وليد الرجيب: تحررت من سلطة الناقد وأصبحت أكتب لمتعتي

الأديب والروائي الكويتي يرى أن التسامح في بلاده يكاد يختفي بعد طغيان التشدد

وليد الرجيب («الشرق الأوسط»)
TT

منذ صدور روايته الأولى «بدرية» عام 1989، والأديب والروائي الكويتي وليد الرجيب يمثل إحدى أبرز التجارب الأدبية في الكويت. الرواية عرّفت الجمهور في خارج الكويت إلى الرجيب الذي كتب بعدها رواية أخرى هي «أما بعد» التي لم تزاحم «بدرية» رغم الإثارة التي خلفتها، وخصوصا أنها تتناول سيرة يهود الكويت الذين كانوا يعيشون هناك في القرن التاسع عشر، وغادروا الكويت في عام 1948.

يمتلك الرجيب خبرة واسعة في تشريح الشخصيات واكتشاف عوالمها، ربما بسبب عمله كاستشاري نفسي واجتماعي وأستاذ دولي بالتنويم المغناطيسي، ولديه مؤلفات عن فن وعلم التنويم، والعلاج بالطاقة الكونية (ريكي). هنا حوار معه:

* شهرتك في عالم الرواية فاقت أعمالك القصصية، هل هو موسم الرواية، أم أن ذائقة الجمهور تبدلت؟

- الرواية فن راسخ منذ زمن في الخليج، وهي ليست موسمية، لكنها، كما هو معروف، تنشأ حيث توجد المدينة وتستقر. والقصة القصيرة فن صعب، يحتاج القارئ إلى إعمال فكره كثيرا ليفككها ويستمتع بها، كما أنها غير مشبعة للقارئ العادي، ولذا فالمجموعات القصصية ودواوين الشعر بضاعة كاسدة لدى الناشرين في العالم، فالقارئ يفضل الرواية لأنه يغوص في عوالم وشخصيات وأحداث ممتدة.

كانت القصة هي أداة تعبيري بالسابق، أما الآن فأجد أن الرواية هي أداتي، وهي مثل حلم اليقظة الذي لا أريد أن أصحو منه أثناء كتابتها، ولكن حبي للقصة لم يختفِ.

* روايتك «بدرية» حققت انتشارا جيدا، ماذا يميزها؟ ما «التيمة» التي ساهمت في إقبال الناس عليها؟

- حاولت كثيرا إيجاد تفسير لذلك، وكتبت في مقدمة الطبعة الثالثة، التي ستصدر بداية العام القادم، حول هذا الأمر، لماذا اعتبرها النقاد أول رواية كويتية بشروط مكتملة؟ أظن أن «بدرية» تحمل سحرها الخاص، بها طاقة ودفق إيجابيان، بها صدق يصل إلى القارئ، وبساطة تستعصي على الباحث عن الإدهاش، أو الباحث عن المفردة الصعبة، وبها، أخيرا، شيء من كل قارئ، مضمونها وطني بسيط للغاية، وشكلها بسيط كذلك.

* روايتك الأخيرة «أما بعد» تحدثت فيها عن يهود الكويت، الذين يقال إنهم عاشوا هناك في القرن التاسع عشر، وغادروا الكويت في عام 1948، كيف عالجت هذه القضية؟

- أنا لم أعالج تاريخ يهود الكويت، ولم يكن في نيتي إثبات وجودهم، لأنهم حقيقة تاريخية في بلداننا. «أما بعد» قصة قد تنطبق على أي شخص، من أي عرق أو ديانة، لكن الناس اهتموا بموضوع اليهود، بسبب التعتيم غير المبرر على حقيقة وجودهم، وكأنه اكتشاف فجائي.

* في هذه الرواية، ومن خلال بحث بطلها «يعقوب» اليهودي، عن حبيبته «سارة» اليهودية أيضا، يجد القارئ أن اليهود ما زالوا يقيمون في «الغيتو»، إذ لم تتمكن، في اعتقادي، أن تربطهم بمحيطهم السابق.

- قلت لا أنوي الحديث عن تاريخ اليهود العرب، لكني تتبعت خطّا دراميا محددا، هو بحث يعقوب عن سارة، والظروف والأحداث التي مر بها يعقوب أثناء بحثه. أما الحديث عن الغيتو فمن المعروف أن اليهود المهجرين من الدول العربية إلى إسرائيل يعانون من تمييز بسبب أصلهم.

