«سور الأزبكية» يطير إلى المحافظات المصرية متحديا ارتفاع الأسعار

الترويج يجري عبر «الفيس بوك» واللافتات الصغيرة

TT

في وقت تزداد فيه شكوى المثقفين وعاشقي الكتب والناشرين أيضا من ارتفاع أسعار الورق، وابتعاد الكتاب عن متناول الأغلبية من بسطاء القراء في مصر، كان «سور الأزبكية» المكان التاريخي للكتب الرخيصة والنادرة يتمرد على «القاهرة» ويتجول في الأقاليم، يقدم بضاعته إلى عشاقه، بأسعار زهيدة، وبحلة أكثر تأنقا وجودة.

الفكرة بسيطة للغاية، أقدم عليها شباب مهتم بالثقافة والربح معا، يتقدمون لشراء الكتب من مخازن دور النشر، بأسعار قليلة للغاية، ثم يعيدون عرضها بهامش ربح بسيط.

في المعرض الذي حمل اسم «سور الأزبكية» في مدينة المنصورة، والممتد لشهر مقبل، من الممكن أن تشترى روايات لنايبول وهانريش بول، ولنجيب محفوظ، ودوستويفسكي.. وغيرهم، بسعر لا يتعدى جنيها واحدا. هذه الكتب وغيرها تشكل نواة قوية لمكتبة ثرية وزاخرة بمبالغ زهيدة في متناول الجميع.

يقول مصطفى النحاس، المشرف على معرض سوق الأزبكية في مدينة المنصورة «المشروع يقوم عليه مجموعة من الشركاء، يشترون مرتجعات وبواقي دور النشر بأسعار زهيدة، تصل نسبة الخصم فيها إلى 40 في المائة من ثمنها أو أكثر، ثم يقدمونها للجمهور بهامش ربح لا يتعدى 5 في المائة، فيحصل المشتري على كتاب جديد بسعر بخس للغاية، فهدفهم انتشار الكتاب أكثر من المكسب. لاقت الفكرة رواجا ونجاحا كبيرين، وتكررت معارضنا في المحافظات المختلفة، فأقمنا معرضين في كفر الشيخ، وآخر في الشرقية، والفكرة تحتمل التكرار في مناطق أخرى، ونفكر في أن نمدها إلى بعض المصايف، خاصة ذات الكثافة الشعبية».

وبحسب النحاس، فإن سعر الكتاب يكون حسب التسعير الأصلي لدار النشر المشترى منها الكتاب، ونسبة الخصم المتاحة، لافتا إلى أن حركة البيع تعتمد على جودة اختيار مكان المعرض وتوقيته.

ويستمر معرض سور الأزبكية المتنقل ما يقرب من الشهر، ثم يعاود التكرار مرة كل شهرين، على الأقل.

وعن أكثر الكتب رواجا، يقول النحاس «هي الكتب الأكثر رخصا، مثل روايات الهلال التي تباع بجنيه فقط، ما يعني أن الفرد يمكن أن يقتني منها مائتي كتاب بمائتي جنيه، وهو سعر يقارب ثمنه أربع روايات جديدة».

ويذكر النحاس أن كتب الأطفال عليها إقبال شديد، وهو ما يعكس وعيا لدى أولياء الأمور بقيمة الكتاب، كما أن المؤلفين الكبار، حتى من رحل منهم، لهم ثقلهم، وتباع كتبهم بكثرة، ومنهم: العقاد، وطه حسين، وفؤاد حداد، و صلاح جاهين، ويركز المعرض على القارئ العام.

ويخلو المعرض نسبيا من الكتب المغرقة في التخصص، وهو يعتمد على وسائل دعاية تقليدية وبسيطة، إذ تعلق اللافتات في شوارع المدينة، وتوزع أوراق تشرح فكرة المعرض ومكان إقامته، إضافة إلى استخدام موقع (الفيس بوك) في الترويج.

ويقول أحمد السعداوي وهو محاسب في بنك مصر، بمدينة المنصورة «جئت إلى المعرض، للبحث عن كتب تدعم لغتي الإنجليزية، فوجدت ما أبحث عنه بأسعار مذهلة».

وتشكل معارض سوق الأزبكية امتدادا لبدائل تحايل بها المصريون على ارتفاع سعر الكتب، منها تجارة الكتب المستعملة المنتشرة على الأرصفة، وتدعيم الدولة لمشروعات نشر زهيدة التكلفة كمكتبة الأسرة، بل وإقامة الهيئات الثقافية الكبرى في مصر معارض للكتب القديمة، تحمل الاسم ذاته (سور الأزبكية)، ومنها معرض في مقر الهيئة العامة للكتاب، على كورنيش القاهرة، إضافة إلى مقر في معرض الكتاب السنوي يشهد رواجا ملحوظا، كما شهد هذا العام معرضا يقام لأول مرة تحت عنوان (مبادلة الكتب القديمة).

لكن اقتران سور الكتاب الرخيص بمسمى سور الأزبكية يرجع إلى بداية القرن الماضي، عندما كان باعة الكتب المستعملة يوزعونها على مقاهي المثقفين في وسط القاهرة، ثم يستريحون في منطقة الأزبكية الراقية وقتها على أسوار حديقتها الشهيرة، وبمرور الوقت أصبح المكان ملتقى لهم، ثم تحول مكان الاستراحة إلى جلسات للبيع، بدأ عشوائيا في البداية إلى أن نظمت أمرهم حكومة ثورة يوليو، وأقامت دكاكين صغيرة حول السور، بجوار الحديقة، شكلت خلال عقود رافدا مهما للكتب الرخيصة والنادرة، واتسعت أصداء السور في الحياة الثقافية عربيا، ثم نقل لمقر آخر في منطقة الدراسة بجوار الأزهر، إلى أن عاد مرة أخرى إلى مكانه الحالي ، الذي يحوي ما يقرب من 132 محلا لبيع الكتب.

وطوال سنوات، وفيما عانت حركة النشر من الركود، كان سور الأزبكية لا يعرف الكساد أبدا.

بينما يشكو باعة سور الأزبكية حاليا من الإهمال وتزاحم الباعة الجائلين، أمام بضاعتهم الثقافية، فإن هناك من انتشل الفكرة، وذهب على طريقة «الهوم ديليفري» إلى المحافظات المصرية، ليتنفس عاشقو الكتب والثقافة بشكل طبيعي، بعيدا عن زحام العاصمة (القاهرة) وضجيجها الذي لا ينتهي.