الانتخاب وتفعيل دور المرأة.. والعبرة في التطبيق

اللائحة الأساسية للأندية الأدبية.. يسهر المثقفون السعوديون جراءها ويختصمون

TT

بعد انتظار استمر قرابة الثلاث سنوات، أصدرت وزارة الثقافة والإعلام السعودية، منتصف الشهر الماضي اللوائح الأساسية للأندية الأدبية، التي تم صياغتها من قبل عدد من رؤساء الأندية والمثقفين والأدباء السعوديين. وتعطي هذه اللوائح الأندية صلاحيات للأندية الأدبية تبدأ من إصدار بطاقات العضوية، وتشكيل مجالس إدارة عبر الجمعيات العمومية، إلى الشروع في إجراء انتخابات لاختيار أعضاء مجالس إدارات هذه المؤسسات الثقافية، وهو تطور «نوعي» ينظر إليه باهتمام لتفعيل دور هذه المؤسسات وإعطاء المثقفين «صلاحيات» في اختيار الأجهزة الإدارية في مؤسساتهم الثقافية.

ونصت اللوائح على إفساح المجال للتنافس من خلال تقديم المرشحين لبرامج ثقافية محددة المعالم، بينما حصرت دور الجمعيات العمومية في الرقابة على نشاط الأندية وأوجه الصرف للموارد وغيرها من التنظيمات الداخلية لهذه المؤسسات.

المثقفون السعوديون الذين اشتكوا مطولا من تأخر إقرار اللوائح، التي ساهموا في صياغتها، استبشروا بالخطوة الجديدة لوزارة الثقافة والإعلام. لكن (وكالعادة) انقسموا بين مؤيد لتلك الخطوة، ومن يرى أنها لا تعدو مجموعة لوائح بحاجة إلى جهد كبير لتفعيلها.

وفي حين يرى مثقفون تحدثوا لـ(الشرق الأوسط) أن التنظيم الجديد لم يكن سوى امتداد لنظام الأندية الثقافية والأدبية القديم، رأى آخرون أن هذه اللوائح «قفزة» نوعية في العمل المؤسساتي الثقافي والأدبي، مثمنا الجهود التي وقفت خلف ظهورها للنور.

يذكر أنه، وفي خطوة لإشراك الجمعيات الثقافية باعتبارها جزءا من مؤسسات المجتمع المدني، في صياغة اللوائح الخاصة بها، وتنفيذا لاستراتيجية التنمية الثقافية التي تتبناها وزارة الثقافة والإعلام، كشفت الوزارة عن نيتها تشكيل فرق متخصصة من منسوبي خمس جمعيات فنية تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام لإعادة صياغة لوائحها الأساسية بما يتوافق ومرئيات منسوبي هذه الجمعيات، في خطوة تطويرية من قبل الوزارة لدور جمعيات المجتمع المدني ذات الطابع الفني والثقافي، وتفعيل دور منسوبيها في صياغة برامجها وتشكيل مجالس إداراتها، وذلك على غرار ما تبنته الوزارة من إعادة صياغة للوائح الأندية الأدبية.

والجمعيات المستهدفة هي: (الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، وجمعية المسرحيين السعوديين، والجمعية السعودية للتصوير الضوئي، والجمعية السعودية للخط العربي، والجمعية السعودية للكاريكاتير والرسوم المتحركة).

وقال الدكتور عبد الله الجاسر، وكيل وزارة الثقافة والإعلام إن «المنتسبين والمنتسبات لهذه الجمعيات هم من سيقوم بهذا العمل، بالتنسيق مع فريق وكالة الوزارة للشؤون الثقافية، بحيث يتم تجديد وإعادة اللوائح الأساسية لهذه الجمعيات، وكذلك اللوائح المصاحبة لها، وفي حال تم الانتهاء منها سيتم رفعها إلى وزير الثقافة والإعلام لاعتمادها والمصادقة عليها».

