وسائل الإعلام.. هل تخلفت عن مواكبة الحراك الثقافي؟

مثقفون سعوديون يتحدثون عن العلاقة بين الإعلام والثقافة

TT

حققت الساحة الثقافية السعودية حضورا فاعلا خلال السنوات الأخيرة، تمثل في حجم ونوعية المناشط الثقافية التي تحفل بها البلاد، وتضج بها المنتديات والمؤسسات الثقافية، سواء عبر المعارض أو الندوات أو المهرجانات، كما سجل الإبداع السعودي حضورا لافتا على مستوى الرواية والقصة والشعر، والمسرح التجريبي، والأعمال السينمائية.

ويحفل المشهد الثقافي المحلي بكثير من الجدل والنقاش الداخلي الذي يؤسس لحراك اجتماعي وثقافي، ويؤسس كذلك لمرحلة من إعادة النقاش حول القضايا الفكرية العامة. ولكن على الرغم من اتساع رقعة النشاط الثقافي حجما ومضمونا، ما زال المثقفون السعوديون يشعرون أن وسائل الإعلام لم تواكب الحدث، وهي تقف بعيدا عن السجال الذي يستعر في منتدياتهم، ولا تواكب التطورات التي يحفل بها المشهد الثقافي.

لكن مثقفين سعوديين تحدثت معهم «الشرق الأوسط» أشاروا إلى أن المسؤولية متبادلة بين المثقفين ووسائل الإعلام، في حين أشار آخرون إلى أهمية الخروج من الإطار الضيق للعمل الثقافي.

* الغامدي: الثقافة حياة

* الصحافي السعودي المعروف قينان الغامدي، رئيس تحرير جريدة «الشرق»، المتوقع صدورها في وقت لاحق، يرى أن الإعلام بأشكاله المختلفة، الذي عمل على تطوير أدواته ووسائل اتصاله بالمجتمع، لم يهمل الاهتمام بالجانب الثقافي والفكري. مشيرا إلى أن الثقافة كمفهوم متحرك وشامل يمكن أن يشمل جميع مرافق الحياة كالصناعة والاقتصاد والرياضة.

ويضيف الغامدي: «لدينا في الوطن العربي مفهوم ضيق جدا للثقافة والسياسة، فنتصور أنهما ينحصران في جوانب الإبداع والفكر والثقافة بالشكل المتعارف عليه، بينما الثقافة هي كل شيء يدخل في حياة الأمة. فأنت مثلا عندما تتحدث عن صناعة في اليابان، فإنك تتحدث عن ثقافة شعب، وعندما تتحدث عن الموروث في حياة الأوروبيين، فأنت تتحدث عن ثقافة شعوب أيضا، وما ينطبق على الحديث في الثقافة ينطبق أيضا على الحديث عن السياسة، إذ لا يوجد شيء لا تدخل فيه السياسة».

ويرى الغامدي أن الثقافة السعودية تشهد تحولات كبيرة جدا على المستويات كافة، وأن للإعلام السعودي دورا أكيدا وأصيلا في ذلك، «فالصحافة نفسها هي جزء من الثقافة العامة، التي تدخل في إطار السياسة أيضا، فأنت لا تجد منتجا في الأرض سواء كان الهاتف الجوال أو السيارة... إلخ إلا نتاج السباق الثقافي، أما إذا حصرت الثقافة في جانب الإبداع والنقد الأدبي، فربما لا تجد لها محل اهتمام عند بعض النخب، وهذا يعكسه الإقبال الضعيف عليها في كل أنحاء العالم».

* الشمري: ترف الثقافة

* الكاتب الصحافي والروائي السعودي عبد الحفيظ الشمري، يجد حاجة إلى أن تولي وسائل الإعلام سواء كانت رسمية أو خاصة، الاهتمام بالجانب الثقافي والإبداعي، معتبرا أن هذه الوسائل معنية بالنهوض بالمجال المعرفي، في حين يرى أن على وزارة الثقافة والإعلام أن تحفز النشر بمعطيات جديدة من خلال الدعم المادي، وحفظ الحقوق المادية للمؤلفين والمبدعين، وكذلك حقوقهم المعنوية، ورعاية الأنشطة الثقافية والمعرفية كالنشر.

