شعر ونثر ونقد وموسيقى في أمسيات أسبوع الوعد الثقافي بالبحرين

حضور لافت رغم تزامن الفعاليات مع مباريات كأس العالم

الشاعر قاسم حداد (يمين) وحسين الجفال احد منظمي الملتقى («الشرق الأوسط»)
TT

اختتم في البحرين، الأسبوع الماضي ملتقى الوعد الثقافي، الذي أقيم على مدى أسبوع خلال الفترة ما بين 23 و27 يونيو (حزيران) الماضي، تحت عنوان «من أجل بيئة حضارية نعيشها داخل النص»، وشهد عددا من الفعاليات الثقافية والفنية، تضمنت أمسيات شعرية، وقراءات نقدية، وقراءة نصوص، وتجارب شبابية. وتم تنظيم الملتقى بالتعاون بين ملتقى الوعد الثقافي، (السعودية) وملتقى الثلاثاء الثقافي (الكويت)، ومركز عبد الرحمن كانو، الملتقي الثقافي الأهلي (البحرين).

واجتذب الملتقى جمهورا عريضا وحضورا من نخب فكرية وأدبية، على الرغم من تزامنه مع مواسم العطلات ومنافسات كأس العالم الرياضية. وقد شارك في أعمال الملتقى الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، والناقد الكويتي فهد الهندال، كما شاركت من سورية القاصة سوزان خواتمي، ومن الكويت القاصة استبرق أحمد، وشارك الناقد المصري الدكتور أيمن بكر. وكانت المشاركات الشعرية، للشاعر السعودي الدكتور محمد حبيبي، والشاعر المصري نادي حافظ، والشاعر الكويتي محمد النبهان، كما شارك الشاعر السعودي علي بافقيه في حفل توقيع كتابه، ووقع للإصدارات الشاعر العودي حسين المنجور، والشاعرة السعودية كوثر موسى، والروائي السعودي محمد مرزوق.

الشاعر علي بافقيه قرأ نصوصا من مجموعتيه «رقيات» و«جلال الأشجار»، جاء فيها:

لها شقة في الخبر

ولها أربع من صغار القطا

ولها صوتها يتدفق

شؤبوبها

ولها ما تشاء من الياسمين.

....

لها أن تجيء

لها أن تروح

لها أن تمرر صف العصافير بين يديها

لها أن تدثرني

لها أن تلم شظاياي

أن تتقي الله في إذا اتخذتني

طيور الفلا

ولها ما تشاء.

كما أقيمت حفلات موسيقية، شارك فيها محمد سلمان الصفار على الغيتار، والفنان علي البوري على الأورغ.

أوراق نقدية

وفي ورقته، في ملتقى (الوعد الثقافي)، قدم الناقد والأكاديمي المصري الدكتور أيمن بكر، قراءة بعنوان «الآخر صراع أم تفاعل»، تساءل فيها: «كيف يمكن أن نجد التفاصيل والزوايا في تقديم الجديد؟»، معتبرا هذا السؤال يمثل مدخلا صالحا إلى مفهوم «الآخر» عبر أمثلة واستشهادات، من بيان راسل وأينشتاين إلى تعريف هيغل عن الآخر إلى منظور تودوروف، وأفكار إدوارد سعيد، ليخلص إلى فكرة لها أهميتها في مسار البحث هي «أننا لا نستطيع أن نشير إلى الشرق باعتباره شرقا واحدا، كما لا نستطيع أن نشير إلى الغرب باعتباره غربا واحدا»، وأن المعرفة بالآخر تؤدي بالضرورة إلى المعرفة بالذات.

يذكر أن الناقد أيمن بكر، قدم في كتابه «الآخر في الشعر العربي» دراسة لثلاثة شعراء من ثلاث مراحل تاريخية هم: المتنبي، وأحمد شوقي، وإبراهيم العريض. وفي حين اعتبر أن المتنبي الذي عاش في الدولة العباسية وفق ما سماه «المواطنة فوق القومية» مع اختلاف تعميمات المجتمعات الصغيرة بعضهم لبعض، واختلاف الأنساق الثقافية المتضادة، ومنها الوعي بآخرية الآخر داخل حدود الدولة، التي أعطت الأرضية الثقافية الأخلاقية لمفهومي المدح والهجاء - واجه في هذا الصدد غموض الآخر خارج حدود الدولة، مما يؤدي إلى تعميمات مخلة.

