إلى أن روايتي الأخيرة «تقاطع» أظهرت تقدما متطورا في التكنيك المستخدم في بنية الرواية عن سابقتها، إضافة إلى التنوع في الطرح والموضوعات، واللغة، وأعتقد أنها مسألة طبيعية تتحقق بنضج التجربة ومضي الوقت.

* روايتك «تقاطع» أثارت ضجة إعلامية في المشهد الثقافي، هل أنت راضٍ عنها وهل تعتقد أنها قدمت كل ما تود أن تقوله كروائي؟

- لا أستطيع تقييم نفسي أو أعمالي لكن أشعر بالرضا التام عن «تقاطع» وأعتقد أن النقاد أنصفوا الرواية أيضا، في هذه الرواية أردت أن أقول إن الحياة هي مجموعة من التقاطعات، تقاطع بين الواقع والحلم، والرغبة والقدرة، وبين ما هو اجتماعي وسياسي، ولا نهاية لهذه التقاطعات، فحتى التاريخي يتقاطع مع الحاضر بشكل يفوق تصورنا وهذا ما أوضحته من خلال الإحالة التاريخية في الرواية.

* هل لديك حاليا مشروع روائي جيد؟

- أعمل حاليا على مشروع روائي طويل، وإن كان متعثرا حاليا، لكنه بدأ يأخذ شكله النهائي، فأصعب ما يمكن أن يشعر به الكاتب على الإطلاق هو توقفه عن الكتابة، ولا عزاء لذلك، وإن كنت أحاول أن أعوض ذلك بالقراءة، حاليا أكتب ولكن بشكل بطيء جدا.

* كيف هي علاقتك بالنقاد؟

- أفضل من يقيم أي عمل أدبي من وجهة نظري هم القراء غير المتخصصين والذين يقرأون بهدف المتعة، لأن القراءة النقدية يمكن أن تضيع جانبا كبيرا من المتعة على الناقد والمتخصص الذي يلتقط أبسط خلل فيشوه عليه جمال النص، أما القارئ العادي ينظر إلى العمل نظرة كلية تشبعه جماليا، والوصول لهؤلاء أهم من الوصول للنقاد بالنسبة لي.