الشمري يشير إلى معاناة الأدباء وخصوصا من الناحية المالية، مشيرا إلى مسؤولية وزارة الثقافة والإعلام عن الوقوف معهم. لكنه لا يرى أن الإعلام وحده يتحمل المسؤولية، فالأدباء والمثقفون تقع على كاهلهم مهمة رفع مستوى الإنتاج الأدبي، فحين تقترب قضايا الثقافة والأدب من المجتمع أكثر فأكثر سيكون لها حضور إيجابي لا يمكن حجبه أو التقليل من شأنه.

العلاقة بين الثقافة والإعلام علاقة تكامل، حسب ما يقول الشمري، وأن «ما يأخذ الثقافة والأدب بعيدا عن الاهتمام هو ابتعاد قضاياها عن هموم المجتمع في وقت يجد الإعلام ضالته في مناشط الحياة المختلفة»، وكذلك كون الثقافة «نخبوية الهوى والنشأة، فقد لا يجد الإعلام مبررا لتسويقها للمجتمع ما لم تكن ذات هم عام يشترك فيه الجميع».

في رأي الشمري، فإن بعض الناس ما زال يتعاطى مع الثقافة وكأنها «ترف» فكري، فالكثير من الناس «يبحث عن رزقه ولقمته وعلاجه ومقعد لأبنائه في أي مدرسة، وهناك تكون الثقافة شيئا من الكماليات، مما يضعف اهتمام وسائل الإعلام بها».

وللخروج من ذلك يقول الشمري: «على وسائل الإعلام أن تتجه أولا إلى بناء قاعدة اجتماعية قوية، ومن ثم يمكن لها أن تسوق ما يحسب حتى اليوم بأنه ثقافة ترف أو مجال أدبي غير ضروري في الحياة العادية».

* الحميدين: الثقافة تتقدم الإعلام

* الكاتب والناقد السعودي سعد الحميدين، مسؤول الملحق الثقافي في جريدة «الرياض»، يرى أن «الإعلام السعودي عامة، والصحافة السعودية خاصة، قدمت الكثير من أجل الأدب السعودي من خلال متابعة وملاحقة المستجدات فيه بشكل فيه كثير من الجهد، سواء كان ذلك من خلال مقابلات أو عرض للإصدارات وتغطية نشاطات الأندية الأدبية، أو من خلال نشاطات وزارة الثقافة والإعلام من جانب، ومعرض الكتاب وندوات الجنادرية من جانب آخر».

ويقول الحميدين: «إن متابعة الحوار الوطني وما يتعلق بجميع الأنشطة الثقافية يدل على ذلك، وهو دور لا يجحد أو ينكر، كونه يلعب دورا فعالا وجليا أمام المتابعين من القارئين والكتاب».

غير أن الحميدين يستدرك بالقول: «إنه عند الحديث عن الإعلام السعودي ككل، لا بد من ملاحظة وجود هاجس في السابق يتمثل في النقص الكبير في أوعية نقل الأدب والثقافة لدى المجتمع، وقد حاولت وزارة الثقافة والإعلام أن تسهم في سد هذا النقص وذلك بتخصيص القناة الثقافية التي تقوم بجهد لا بأس به في الاهتمام بالثقافة والأدب المحلي».

وهو يعترف أن هناك قصورا يحسب على الإعلام السعودي يتمثل في «قنوات لا تهتم بالشأن الثقافي، مما أثر على مجمل الاهتمام بالقضايا المحلية وبينها القضايا الثقافية».

وهو يشكو أيضا من غياب الكادر السعودي في بعض وسائل الإعلام، معتبرا ذلك أحد الأسباب لغياب الاهتمام بالشأن الثقافي المحلي. لكن الثقافة في السعودية، كما يضيف، بدأت تفرض نفسها محليا، وتسجل حضورا على الساحة العربية، من خلال الجهود الذاتية للمثقفين والأدباء السعوديين، الذين استطاعوا أن يقدموا أنفسهم عبر أعمالهم المتميزة، التي استولت على مساحة جيدة من الساحة العربية العامة وفي وقت قصير جدا، مما يدل على نضج وجودة الأعمال السعودية.