* اجتهاد وتجريب

* في هذا السياق يرى الدكتور عبد المحسن القحطاني، رئيس النادي الأدبي بجدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» حول مدى تحقيق اللائحة لتطلعات المثقفين والمثقفات السعوديين «أنها مجتهدة»، ويعتبر أن «أي لائحة من هذا النوع هي نواة ومحل تجريب» معتبرا أن المحك الحقيقي هو «مرورها بمرحلة التطبيق لكي نتمكن من الحكم عليها. أما إذا لم تمر بتلك المرحلة ستبقى مجرد آراء وأطروحات، فالتطبيق يفضح النظرية». ويستدرك القحطاني قائلا: «في اعتقادي أن هذه اللائحة تدعم المثقفين حتى لو كانت فيها سلبيات، فهي تحمل في طياتها كذلك إيجابيات، ومنها الانتخاب.. ونحن نريد الانتخاب لكونه مطلب الكثير منا».

ويلقي القحطاني باللائمة على الكتاب الذين انتقدوا اللائحة بقوله: «أرى أن البعض، وخاصة من كتاب المقالات، عمدوا إلى نقد هذه اللائحة بمجرد صدروها دون الانتظار لحين تطبيقها والتعرف على أدائها في أرض الواقع. إن السلبيات لا تتجاوز 10 في المائة، بينما تتمثل الاستفادة في 90 في المائة المتبقية من تلك اللائحة».

وفي السياق نفسه يرى محمد الحمد رئيس النادي الأدبي بحائل أن «بعث مبدأ الانتخابات من مرقده وتفعيل بند الجمعيات العمومية هو أبرز وأهم ما تمخضت عنه اللائحة». ويضيف: «اللائحة تجاوزت عقدة التفرقة بين الجنسين، فالجنس ليس من المعايير الثقافية بأي حال من الأحوال». وأشاد بدور الدكتور عبد العزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية السابق في صياغة هذه اللوائح.

ويؤكد الحمد أن «مبدأ الانتخاب ودخول المرأة على حد المساواة مع الرجل يعد نقلة نوعية في تاريخ المشهد الثقافي السعودي. والتفاصيل الأخرى على الرغم من أهمية وجودها في اللائحة فإنها أمور ثانوية لا وجاهة للبحث في تفاصيلها، علما بأن معظم البنود المالية مستقاة من لوائح نادي حائل التي وضعناها وعملنا بها في السنوات الأربع الماضية».

من جانبه، يؤكد يوسف المحيميد، القاص والروائي السعودي، أن «كل لائحة وكل قانون أو نظام لا يكتمل إلا عند تطبيقه، ولا تكتشف ثغراته إلا عند الممارسة الفعلية لفقرات اللائحة»، مشيرا إلى أن وزارة الثقافة والإعلام قد تضطر إلى تعديل بعض الفقرات لاحقا، وهذا، كما يقول، أمر مشروع، خاصة عند اكتشاف خلل هنا أو هناك في تلك اللوائح. ويثمن المحيميد إقرار «العمل في الأندية الأدبية بنظام الانتخابات والتصويت مما يشكل إنجازا مهما علينا أن نؤكد عليه ونسانده كي لا يفشل أو يحبط». وهو يعتبر أن «استقلالية الأداء تعني استقلالية الموارد المالية أيضا، وما دام أن المورد المالي الوحيد للأندية الأدبية هي وزارة الثقافة والإعلام، فهذا يعني أنها ستظل تحت إشراف الوزارة، وستبقى تابعة لها».

لكن المحيميد يستدرك، من واقع تجربته الشخصية كونه عمل كعضو مجلس إدارة بالنادي الأدبي، قائلا: «لم تمارس الوزارة علينا أي ضغوطات في شأن العمل أو النشر».

* الانتخاب واستقلالية الثقافة

* لكن هل يعطي حق الانتخاب الذي أقرته اللائحة الأساسية للأندية الأدبية مزيدا من الاستقلالية في أداء أعمالها؟، يقول عبد المحسن القحطاني إن «اللائحة مربوطة بوزارة الثقافة والإعلام»، متسائلا «هل ستحقق – للأندية – استقلاليتها أم ستواجه اللغط مجددا؟».