* في رواية «أما بعد» أيضا يبدو أن الحاضن الجغرافي (الكويت) لم يستوعب حركة الشخصيات، فتحركت الرواية نحو معالم جغرافية جديدة، كالعراق مثلا.. ما رأيك؟

- لم تكن الفكرة أن تبقى الحدوتة في محيط جغرافي واحد، ولو كان الأمر كذلك لتغير مضمون الرواية جملة وتفصيلا، لكن بالإمكان كتابة رواية عن اليهود الكويتيين فقط داخل الكويت، فرواية «بدرية» تدور أحداثها على الأرض الكويتية وهي قريبة في زمنها من أحداث «أما بعد».

* ما زال موضوع اليهود ودورهم في الثقافة العربية محل إشكال، ألم تواجه أي احتجاجات من قبل جمهورك، خصوصا أنك في الرواية تشير إلى أن الطفل اليهودي كان يتعرض للضرب من قبل الأطفال المسلمين؟

- لم أواجه أي احتجاج، خصوصا من القارئ الواعي، أما رشق يعقوب الصغير بالحجارة من قبل صبيان الحي، فهي حقيقة حكيت لنا من أهلنا وأجدادنا. وهنا أنا لا أقصد التعاطف المطلق، وليس دوري كروائي إقناع القارئ بأن يهود الكويت كانوا مظلومين، فاليهود مثلهم مثل كل الناس والديانات، فيهم الطيب وفيهم السيئ، وأنا لست تطبيعيا، بل موقفي واضح وثابت من قضية الشعب الفلسطيني. لكني متأكد أن هناك سذاجة وخلطا عند بعض القراء العرب، فهم يخلطون بين التسجيل التاريخي والخيال الأدبي، وما زال بعضهم يعتقد أن أي بطل في رواية لي هو أنا.

* تشير إلى عالم متسامح عاش فيه اليهود في تلك الفترة في الكويت، اليوم هل انحسر التسامح؟ هل يمكن لمجتمع اليوم أن يحتضن مواطنيه السابقين؟

- اليهود في الكويت عاشوا بسلام، وهذا ما أكده الموسيقار الكويتي اليهودي صالح الكويتي، وينقله الآن ابنه أو حفيده. واليهود لم يكونوا الطائفة الوحيدة التي نعمت بالتسامح الكويتي، فالكويت منذ القدم كانت ملاذا آمنا لجميع من وفد وعاش في كنفها، والتسامح والانفتاح سمة كويتية عبر الزمن، ولم يكن الشعب الكويتي من الغلاة والمتشددين، وهذا تجده في تاريخ علمائها ورجال الدين فيها.

* والآن؟

- نعم، الآن طغى التشدد والغلو، وكادت أن تختفي هذه السمة الكويتية، فمنذ ثلاثة عقود بدأت مظاهر جديدة في التشدد الديني، غريبة على انفتاح وتسامح الشخصية الكويتية، وهي ليست من قيمه وطبائعه. التسامح أتى من طبيعة انفتاح الكويتيين على الثقافات المتعددة، والشعوب المختلفة. أما عودة اليهود إلى مواطنهم الأصلية فلا أعتقد بإمكانيتها، فإضافة إلى تلاشي قيم التسامح فإن إسرائيل وسياستها العدوانية على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، ومشروعاتها للتهويد، ومحاولات طمس الهوية الإسلامية، ليس من السهل على الإنسان العربي تقبلها.

* لديك مجموعة بعنوان «تعلق نقطة تسقط طق».. ما قصة هذا العنوان؟ ألا تشعر أنه عصي على الفهم وفيه الكثير من الغرابة؟

- هذا العنوان هو عنوان قصة في المجموعة، وهو حسي مسموع، عندما تعلق نقطة الماء في أنف الصنبور، ثم تسقط محدثة صوت «طق»، وعندما تقرأ القصة ستدرك هذا المعنى.

* في روايتك «اليوم التالي لأمس» حكاية اجتماعية جميلة عن علاقة حب بين رجل وامرأة كهلين في جو مخملي رومانسي ضمن محيط عصري كاستخدام البريد الإلكتروني (الإيميل)، وارتياد المقاهي الحديثة. هل كتبت هذه الرواية لتتحول إلى مسلسل درامي تلفزيوني؟ ما علاقة أحداث هذه الرواية بالواقع الخليجي؟

- بالتأكيد لا، لا يهمني أن يتحول أي من أعمالي إلى دراما أو فيلم سينمائي، فأنا لست كاتب نصوص درامية، ومسؤوليتي تنحصر في كتابة الرواية، والباقي رهن برغبة المخرجين المهتمين.

أما علاقة الرواية بالواقع الخليجي فهي تعكس واقعا موجودا بالفعل، قد لا يكون سائدا لكنه موجود. هناك الكثير من الرقي والتقدم عند بعض أفراد مجتمعاتنا، وفي الكويت كان هذا واضحا في سنوات الستينات والسبعينات، أكثر من الآن، بيد أن ذلك لا يعني عدم وجوده.

