كيف نفهم العالم 2010؟

خريطة المتغيرات والأحداث بحثيا وإحصائيا في خمسين مقالة لباحثين متخصصين

غلاف الكتاب
TT

يغطي كتاب «أوضاع العالم 2010» الذي جاء هذا العام تحت عنوان «المنعطف الكبير»، مجمل القضايا المتعلقة بسياسات الدول واستراتيجياتها المستقبلية والرهانات المعقودة في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم على غير صعيد. ويسهم هذا الكتاب الصادر عن دار «لا ديكوفرت» الفرنسية للنشر بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربي التي نقلته إلى العربية للعام الثالث على التوالي (2008 - 2009 - 2010)، في إحاطة القارئ العربي بأكثر القضايا تأثيرا في العالم، وأهم التطورات الحاصلة وما أرسته من معادلات جديدة تتعلق بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية، والعلاقات الدولية، ومجتمعات وتنمية بشرية، وقضايا التنمية والتكنولوجيا والبيئة. ويشتمل الكتاب على خمسة محاور رئيسية هي عناوين لقضايا تتعلق بأزمة النظام الاقتصادي والمالي ومسائل التباينات والجوع والهجرة، إضافة إلى مقالات حول الشرق الأوسط وبؤر التوترات الآسيوية والأزمات في كلٍّ من دارفور والكونغو الديمقراطية وكوسوفو.

يُظهر الكتاب الذي جاء ضمن سلسلة «حضارة واحدة» وهو مشروع أطلقته مؤسسة الفكر العربي قبل ثلاث سنوات لترجمة أهم الإصدارات، أبرز التحولات الحاصلة على مدى عام وارتباطها بالأوضاع إقليميا ودوليا، ويقدم خريطة المتغيرات والأحداث بحثيا وإحصائيا من خلال أكثر من خمسين مقالة لكبار المتخصصين، تعاونهم مئات فرق البحث حول العالم مدعمة بجداول وأرقام ذات دلالات مهمة، تتعلق بالمؤشرات الاجتماعية والثقافية وعلم السكان ومعدلات الإنفاق على التعليم والدفاع في بعض الدول. وقد ارتأت مؤسسة الفكر العربي نشر هذه الجداول الإحصائية بين دفتي الكتاب الورقي، بعد أن أحجمت «لا ديكوفرت» عن هذه الخطوة للعام الثاني واكتفت بإدراج هذه الجداول على موقعها الإلكتروني. كما يصدر الكتاب ضمن قرص مدمج منذ عام 2003 ويدرج على موقع خاص.

سيلفان سيبيل مراسل صحيفة «لوموند» في نيويورك يتناول في محور العلاقات الدولية الجديدة أولويات الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما في ظل سياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه الشرق الأوسط وتحقيق السلام ومواجهة معسكر المحافظين، إضافة إلى أولويات الخطط الاقتصادية لإنعاش القطاع المالي الأميركي الذي يرزح تحت وطأة الأزمة العالمية. وتتناول إحدى المقالات قوة الصين المتصاعدة وإسهام العولمة في سرعة التحولات داخل هذا البلد واندماج الاقتصاد الصيني بالاقتصاد العالمي، كما يعالج هذا المحور الأوضاع السياسية والاقتصادية في روسيا والإدارة المالية فيها والعصرنة المستحيلة في ظل الاستراتيجيات الجديدة التي أطلقتها الكرملين عام 2000. أما في المحور الثاني المتعلق بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية، فيركز المحللون على طبيعة الأزمة المالية وتداعياتها والتحديات التي يواجهها العالم لمواجهة الجوع والرهان على الطاقة. ويبرز محور مجتمعات وتنمية بشرية التباينات الاجتماعية في المدن الأميركية وقضايا الهجرة، أما في المحور المتعلق بالبيئة والتكنولوجيات الحديثة فيتعرض الباحثون لموضوعات مكافحة التغير المناخي والاتفاقيات المعقودة بهذا الشأن إلى جانب قضية في غاية الأهمية هي قضية اللاجئين البيئيين، إذ تتوقع التقديرات تراوح عدد النازحين البيئيين بين 200 مليون ومليار شخص بحلول عام 2050. أما في محور الرهانات الإقليمية، فيتم تسليط الضوء على أبرز الاتجاهات الدولية الجديدة وأهمها عودة العلاقات الروسية الأميركية، والعراق بعد سبع سنوات والأزمات في دارفور وكوسوفو والكونغو الديمقراطية وغيرها من قضايا تتعلق بأميركا اللاتينية وجنوب غرب آسيا.

وجوه وأرقام عام 2010

إضافة إلى أبرز الملفات التنموية التي عالجها، تناول الكتاب أيضا أبرز وجوه عام 2010 تحت العناوين التالية: «ديمتري ميدفيديف: بلى، يستطيع؟» و« فرناندو لوغو، الرئيس غير المنتظر» و«علي إدريسا في مواجهة أريفا» و«خافيير سولانا، من مناهضة نظام فرانكو إلى الإجماع الأوروبي - الأطلسي».

برتران بادي، المشرف على الكتاب وأستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات في باريس والصحافي في جريدة «لو موند ديبلوماتيك» دومينيك فيدال، قدّم في افتتاحيته رؤية شاملة لمسار العولمة والأزمة المالية والانتخابات الأميركية الحديثة، مركزا على التمايزات الإقليمية وانشغال المجتمعات بقضايا مختلفة في الأهداف بحسب الأولويات التي يفرضها الخطاب العالمي، مفندا مواقف الدول الكبرى ومواقعها على الخريطة الدولية. ورأى بادي في مقدمته، التي عنونها بـ«أزمة في العولمة»، أنه «في نظام عالمي تعمه الفوضى، حيث توقفت الجهود الآيلة لفهمه، وحتى لتسميته، سوف تبقى الأزمة المعلنة سنة (صفقة عالمية جديدة) فاشلة وسنة عمى مثبت عن رؤية العوامل الاجتماعية المسببة لاهتزاز الاستقرار هذا». ويتساءل بادي: «هل تؤشر هذه الثغرة العنيدة إلى مقاومة تبديها الأوهام، أو أنها تعلن على العكس عن تآكل المثبتات، والانهيار الوشيك لقواعد وضعت للعالم بأقل قدر من العناية عرفته الأرض يوما، أو أنها تحضر لعملية ترقيع واهنة؟ أو نحن في ذلك (المنعطف الكبير) الذي يبدو أن الرأي السائد يستشعره؟».

ويجيب بادي بنفسه على الأسئلة التي أثارها بالقول «لا يزال الوقت باكرا للحكم على ذلك، إذ إن الحقبة الحالية تجمع كمًّا كبيرا من الظواهر المختلفة جوهريا: فعلى المدى القصير، سياسة أميركية جديدة، وعلى المدى الطويل، إعادة توازن في علاقات القوى على المستوى العالمي، وكل ذلك على خلفية أزمة تواجهها الليبرالية الجديدة».

وجاء في تقديم مؤسسة الفكر العربي تحت عنوان «حضارة واحدة» أن الكتاب مجموعة من التحليلات والدراسات والإحصاءات المتنوعة عن كل دول العالم وبأقلام خبراء وباحثين يبقى لهم منهجهم في التحليل، وأكدت استمرار المؤسسة في ترجمة أهم الإصدارات العالمية الحديثة في مجال الفكر التنموي الذي يشكل أحد انشغالات المؤسسة، وذلك إسهاما في إرساء مجتمع المعرفة الذي ننشده.