ويرى «أن اللائحة إذا لم تحكم آلية عمل الجمعيات العمومية فستختل الموازين وسنصبح في مأزق لكون اللائحة لا تحدد كيف ستختار الجمعيات العمومية للأندية الأدبية». ويضيف: «كثير من المثقفين لديهم رغبة في أن يكون أعضاء بالجمعية، كما أن الفنان التشكيلي يطالب بانضمامه لعضوية الجمعية انطلاقا من كونه فنانا في مجال يعتبر من فروع الأدب والثقافة، وهو ما يتعين على المشرع تحديده».

ويرى القحطاني أن «عنق الزجاجة» في اللائحة الجديدة يكمن في آلية تشكيل الجمعيات العمومية، وكأنها تركت هذا التحديد ضمن دائرة الأندية الأدبية، وبالأخص الشرط الأول في اللائحة المتعلق بالعضو العامل بالجمعية.

من جهته يرى محمد الحمد رئيس نادي حائل الأدبي أن فاعلية اللائحة مرهون «بحسن انتخاب العناصر التي تقود العمل في النادي، ومدى وعيها باستقلاليتها في قيادة المشهد الثقافي»، ويضيف: «لا شك أن النجاح لن يكون كبيرا بحكم حداثة التجربة، إلا أن تراكم الخبرات في المجال الديمقراطي سيؤول بالتأكيد إلى تقدم مستقبلي على المدى البعيد».

* تقييم اللائحة

* من ناحيته يرى محمد المنصور الشقحاء، الناقد والأديب السعودي، أن «اللائحة الأساسية للأندية الأدبية التي اعتمدها وزير الثقافة والإعلام امتداد لنظام الأندية الثقافية والأدبية التي اعتمدها الرئيس العام لرعاية الشباب عام 1395هـ مع بعض الإضافات القائمة على إيضاح مناطق الخلاف على بعض المواد»، مشيرا إلى أن النقاش حول دور الأندية الأدبية يمتد للعام 1400هـ (1980).

ويقول الشقحاء إن أبرز الملاحظات على اللائحة هي تركيزها على إن اسم هذه المؤسسة هو النادي الأدبي «مما يلغي الاجتهادات والتفسيرات، فلم تعد – المؤسسة - ثقافية عامة يحق لكل من لا ينتمي للأدب التدخل في أهدافها»، فهي تحصر الفعل الثقافي في العمل الأدبي تحديدا.

ويلمح لما ورد في تعريف تلك المؤسسة الثقافية في صلب مواد اللائحة الأساسية للأندية الأدبية، بقوله: «النادي الأدبي هو مؤسسة ذات شخصية اعتبارية مستقلة ماليا وإداريا وتعنى بالأدب والثقافة، كما هو مبين في المادة الخامسة من اللائحة»، متمنيا في الوقت ذاته أن تتنوع وسائل تحقيق الأهداف وأن تبلغ الأندية الأدبية القائمة رسميا بنص اللائحة رسميا للتنفيذ العملي.

ويضيف الشقحاء أن حق الانتخاب الذي استبشر به المثقفون «منصوص عليه في مادة أساسية في النظام الأساسي السابق، كما هو منطوق المادة 20، وأكدته اللائحة الجديدة بمنطوق المادة 19، في الفقرة الثالثة، وفصلته لائحة الانتخابات للأندية الأدبية المرافقة للائحة الأساسية».

ويشير محمد الحمد، رئيس نادي حائل الأدبي، إلى أن العضو العامل في الجمعية العمومية حدد له مواصفات تعتمد على كونه يحمل درجة علمية، وهو ما يحتاج إلى إعادة نظر، فالدرجة العلمية ليست مؤهلا ثقافيا، فضلا عن أدبي.