أما حضور الآخر في شعر شوقي، فانطلق من اللحظة التاريخية التي انتهك فيها الشرق وتحول الغرب إلى مسيطر سياسي واقتصادي وحامل لمفاهيم التطور والتقدم، فأخذ الآخر شكلين: الأول في تحول شعر شوقي إلى عين تترجم عناصر التفوق إلى الثقافة العربية، مغلفا بـ«الموقف النصي» من دون الدخول إلى تفاصيل الحياة، والثاني دعم الذات وإحياء ما تراكم عليها وتحويله إلى انتصارات.

في حين يجيء نموذج إبراهيم العريض في لحظة صراع ضد المحتل، وهو المولود في الهند، محملا ومشربا بثقافات متنوعة، لينفلت من أسر الثقافات الأحادية ويكسر التنميطات السهلة والساذجة بين الشرق والغرب. كنموذج أفاد إفادة عميقة من الثقافة الغربية في صياغة شعره كواحد من تكوينه، ليؤسس - بالمقابل - لفكرة التفاعل ويقف ضد فكرة الصراع، ليس في علاقتنا مع الغرب - كما يقول بكر - ولكن في علاقتنا مع أنفسنا.

الناقد الكويتي فهد الهندال، قدم ورقة في تجربة الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل بعنوان «للسرد بقية مع إسماعيل فهد إسماعيل: قراءة استثنائية في الفن القصصي»، متناولا السرد بتقنياته الفنية (اللغة، مستويات السرد، المكان، الزمن، الشخصية) كعامل مهم في تحديد فوارق نوعية العمل السردي عن غيره بفرعيه: القصة والرواية.

وسلط الهندال الضوء على عدد من الزوايا المهمة في نصوص إسماعيل فهد إسماعيل السردية من خلال مجموعاته القصصية، ومن هذه الزوايا جاءت عناوينه: أولا «الذات: أنا.. إنسان»، ثم «المكان: شراكة ولغة»، حيث تنطلق مجموعته «الأقفاص واللغة المشتركة» من «أرضية سردية مشتركة، تتيح لقصص من المجموعة أن تكمل بنى بعضها البعض، تمثلت في المدينة الواسعة بعماراتها، مصانعها ودكاكينها، والتي ضمت كائنات السرد، كان للأنثى فيها نصيب السرد الأكبر، وتوزع حضورها ما بين فتيات مغتربات في بلد ما للعمل مدرسات، شابة جميلة تتجول في سوق رجال، وفتاة مراهقة تعيش خادمة عند امرأة وزوجها نظير إيوائها، لنجد المكان هنا يجسد لغة مشتركة تتقنها أطياف مختلفة من البشر، هم في مرمى عيون الآخرين، باختلاف فضولهم ونوازعهم الداخلية».

وأخيرا «الرؤيا: رشاقة الوعي»، ينطلق فيها من مجموعته «ما لا يراه نائم»، التي «يبدو واضحا فيها لعب إسماعيل فهد على خيوط الزمن، متجاوزا كل قوالب القصة بما تعلق بالقصر المطلوب للتركيز على الحدث في تداعي مواقف سابقة دون أي إشارة صريحة إلى الزمن، وإنما بما يواكبه في ذهنية الشخصيات»، ومفصلا في كل زاوية ما يدعم فكرته بكثير من الشواهد والأمثلة، يذهب من خلالها نحو الإنسان في نصوص إسماعيل فهد إسماعيل. كما بدا واضحا تجانس الكاتب والناقد في الرد على الأسئلة والمداخلات لتكون بداية استثنائية لنشاط استثنائي من خلال ثلاثة ملتقيات أهلية تشتغل بإمكانياتها الشخصية والفردية.