* كيف استفدت من خبرتك كاستشاري نفسي واجتماعي وأستاذ دولي بالتنويم المغناطيسي، ومن مؤلفاتك في فن وعلم التنويم، والعلاج بالطاقة الكونية (ريكي) في رسم الشخصيات وتكوين عوالم الرواية التي تكتبها؟

- الغوص في نفوس الشخوص الأدبية قديم عندي، ولا شك ساعدني فهمي العلمي على التركيب النفسي للشخوص، سواء إيجابا أم سلبا، وهذا لا يعني أني أعود إلى المراجع العلمية لتشكيل الشخصية، بل يأتي الأمر تلقائيا، مثل الطبيب الأديب الذي يستفيد من تخصصه في عرض الأمراض وتشخيصها.

* كنتَ مديرا لإدارة الثقافة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ثم استقلت، كيف وجدت العلاقة بين الكاتب المثقف و«كرسي» المسؤولية؟

- لم أشعر بأني نزعت جلدي الأدبي والثقافي، سواء عندما عملت بالمجلس أو قبلها في جامعة الكويت، لكن المسؤولية كانت ثقيلة رغم متعتها، ففترة المجلس كانت من أهم فترات حياتي، وأنا راض عنها تماما.

* في مقال للكاتب عدنان فرزات يرى أنك بعد خروجك من المجلس أصبحت أكثر إبداعا. هل هذا ما حصل فعلا؟ هل تشعر بالحرية خارج قيود السلطة؟

- لا سلطة على الإبداع إطلاقا، فأثناء وجودي في المجلس أصدرت أعمالا أدبية، لكني أتفق مع عدنان فرزات على أن العمل حينها استنفد وقتي وطاقتي. أما كوني أصبحت أكثر إبداعا فأظن الأمر يرجع إلى تراكم الخبرة وعلاقتي بالكتابة، إذ تحررت من سلطة الناقد، وأصبحت أكتب لمتعتي، مما خرج منه دفق إبداعي غزير، فأنا لدي أربعة أعمال جاهزة للطبع، بينما سابقا كنت أستغرق سنوات كي أطبع كتابا.

* هناك من ينتقد كتاباتك السياسية في الصحف، ويشيرون إلى أنك روائي جيد، ولكن مقالاتك السياسية تقوم على الخيال الأدبي؟

- أنا لست جديدا على الكتابة السياسية، فعلاقتي مع النشر بدأت عام 1975، وفي الثمانينات والتسعينات كتبت في الصحف الطلابية مبكرا وفي مجلة «العامل» و«الطليعة» وجريدة «الحياة» لسنوات، سواء مقالات سياسية بحتة أو ما يسمى بالسوسيوثقافية. وبالمناسبة، أول قصة نشرتها كان لها مضمون سياسي واضح، فالجمع بين الموقف السياسي والأدب والشعر والفن هو أمر معروف في العالم والعالم العربي خصوصا. الموقف السياسي لا يحتاج إلى تخصص برأيي، فالجميع لديهم موقف سياسي وآراء سياسية. الرئيس التشيكي السابق هافل كان كاتبا مسرحيا، ووزير الثقافة المصري الحالي فاروق حسني فنان تشكيلي، والوزير الأسبق للثقافة يوسف السباعي كان كاتب قصة ورواية، ولعل من أشهر النقاد الأدبيين العرب كان المفكر والسياسي محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس، والأمثلة كثيرة جدا في عالمنا.

بالطبع لن أجادل من أبدى رأيه حول كتابتي السياسية، فهذا حقه، كما أنه من حقي أن يكون لي رأي في الكتابات السياسية والمواقف السياسية، والعبرة برأي القراء والمتابعين. قضايا شعبي التي أهتم بها منذ سنوات شبابي الأولى، لن أتخلى عنها لأني أحب وطني وأهتم بشؤونه.

* تحدثت في بعض مقالاتك عن «سجناء الرأي» في الكويت.. كيف ترد على من يقول إنك تكتب برومانسية، إذ لا وجود لسجين رأي في الكويت؟

- أين الرومانسية في اعتقال مواطن كويتي وسجنه بسبب رأيه أو معارضته لسياسات الحكومة؟ كنا نفاخر بعدم وجود سجناء رأي في الكويت، ولكن في الأشهر القليلة الماضية تمت ملاحقة سياسية لبعض المعارضين، مثل الكاتب والمحامي محمد عبد القادر الجاسم، وأمين عام التحالف الوطني خالد الفضالة، وما زالت هناك قضايا مرفوعة ضد بعض الكتاب، وهذا لا يعني أنه نهج أصيل، فالأصل في نظامنا الديمقراطي وفي الدستور، هو حرية التعبير والرأي والمعتقد، وغيرها من الحريات والمكتسبات. أما القضايا المرفوعة على المفكرين والأدباء فهي معروفة، إذ تم سجن المفكر الراحل أحمد البغدادي لرأيه، وتعرض الكاتب والناقد المرموق الدكتور سليمان الشطي والأديبة ليلى العثمان والأستاذ محمد سلمان غانم، وغيرهم، لمحاكمات بسبب كتاباتهم.

ويبدو أن إنكار هذا الأمر الذي تحدثت حوله منظمات حقوق الإنسان، والعفو الدولية، هو الرومانسية بذاتها.

* من المعروف أن الرواية الكويتية بدأت مبكرا، حيث نشرت أول رواية عام 1948 لفرحان راشد الفرحان، كيف تجد اليوم واقع الرواية في الكويت؟

- واقع المدينة والحياة المدنية في الكويت كان لا بد من أن ينتج فن الرواية، بينما بدأت القصة مبكرة جدا، ونشأت مع وجود الصحافة كما هو معروف. وتطور الرواية وانتشارها أمر طبيعي، فالنقاد العرب رأوا أن القصة القصيرة الكويتية متطورة، وأظن أن الرواية الكويتية ستأخذ هذا المنحى، فعلاقة الكويت بالثقافة علاقة تاريخية قديمة.

* كيف تفسر «الطفرة» الروائية في الكويت، حيث يبلغ حجم ما كتب خلال السنوات العشر الماضية 53 رواية، أي ثلثا ما كتب منذ الأربعينات (يصل لنحو 74 رواية)؟

- أظن أن الأمر طبيعي، فعدد السكان ازداد، ووسائل الاطلاع أصبحت متاحة وميسرة، فإذا قورن الأمر بعدد الأطباء الكويتيين مثلا، فسنجد مثل هذا الفارق بين الآن وقبل عشر أو عشرين سنة، لكن الفرق أن في السابق كانت القصة القصيرة هي الجنس الأدبي المنتشر، والآن الرواية هي الأكثر انتشارا، للأسباب التي ذكرتها سابقا.

* سيرة الروائي الأدبية

- استشاري نفسي واجتماعي، معالج إكلينيكي بالتنويم، أستاذ دولي بالتنويم.

- عيّن مديرا لإدارة الثقافة والفنون بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب منذ عام 1994م وحتى 1 سبتمبر (أيلول) 2001.

- عمل مديرا ومشرفا عاما لمهرجان القرين الثقافي منذ عام 1994 وحتى دورته الثامنة التي أقيمت في 12 يناير (كانون الثاني) 2002.

- أسس مهرجان الطفل الثقافي منذ دورته الأولى في مركز عبد العزيز حسين الثقافي عام 1996م، ووضع برنامج هذا المهرجان وأشرف عليه في دوراته الست حتى عام 2001.

- ساهم في تأسيس الفرقة الوطنية الكويتية للموسيقى.

- رئيس لجنة الاتفاقيات الثقافية المكونة من ممثلين عن وزارات الدولة.

- عضو اللجنة العليا لجوائز الدولة التشجيعية والتقديرية.

- عضو اللجنة العليا للمسرح في الكويت.

- عضو اللجنة العليا للطفل.

- عضو لجنة دعم المطبوعات والتفرغ الأدبي والفني.

- عضو هيئة تحرير جريدة «فنون».

- عضو لجنة التخطيط والإشراف والتنسيق للاحتفال بالكويت عاصمة للثقافة العربية المكونة من وكلاء مساعدين في وزارات الدولة إضافة إلى الهيئات الأخرى.

- عضو في الكثير من اللجان التنفيذية والمؤقتة.

- عضو مجلس إدارة رابطة الأدباء في الكويت، ورئيس اللجنة الثقافية فيها من 1992 إلى 1994، أسس خلالها منتدى الأربعاء الذي ما زال مستمرا حتى الآن.

* مؤلفاته

1 - «تعلق نقطة تسقط طق»، مجموعة قصصية عام 1983.

2 - «إرادة المعبود في حال أبي حال أبي جاسم ذي الدخل المحدود»، مجموعة قصصية عام 1989.

3 - «بدرية»، رواية عام 1989.

4 - «طلقة في صدر الشمال»، متتالية قصصية عام 1992.

5 - «الريح تهزها الأشجار» مجموعة قصصية عام 1994.

6 - «إيكاروس» نص مسرحي وقصص عام 1997.

7 - «العلاج بالطاقة الكونية - ريكي» 2003.

8 - «علم وفن التنويم» - 2004.

9 - «موستيك» رواية - 2008.

10 - «اليوم التالي لأمس» رواية - 2009.